عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
بين الحب والتضحية

بين الحب والتضحية

بقلم : أمل حجازي

جاءتني مكالمة من قارئة تسألني رأيي في مشكلة خاصة بها، تلك القصة التي روتها لي ولم أنم بسببها الليل. بل ولم أعرف حتى كيف أساعدها، فكانت تحكي وتعرف هي الحل، وكنت أنا في الحقيقة مبهورة بها وبقوتها وبتضحيتها التي لا يقدر عليها أحد. حكت لي عن زوجها السابق، ذلك الذي تجرد من كل معاني الرجولة والإنسانية، فلم تعش يوما واحدا سعيدا معه، ولكنها كأي أم كانت تصبر من أجل الأولاد. حكت لي كيف كانت عيشتها سوداء، قاسية، ليس بها حتى الهواء، لا أخفيكم سرا، فقد شعرت معها بالاختناق من مجرد سماع الحكاية، فما بالها هي التي عاشت تلك الأيام الكئيبة!! ولما استحالت الحياة بينهما، وقع الطلاق. ليس هذا كل شيء؛ فقد خطف الأب أولاده الثلاثة وسافر بهم بعيدا ولم تعد تعرف أخبارهم إلا من بعيد ولا تقدر على الذهاب إليهم أو رؤيتهم!! سافر بهم حتى يحرق قلبها، هرب وترك أما تتعذب كل ليلة ولا تنام إلا بالمنومات والمهدئات. قلت لها حلولا وسألتها أكثر من سؤال لنجد سويا طريقة ما لاسترداد الأطفال؛ إلا أن كل الحلول كانت مستحيلة. حل واحد كانت هي على يقين منه؛ كانت على يقين أن الله سوف يأتي لها بحقها يوما ما، سوف يتعذب كما كانت تتعذب هي بل وأكثر، كانت ترى ما سيحدث له في المستقبل وكأنها تراه، شيئا ما مما كانت تحكيه كان يخيفيني؛ تضحيتها بأحلى أيام عمرها من أجل انتظار أولادها شيء لا يصدقه عقل. ويقينها بأن الله سوف يردهم إليها يوما ما كان شيئا يدعو للتأمل.



" أيهما يضحي أكثر؟" عندما طرحت سؤالي هذا على الفيسبوك؛ اجتمعت كل الآراء من الجنسين على أن المرأة تضحي أكثر من الرجل. بل ان التضحية يعني " امرأة ". ولخير بداية فلنبدأ بأمك؛ فهي مثال حي يمشي على قدمين للتضحية الخالصة. تبدأ الرحلة عندما تقرر الحياة أن تهديها أغلى لقب في الوجود. اللقب الذي من أجله تصبح كل الأشياء الصعبة هينة، وتصبح كل الأشياء المستحيلة ممكنة في لمح البصر. من أجلك أنت تضحي فتنسى حتى نفسها.

وتضحية المرأة جزء من عطائها. فالمرأة تعطي بلا مقابل أحيانا... لا بل كثيرا، فقد تضحي المرأة من أجل رجل، من أجل حبها، من أجل أبنائها، من أجل من عائلتها، ولكن من حقا يستحق كل هذه التضحيات؟

تكون كل التضحيات ذات قيمة عندما تحمل في طياتها التقدير، ثم التقدير ثم التقدير. فأنا مؤمنة تماما بأن العمل الذي نقوم به من أجل الآخرين بدافع الحب يجب أن يقابله الحب وإلا سيكون كل ما تفعلينه يا عزيزتي مسلما به، لا تسمحي لهم أبدا بإنتهاك حبك، والسطو على مشاعرك، واستنفاذ طاقة قلبك دون مقابل.

كل تلك التضحيات السابقة مشروعة ومقبولة؛ فأن تضحي من أجل أي شيء في هذه الحياة مسموح به حين لا يكون التفريط أمامه في سعادتك. فإياك أن تنسي نفسك داخل دائرة الحياة التي سوف لن تتواني عن هرس كل أحلامك واحد تلو الأخر لو لم تنتبهي لها، فسيسقط منك حلما جديدا يوما بعد يوم وسوف تجلسين في زاوية مظلمة في نهاية الحياة تتحسرين على اهمالك لكل تلك الأحلام التي لم تفلحي في تحقيقها، لا... بل حتى لم تحاولي!!

لا تضحي بحلمك أو طموحك من أجل أحد، السبب الوحيد الذي من اجله يمكنك التخلي عن طموحك وحلمك هو رغبتك أنت فقط في ذلك.

لا تدعي رجلا يهدم طموحك ويجعلك ظلا له، فكثير من أنانية الرجل يمكنك تروضيها بقليل من الذكاء وكثير من التحدي والإصرار.

لا تغيري مبادئك من أجل الظروف. فالظروف تمر والأحوال تتغير، ولكن مبادئك يجب أن تظل ثابتة.

لا تضحي بأصدقائك؛ فتلك تضحية ثمينة سوف تعيشين عمرك كله تندمين عليها. مهما حدث ومهما باعدت بينكم الأيام والمسافات فإياك أن تنسي أنك بدون أصحابك لا هوية لك. نعم قد تحملين هوية الزوجة والأم والمرأة العاملة ولكن هل تفرطين في هويتك الحقيقية قبل كل هؤلاء؟ أصحابك هم الحياة بلا أي تفاصيل معقدة. أصحابك هم الضحك والعفوية والشقاوة. أصحابك هم الحكايات والأسرار والفضفضة، مجنون من يضحي بكل هذا من أجل أي شيء!

لا تتصرفي بغباء! يتألف اليوم من 24 ساعة كاملة فلا تتحججي بضيق الوقت. وكما يقولون " إذا وجدت الإرادة وجد الطريق".

لا تتظاهري بالسعادة ولا تصطنعي الرضا. فقد تستطيعين في يوم تزيين الحقيقية، وفي يوم آخر تلوين الحياة، ولكن إلى متى سوف تستمرين في التمثيل على نفسك؟ اطلبي السعادة من الحياة بأعلى صوتك، ولا تتأخري لأن الحياة لن تنتظرك كثيرا.

 وفي الحب، فإنك قد تفعل أي شيء من أجل حبك. ولكن هل يوجد من يستحق كل هذا التفاني؟ فليس صعبا أن تضحي من أجل من تحب ولكن الصعب ان تجد من يستحق ان تضحي من اجله. وطالما ولد الحب ولدت معه التضحية؛ وبين الحب والتضحية تحكي لنا الحياة قصصا كثيرة. وتحت مظلة الحب الكبيرة كل شيء مسموح به، فالحب هو السحر الذي يصيبك بلعنة جميلة لا تريد أن تشفى منها ابدا. وبتأثير هذا السحر يأمرك الحب بأن تضحي أحيانا وأن تغفر أحيانا؛ و" كله يهون" طالما قلبك ينبض بالفرحة ويرقص من السعادة. فلا تضحية بدون حب! فأنت لا تستطيع أن تحب دون أن تعطي...فالحب الحقيقي مرتبط بالتضحية، والتضحية الصادقة لا ترتبط برجل أو امرأة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز