عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فتنة العريش

فتنة العريش

بقلم : د. محمد فاروق

كان الأجدر بالمصريين أن يتوحدوا خلف عنوان آخر ، ليكن أحزان العريش ، شهداء العريش ، أو أياً من هذه العناوين الصحيحة والمُعبرة عن حالة الحزن التي اكتنفت تلك الأحداث  ، لكننا اصطدمنا بمشاعر مغايرة تماماً ، ربما تداخلت مع مشاعر الحزن لتخلق كابوساً مفزعاً يُهدد استقرار وثبات بُنيان الُلحمة المجتمعية على المدى البعيد ومع تكرار مثل هذه الأحداث ، كالضربات المتتالية التي تأخذ في طريقها رويداً رويداً ما قام التاريخ القديم والحديث بترسيخه في الشخصية المصرية " مُسلمَها ومسيحيَّها " .



ما الذي حدث بالعريش إذن ؟

دعونا نقرأ ما مر ويمر بنا خلال الفترة الماضية  في محافظة العريش ، لنقف دقيقة حداد على المفاهيم المغلوطة ، والمشاعر التي شابها الكثير من الخلط ، والتي قد تقتل وطناً بأكمله ، قبل أن نقف حداداً على شهداءنا أقباط مصر المسيحيين .

بتاريخ 16/5/2015  تم استهداف ثلاثة مستشارين مع سائق المركبة التي كانت تنقلهم لمحل عملهم  ، وأصيب ثلاثة آخرون ، في استهداف مُسلحين مجهولين سيارة تقل عددًا من القضاة والمستشارين بشارع البحر الأعظم بالعريش في محافظة شمال سيناء ! هل تريد مني أيها القاريء أن أذكر لك أسمائهم لتتأكد أن جميعهم مسلمين ؟ .. ألف حسرة على ذلك الإثبات ، دماء مصرية وكفى !

بتاريخ 24/11/2015 تم استهداف الفندق الخاص بقضاة العريش ما أسفر عن استشهاد 3 شرطيين وقاضِِ ، وإصابة 12 آخرين بينهم مجندين ، هل تريد مني أيها القاريء أن أذكر لك أسماء الشهداء والجرحى لتتأكد أن جميعهم من المصريين المسلمين ؟ تستطيع العودة لأخبار الحادث لتتأكد من ذلك ، وألف حسرة على ذلك الإثبات ، دماء مصرية وكفى !

في يناير 2015 تم استهداف قسم أول شرطة العريش " بقذائف هاون " .. هل تتذكر ذلك أيها القارئ ؟ هل تتذكر عدد المدرعات التي تم استهدافها بالعريش ؟ هل تتذكر عدد الشهداء ؟ .. بين يديك الآن نخبة من الشهداء الأطهار " مدنيين وعسكريين " جميعهم مسلمون " ، فهل يستطيع أيَّاً منّا أن يترك الحزن المصري ليتحدث عن الديانة ؟ تبَّت يدَايَّ إن كنت أقصد ذِكر ذلك إلا لوئد الفتنة المشتعلة بين فريق يحاول التعبير عن مشاعره بسلاح قاتل قد ينال من هذا الوطن الآمِن في كافة ربوعه ، اللهم إلا من المنطقة الحاضنة للإرهاب ، والتي حصرت الدولة فيها هذه الحشرات الضارة وأحكمت قبضتها عليهم في طوقِِ واحد يُطلُّون منه علينا بين الحين والآخر لإثبات وجودهم الذي اقترب وأوشك على الفناء بأيادي سادة الجبال وعيون مصر في حدودها براً وبحراً وجواً !

إذن المنطقة بالأصل منطقة حرب ، منطقة مُهددة في المدنيين والعسكريين والشُرطيين ، والاستهداف فيها يتوقف على نوع الفتنة والدمار الذي يريد إحداثه هؤلاء الجراثيم ، والجميع في منطقة الحرب مُتاح ، والاختيار والانتقاء وارد ، وما أسهل دورهم ، وما أصعب ملاحقته بالرغم من المجهودات الأمنية التي تتم على طول وعرض منطقة سيناء ، وبالرغم من الإنجاز الحاصل في تدمير الكهوف والأنفاق والمغارات بجبل الحلال ، وحصول الدولة منه على معلومات غاية في الأهمية والخطورة ، والخلاصة للتذكير أن المنطقة هناك " منطقة حرب " .

عليه قررت بعض الأُسر المصرية " المسيحية " الفرار من هذا الخطر ، كيف لا ؟ وهم يرون أقرانهم مُستهدفين وشهداء ؟! قرر هؤلاء المصريون الفرار من الموت ، متجهين إلى مدينة الاسماعيلية حتى إشعار آخر .

كيف نُطلق على هذا الفرار لفظ " تهجير " ؟ .. هل الدولة هي مَن قامت بإصدار هذا القرار ؟ هل كافة سكان العريش تركوا منازلهم ؟ .. كيف نُطلق هذه المسميات ثم نبني عليها اتهامات للدولة بتهجير هذه الأُسر دون تجهيز واستقبال مناسب وملائم لهم ولذويهم ؟ كيف ننشر صوراً للنازحين من أهالينا في العراق وسوريا و ننبري لإمعان وإضافة سواداً كالحاً لصورة المصريين المسيحيين في بلدهم وكأنهم قِلة مظلومة تواجه ما لا يواجهه الشعب المصري والدولة المصرية كافة ؟! .. مَن الذي جعلكم تحاربون مصر في مصابكم ومصابنا ؟ كيف تركتم العدو الواحد الذي  نال من الأطهار " القضاة والعسكريين والمدنيين " السالف ذكرهم أعلى هذا المقال ؟ تضربون أجسادكم مرتين ؟ مرة بيد العدو ، وأخرى بأيديكم !

أتذكر أيام العدوان الثلاثي على مصرنا الحبيبة ، أسمع في أُذني صافرات الإنذار يصاحبها النداء " غارة .. طُّفُّوا النور " .. فهل كانت الطائرات تنتقي من بيننا المسلم أو المسيحي ؟!

خلال 48 ساعة فقط كانت الدولة مُتكفلة بتسكين هذه الأُسر وتوفير المأكل والمشرب ، وصدر القرار بتسكينهم خلال ثلاثة أيام في شقق الإسكان الاجتماعي المفروشة ، مع نقل أوراق الدارسين في التعليم العالي والعادي إلى كليات ومدارس الاسماعيلية ، واعتبار الموظفين على رأس العمل مع صرف كامل رواتبهم وكأنهم يخدمون في المصالح الحكومية التابعة لهم  بمحافظة العريش ! لا ننكر أبداً اهتمام ومساعي الكنيسة المصرية لخدمة أبنائها في هذا الموقف المحزن ، لكن الدولة هي التي تكفلت بأبنائها ، لا يوجد جنيهاً واحداً يتم إنفاقه على هذه الأُسر في مسكن أو مأكل أو نفقة إلا وكانت الدولة هي القائمة عليه ، وهذا حق أبناء مصر وليس تفضلاً عليهم .

أيها السادة : أخاطب ضمائركم المصرية ، لا داعي لخلق نوع من المظلومية ضد الدولة ، فالمصاب واحد ، والدولة المصرية قامت بتاريخ 16/2/2015 بالثأر لأبنائها الشهداء المسيحيين على الأراضي الليبية في ضربات جوية متلاحقة بعد ساعات قليلة من ذبح عشرون مصرياً خارج الحدود المصرية  وعلى أرض وسماء دولة أخرى ، فكيف تسمح أو تُهمل في حقوق أبنائها على أرضها وداخل حدودها ؟!

الاغتيال على الهوية وارد ، لأننا بصدد عدو حقير يبحث عن أي الفتن أعظم وإحداثاً لحالة أكثر ضرراً ، الاغتيال للعسكريين وارد حتى في عمق القاهرة أو الإسكندرية أو محافظات مصر الآمنة ، كان آخرها اغتيال العميد أركان حرب " عادل رجائي " أمام منزله في نوفمير 2016 ، سبقه اغتيال النائب العام المصري " هشام بركات " أمام منزله أيضاً في يونيه 2015 م . هذا بخلاف محاولات الاغتيال الفاشلة التي كان آخرها محاولة اغتيال الشيخ " علي جمعة " أمام منزله ، فضلاً عن استشهاد " أبو حراز السواركة " شيخ الطرق الصوفية بشمال سيناء في نوفمبر 2016 ، والذي كان يُلقبه أهل سيناء بالعابد الزاهد ! فهل فرَّق الإرهاب الغاشم بين مسلم ومسيحي ؟!

أيها السادة : إتقوا الله في مصر ، وليعلم الجميع أن الكلمة نور ، وبعض الكلمات قبور ، والفتنة نائمة لعن الله مَن أيقظها .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز