عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
وزير التعليم الجديد....وبصيص الأمل!

وزير التعليم الجديد....وبصيص الأمل!

بقلم : د. أحمد الديب

اعتدت من فترة إلي أخري أن أشاهد بعض المحاضرات من خلال مؤتمرات (تيد  (TED    العالمية والتي تُعني بالأساس بنشر الأفكار الجديدة والمتميزة في العالم . في المرة الأخيرة ، وقعت بين يدي محاضرة للدكتور طارق شوقي قبل أن يصير وزيراً للتعليم .



جذبتني حيوية الرجل وخفة ظله وثقافته واطلاعه وحضوره المتميز علي المسرح ورؤيته وانفتاحه . عرض الدكتور طارق شوقي فيما عرض شريحة تحمل صورته طفلاً ، ثم علق علي الصورة بقوله "إن هذا الطفل الذي كان يحمل الفضول فحمله الفضول إلي المعرفة وحب الاطلاع والسفر والتغيير ، لا زلت أحمل عقلية الفضول الذي طغت علي هذا الطفل " .

جال بخَلدي خاطر قصير وأنا أشاهد الرجل ، ماذل لو أصبح الرجل وزيراً للتعليم وهو يحمل هذا الانفتاح وهذه الرؤية وهذا الحماس ، أليست هذه هي النماذج التي نحتاج لتغيير وجه مصر التعليمي والثقافي والتنموي فالإقتصادي.لم يمض زمن طويل منذ مشاهدة المحاضرة حتي سعدت بإختيار الدكتور طارق شوقي وزيراً للتعليم ، فكرت أن إختيار شخصية كهذه لوزارة التعليم بعد نكسات تلو نكسات وفضائح تلو فضائح يحمل في طياته الاعتراف بأهميه ودور التعليم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ مصر ، والإعتراف بأن التعليم لا يحتاج إلي مجرد أستاذ جامعة لإدارة حقيبته ، وإنما يحتاج إلي ما هو أبعد وأعمق ، إلي رؤية شديدة الوضوح والطموح تعضدها قدرة علي التنفيذ ومواجهة التحديات وتخطي العقبات .

ذا ، لا يزال إختيار الدكتور طارق شوقي لوزارة التعليم خبراً يبعث بقبس من الأمل في أننا بدأنا نضع أيدينا علي مواضع الخلل وبدأنا في طريق ليس بالقصير للإصلاح.بمجرد أن ذَهبت السَكرة ، حضرت الفكرة ، فأَطلت من رأسي الظنون والمخاوف مجدداً ، دارت الظنون والمخاوف حول التجربة في حد ذاتها . هذا هو وزير التعليم من الصنف الذي تُريدون ، مثقف ، واعي ، مفعم بالآمال والرؤي ، بارع في التكنولوجيا وتقنيات التعليم الحديثة . ها هو الآن علي كرسي وزير التعليم الوثير يضع الخطط والإستراتيجيات . هكذا تحولت الفرضية إلي حقيقة واقعة علي الأرض .

دعه يواجه تلال التحديات ، وسيل الأوراق الذي يحتاج إلي توقيعه ، والمشكلات المتعلقة بالأبنية التعليمية ، مشكلات المدرسين والطلاب والدروس الخصوصية ، والذهنيات القائمة علي الأمرفي الوزارة ، مشكلة الموظفين الذين اعتادوا علي التأخير ، والطلاب الذين اعتادوا علي الغياب ، ربط المنتج التعليمي بسوق العمل الحديث وبأولويات المرحلة وبتحديات المستقبل!! . 

إن نجاح الدكتور طارق شوقي لا اقول في إصلاح التعليم وإنما أقول في وضع اللبنات الاولي في إصلاحه سيحمل رمزية هامة وتجربة فريدة ويقين مفاده أنك ما إن وضعت الرجل المناسب في المكان المناسب فهنيئاً لك بجني الثمار ولو بعد حين . ثمة رمزية أخري تكمن لا قدر الله في حالة لا أقول الفشل وإنما أقول الإكتفاء فقط بتسيير العمليات اليومية كما فعل سابقوه والذين أداروا مركبة التعليم بنظرية القصور الذاتي .

في هذه الحالة يمكن أن نفكر في أمرين أولهما أن التعليم ليس بحاجة فقط إلي وزير علي هذا القدر من الكفاءة وفقط ، إنما يحتاج إلي إرادة سياسية و تكاتف مجتمعي كلاهما علي أعلي مستوي من الجدية ، وثاني الأمرين أننا سندخل لا قدر الله في حيص بيص النظرية والتطبيق ، وأن الذي يغمر كلتا يديه في الماء البارد ليس كمن يضعهما في النار ، فالتشدق بالرؤي شيء والتنفيذ الفعلي شيء آخر.كم أتمني أن ينجح وزير التعليم الجديد في تحديد أولوياته وهو من هو في الإطلاع علي تجارب بلدان سبقتنا في هذا المجال ، أخشي ألا يسعفه الوقت في حل أزمات متراكمة ومتراكبة علي حد سواء.يعرف الدكتور طارق شوقي ما الذي تحتاجه مصر من التعليم جيداً فلا نزايد علي قدرته علي التشخيص السليم لمواطن الخلل . كما أثق في تفهمه لحساسية الحقيبة التي يحملها ، وفي وعيه بأن الكثيرين يتوسمون فيه خيراً ويضعون آمالاً عريضة علي فرصة فريده هو في مركزها ، هذه الفرصة تحمل في طياتها عبئاً كما تحمل دافعاً قوية لوضع اللبنات الأولي في منظومة إصلاح التعليم توفر علي من يأتي بعده عناء إعادة إختراع العجلة والبداية من المربع رقم واحد مرة أخري.

يحتاج الدكتور طارق شوقي إلي أن يفوض من يراه مناسباً لحل المشكلات اليومية وإدارة الأمور التسييرية في قطاع مترامي الأطراف ، يحتاج إلي وكلاء وزارة علي قدر الطموح والرؤي وعلي قدر تحديات المرحلة . وأن يتفرغ هو بنفسه لموضوع واحد فقط يمثل حجر الزاوية في رأيي المتواضع في هذا البناء الضخم ألا وهو المدرس . صلاح التعليم من صلاح المدرس وتكمن جودة المنتج التعليمي أساساً في جودة الفاعل الرئيسي فيها .

ربما نؤجل مسألة المناهج إلي دورة إصلاح أخري ، ربما نؤجل مشكلة المباني ، ربما نؤجل الحديث عن اهمية التعليم المهني الذي من المفترض أن ينتج لمصر حرفيين علي اعلي مستوي ، ربما نستطيع إرجاء هذا وذاك ، لكن الأولي بالنظر عاجلاً هو المدرس وكيفية الارتقاء به من أول طرق إختيار المدرسين في كليات التربية إلي ما يتلقونه من تعليم وتدريب في هذه الكليات إلي التدريب والتطوير علي رأس العمل.يحتاج الدكتور طارق شوقي وهو خبير التكنولوجيا الحديثة أن ينفخ الروح في المعلم ليكون هو رجل المرحلة وفارس البطولة فيها ، يحتاج إلي خطة محكمة لتطوير المعلمين الفعليين ، وإلي خطة محكمة موازية لتهيئة المعلمين المحتملين من طلبة كلية التربية . لا بد أن يسارع الطالب المتفوق في الثانوية للإلتحاق بكليات التربية ، لا بد أن تكون كلية التربية هي كلية القمة إذا جاز التعبير ، ولن يتثني له ذلك إلا بإقرار مزايا نوعية للمعلم مادياً وعقلياً وفكرياً ونفسياً . أعتقد أن هذا سيكون بداية طريق طويل موصول ليس هو بالطريق المستحيل بالطبع لكنه ليس بالطريق الممهد السلس أيضاً.*خبير الإدارة والجودة

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز