عاجل
الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الشيخ الطيب.. وفتنة الطلاق الشفوى!
بقلم
محمد نجم

الشيخ الطيب.. وفتنة الطلاق الشفوى!

بقلم : محمد نجم

يقول سبحانه وتعالى فى محكم آياته: “فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ” وأعتقد أنه لا خلاف أن “أهل الذكر” الذين يمكن أن نسألهم ونستفتيهم فى أى شأن من شئون إسلامنا الوسطى وعقيدتنا السمحاء، هم هيئة كبار العلماء بأزهرنا الشريف منارة الإسلام على مر العصور، والذى وصفه شيخنا المرحوم الشعراوى “بأنه هو من صدَّر علوم القرآن إلى البلد الذى نزل فيه القرآن”. وخاصة عندما يكون على رأسه العالم الجليل د. أحمد الطيب - والذى له من اسمه نصيب - شيخ الجامع الأزهر ورئيس جامعته السابق، ومفتى الديار الأسبق، والعميد الأسبق لكليتى أصول الدين والدراســات الإسلامية بجامعته العريقة.



ومن ثمَّ لست أفهم لماذا كل هذا الضجيج المفتعل حول بيان هيئة كبار العلماء بشأن الحُكم الشرعى للطلاق الشفوى!

للأسف الشديد إن بعض من هاجم هذا البيان لم يقرأه، أو أنهم قرأوه ولم يفهموا مقصده السليم، أو أنهم استوعبوا مضمونه ولكنهم أرادوا اصطناع «فتنة» لا مبرر لها بين الشيخ والرئيس، لعن الله الغرض الذى يصل مع البعض إلى درجة المرض!

لقد كان من المضحكات المبكيات أن نطالع على صدر صحيفة حزبية صورة ضخمة وعنوانًا عريضًا بأن قبائل وعائلات الأقصر - مسقط رأس شيخنا الجليل - تساند الشيخ الطيب فى خلافه مع الرئيس!

هل هذا هو الإعلام المعبر عن نبض المجتمع؟ ألم يقرأ أو يسمع هؤلاء وغيرهم ما قاله الرئيس فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الكينى بأن «الأزهر منارة الفكر الإسلامى المعتدل»؟

أو لم يسمع المغرضون عن مبادرة الأزهر الشريف فى إنهاء معاناة مسلمى دولة «بورما» وكذلك اجتماعاته المستمرة مع ممثلى البابا والديانة المسيحية من أجل البحث عن القواسم المشتركة للتسامح الدينى، باعتبار أننا جميعا أبناء آدم وحواء ونؤمن برب واحد ونسبح باسمه فى كل آن ومكان!

ألا يعلم هؤلاء ما نحن فيه من ظروف عصيبة، من مواجهة مسلحة مع عناصر ضالة، وضائقة اقتصادية طالت الجميع، فهل هذا وقت افتعال الأزمات وإثارة الفتن؟.. اتقوا الله فى مصر.

ثم ماذا يقول البيان الذى حاول البعض اصطناع أزمة لا أصل لها بسببه؟ ولماذا لم يحاول البعض قراءته قراءة متأنية؟ ليفهم مقصده وسلامة مضمونه!

ألا يعلم هؤلاء أننا - كمسلمين - ملتزمون بتطبيق الأحكام الشرعية الواردة فى القرآن منذ أن نزل وحتى قيام الساعة؟ وكلنا نعلم أن المسلمين الأوائل لم يكن يوثِّقوا الزواج وكذلك الطلاق.. حيث كانت هذه عاداتهم وظروف مجتمعاتهم، فضلا عن أنهم كانوا أتقياء ألزموا أنفسهم باتباع شرع الله فى عباداتهم ومعاملتهم.

وبمرور الأيام.. تغيرت الظروف والناس أيضا، وبدأت المجتمعات، حفاظا على كيان الأسرة ومستقبل الأبناء وحفظا لحقوق أطرافه، فى توثيق الزواج لدى المحاكم ثم المأذون الشرعى المكلف قانونا بإصدار ما سمى «بوثيقة الزواج» والتى على أساسها تستخرج شهادات مواليد الأبناء، كما أنها تثبت الحقوق الشرعية والمادية للزوجة الحاضنة أو المطلقة من نفقة ومؤخر صداق وميراث.. إلى آخره.

وكما أ لزم المجتمع أفراده - قانونا - بضرورة توثيق الزواج، ألزمهم أيضا بضرورة توثيق الطلاق.. أيضا للحفاظ على الحقوق الشرعية والمادية للزوجة والأبناء، إلى جانب الاحتساب الصحيح لما يسمى بشهور العدة، والتى يجوز للزوجة بعد مرورها أن تتزوج من جديد.

والمعنى المقصود من القواعد الجديدة التى أوجبتها الظروف المتغيرة للمجتمعات الحديثة أنه لابد من توثيق العلاقة الزوجية الجديدة، فلابد أيضا من توثيق انتهاء تلك العلاقة منعا للضرر وحفاظا على حقوق أطرافها.

ولا أعتقد أن تلك القواعد تحتاج لمزيد من الشرح والتفصيل، وتكفى الإشارة هنا أنه على الرغم من وجود تلك الوثائق للزواج والطلاق فمحاكم الأسرة تعج بآلاف القضايا حول الحقوق المادية والشرعية المختلف عليها بين أطراف العلاقة الموثقة، فما بالكم لو لم يكن هناك توثيق؟!

إذًا علام الخلاف؟ وهل يقع الطلاق عند النطق به شفويا أم لا يأتى ثماره الشرعية والمادية إلا بعد توثيقه؟

بالطبع لا خلاف أن «الطلاق» يقع بمجرد النطق به، لأن المسألة لا تحتمل الهزار.. حيث تتعلق بكيان أسرة هى عماد المجتمع وأبناء صغار وأطفال رضع.

وبماذا أفتى كبار علمائنا الأجلاء؟ أفتوا بموضوع الطلاق الشفوى المستوفى لأركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق.

كما لم يكتفِ شيوخنا الأجلاء ببيان حُكم الشرع فقط ولكنهم بادروا على الفور بمناشدة المطلق «أن يبادر بتوثيق هذا الطلاق فور وقوعه» حفاظا على حقوق المطلقة وأبنائها.

فأين المشكلة هنا؟ أليس هذا هو المطلوب شرعيا أو مدنيا؟ أم أن البعض استحلَّ الحرام وأكل حقوق الزوجة والأبناء؟!

بل فى رأيى أن أصحاب الفضيلة كانوا أكثر حرصا على سلامة المجتمع واستقرار حياة أبنائه من بعض المطنطعين من الإعلاميين، وذلك عندما أشاروا إلى: «ومن حق ولى الأمر شرعا أن يتخذ ما يلزم من إجراءات لسن تشريع يكفل توقيع عقوبة تعزيزية رادعة على من امتنع عن التوثيق أو ماطل فيه».

بمعنى أنه من حق الدولة أو الحكومة أو البرلمان أن يفرض عقوبة على كل من يمتنع عن توثيق الطلاق الشفوى طالما وقع وكانت نية الزوج واضحة فى الانفصال عن زوجته وأبنائها.

وهنا أيضا أين المشكلة؟ ألا يعلم البعض أن للمحكمة أن توقع عقوبة على من تستدعيه للشهادة فى إحدى القضايا المنظورة أمامها ويرفض الحضور أو يتلكأ فيه؟!

فما بالكم بشىء جلل مثل هدم كيان أسرة وانتهاء العلاقة الشرعية بين الزوجين؟ هل يجب أن تظل الزوجة «معلقة» تستجدى الناس لمساعدتها وأطفالها الصغار، بعد أن طلقها زوجها شفويا وانفصل عنها ورفض منحهم حقوقهم المادية وهى لا تستطع مقاضاته بسبب عدم حصولها على وثيقة الطلاق؟! ثم ماذا فى البيان بعد ذلك؟.. سوى مناشدة هيئة كبار العلماء لكافة المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها عدم الالتفات للفتاوى الشاذة المغرضة حتى لو كانت صادرة من بعض المنتسبين للأزهر الشريف.

وأيضا.. دعوتهم بعدم الاستهانة بأمر الطلاق والتسرع فى هدم الأسرة وتشريد الأبناء، وتذكير الجميع بالحديث الشريف بأن الطلاق هو أبغض الحلال عند الله.

وكذلك إشارة البيان «أننا لسنا فى حاجة الآن لتغيير أحكام الطلاق بقدر ما نحن فى حاجة لبحث أسبابه.. وعلى رأسها الفقر والجهل والمرض واستسهال البعض وعدم قدرة الشباب الجدد على تحمل المسئولية.

فى رأيى.. أن البيان كان كلمة حق قيلت فى وقتها فى ظل هذا السيل من الفتاوى الغريبة من شيوخ الفضائيات وغيرهم من الدواعش.

وإذا لم يفتنا شيوخ الأزهر وكبار علمائه فمن نسأل أو نستفتى سواهم؟!

يا أيها المغرضون لا تلعبوا بالنار..

نحن نحترم أزهرنا الشريف ونقدر شيوخنا الأجلاء.. وهم أهل الفتوى فيما استثقل (صعب) علينا من الفهم.

حفظ الله مصر ووقاها شر الفتنة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز