عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (7)

تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (7)

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

لا شك أن تزوير المفاهيم هو أخطر ما يرتكبه البشر في حق أنفسهم وإنسانيتهم ، خاصة في حقوق مهمتهم الجليلة التي خلقهم لله من أجلها وكلفهم بها واستحقوا عليها (سجود وحفظ ودعاء واستغفار) الملائكة ، وهي إعمار الأرض بالعلم والعمل كخلفاء لله عليها ، وهو أول وأهم وأخطر المفاهيم الثلاثة التي استعرضناها من قبل ، والتي بتزويرها سقطت البشرية تباعا في غياهب الصراعات الدموية المتزايدة ، وقلنا أن تزوير هذا المفهوم الأول وهو الهدف من خلق الله للبشر كان الأساس لكل ضلال وبهتان ، حيث تم تبعا له تزوير معنى العبادات والتي تعني (أداء مهمة العبودية لله) ، وادعوا كذبا أنها محصورة في أداء المناسك والفروض والشعائر والتي هي في الحقيقة فروضا للحفاظ على استقامة الإنسان في أداء مهمة العبودية (التي خلقه من أجلها) وهي .. (إعمار الأرض كخلفاء لله عليها بالعلم والعمل كدحا وكدا) .



وجاء ثاني المفاهيم المزورة هو مفهوم الدين (الحقيقي) والذي هو مجمل المعتقدات النفسية التي تشكل وتتحكم في منهج وأساليب حياة أي شخص في تعاملاته مع الدنيا ، والتي حصرها المضللون زورا في مظاهر وأشكال ممارسة المناسك والشعائر ، وكان المفهوم الثالث هو إنكار حقيقة أن كل البشر على الأرض منذ آدم وإلى يوم القيامة .. هم سواسية .. ويحبهم ربهم بقدور متساوية ولا فرق بين أيا منهم ، ولكن البشر اعتادوا ممارسة بهتان محاولة كل فئة أو مذهب وملة عبر التاريخ بالانفراد بالقرب من الله ، بادعاء أنهم خاصة الله وشعبه المختار وأنهم أصحاب الحق المطلق ورواد الجنة والنعيم الأبدي ، وأن غيرهم على الضلال ومصائرهم في الجحيم ، وكانت تلك هي المفاهيم الثلاثة التي كذب الله فيها كل المدعين من البشر منذ آدم وحتى يومنا هذا ، والتي من أجل نجاح تزويرها تم إخفاء التوراة والإنجيل وابتداع مسوخ مكتوبة بأيدي بشرية يدعون أنها الأصول ، وكذلك تم تزوير مفاهيم القرآن الكريم المهجور والمحظور في علومه على أي مسلم محاولة الفهم أو التدبر والمغلقة أبواب التفكر والفهم فيه على علماء ماتوا منذ عشرات القرون.

ومن تزوير هذا المفهوم الثالث انبثق تمييز جماعة بعينها كفئة مقدسة بين أبناء كل دين وملة ، وهو ما انتشر في جميع الملل والنحل والمذاهب تباعا ، سواء تقليدا وجهلا أو تعمدا وتنطعا حتى تختفي الحقائق كاملة ، وهذه الفئة المقدسة هي التي تعرف دوما بما يسمى بـ (رجال الدين) ، وهم تاريخيا من لهم التفضيل والتبجيل على غيرهم بادعاء أنهم وكلاء الله على الأرض وبالتالي فلهم سلطات واسعة لتوجيه البشر بل والسيطرة على حركة حياتهم ، وكذلك يتحملون مسئولية غفران ذنوب العامة وقيادتهم كالقطيع لنيل رضا الله والفوز بجناته ونعيمه ، وليس هذا غريبا ولا عجيبا فبعيدا عن الديانات الأرضية كعبادة الشمس والبقر وغيرها وما يحدث فيها من فواجع وكوارث ، نجد مثلا .. كهنة وحاخامات اليهود لهم السلطة العليا على الشعب اليهودي ، ويفرضون تدريس أسس التلمود على الأطفال خاصة أسطورة أنهم شعب الله المختار وأصحاب الجنس السامي، وبقية البشر ليسوا سوى حيوانات خلقها الله لخدمة اليهود ، وبالتالي فقتلهم ونهب أموالهم والاعتداء على أعراضهم وتشريدهم هو تقرب إلى الله ، وبالتالي لا حرج أن يسجن طفل فلسطيني عمره أقل من (13) عاما لمدة (15) عاما لسبه جندي إسرائيلي ، وتحكم محكمة الاستئناف بتشديد العقوبة إلى (20) عاما ، بينما تحكم بسجن جندي إسرائيلي (18) شهرا فقط لقتله رجل فلسطيني أعزل من ظهره .

ولا عجب أيضا أن نجد أيضا رجال الدين في المسيحية هم رسل الله المنزهين ولابد من تقبيل أياديهم ، والثقة فيهم مطلقة ، فهم من يغفرون الذنوب ويمنحون صكوك الغفران ، بعد الاعتراف لهم بالخطايا ، ثم تقديرهم للعقوبة المالية أو الجسدية المناسبة ، بل وما زال هناك منهم من يبيعون للناس قطعا من الأرض في الجنة ، ويتحكمون في حركة حياة شعب الكنيسة دون معترض أو منازع ، وهو ما كان سببا مباشرا لحوادث وكوارث إنسانية تتم داخل دور العبادة أو الرهبنة ويرتكبها خدمة الرب باسم الدين وخاصة مع الأطفال والنساء ، والتي أدت عالميا لعزوف الكثيرين عن الكنائس والأديرة خاصة من ليسوا في حاجة لمساعدات الكنائس الكثيرة لشعب الكنيسة ، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال ، دفعت الكنائس أكثر من 2 مليار دولار على سبيل التعويض المادي للضحايا ، أما في أيرلندا مثلا ..  فقد جاءت تقارير الاعتداءات الجنسية والجسدية لرجال الدين الكاثوليك على الأطفال زلزلا مدويا هز قمة التسلسل الهرمي للدولة ، مما أدى لاحقا إلى استقالة الحكومة ، كما قد كشفت دراسة حكومية دامت لمدة تسع سنوات (تقرير ريان) والذي نشر في مايو عام 2009م ، أن تلك الحوادث من قبل الرهبان والراهبات والقساوسة أو الكهنة كانت حالة عامة في المؤسسات التي كانت ترعى أكثر من ثلاثين ألفا من الأطفال ، وليس مقصورا ولا محصورا في الكنيسة الكاثوليكية كما صرح بابا الفاتيكان ، ولكنه حالة عامة كنتيجة مباشرة لمنح الإنسان سلطات مقدسة ومطلقة على غيره من البشر ، فالنفوس دوما أمارة بالسوء في غياب القيم والقواعد الإنسانية للمساواة بين البشر خاصة باسم الدين وقدسية من يسمون أنفسهم برجاله .

ورغم أن الإسلام كدين نعرفه جيدا من خلال آيات القرآن يخلو تماما ممن يسمون برجال الدين ، ولكن بالنجاح في تزوير معنى الدين وحصره في الفروض والحدود والمناسك والتي تمثل آياتها أقل من (3%) من آيات القرآن ، مع التجاهل التام والمتعمد لأكثر من (50%) من آيات القرآن والتي تسجل حقائق علوم الخلق والكون البحتة ، أصبح المتخصصون في علم الفروض والحدود هم وحدهم (علماء الدين) ، بل وإمعانا في التزوير أقنعوا العامة أن علم الفروض والحدود هو فقط العلم المقدس والمسمى بـ (العلم الشرعي) وهو فقط (فرض عين) على كل مسلم ، وغيره من العلوم هي فرض كفاية ولا ترقى لأهمية وخطورة العلم الشرعي ، وهو ما كان له نتائج كارثية على المسلمين عبر قرون طويلة ، وأولها هو إهمال المسلمين للعلم البحت والعمل وإعمار الدنيا ، ورغم أن أسلافهم الأوائل صنعوا أعظم طفرة علمية في تاريخ البشرية وسادوا بها الدنيا لعشرة قرون ، ولكنهم سقطوا وصدقوا التزوير والضلال فتراجعت شعوبهم لذيول الأمم المتحضرة ، وجاءت ثاني النتائج الخطيرة بتفرغ علماء الفروض والحدود للاختلاف والانقسام والذي اعتبروه إثراء للعلم الشرعي فتفاقمت النتائج بتفشي ظاهرة المذاهب والملل والفرق والجماعات والتي تتصارع اليوم وتتآمر وتكفر بعضها البعض ،  

ولا شك أن ما حدث في اليهودية والمسيحية قد كرر نفسه بين الفرق والجماعات المتأسلمة صناعة الماسونية اليهودية ، مثل الوهابية والسلفية والجهادية والإخوان والقاعدة والدواعش والتي تدار جميعها من مقرات المخابرات البريطانية والأمريكية والموساد حتى اليوم (والمقبوض على ضباطهم في سيناء مؤخرا) ، ولذلك تجاوز إجرامهم الجنس وفواحشه ووصل لتحليل الزنا باسم نكاح الجهاد والشذوذ ، وتعدى أيضا مستويات استباحة قتل الغير وذبحه والتمثيل بالجثث وتخريب البلاد وهو ما نجده صريحا في الكتاب المقدس حيث يقول الرب { وتحطم أطفالهم أمام عيونهم وتنهب بيوتهم وتفضح نساؤهم .. وَاضْرِبُوا لاَ تُشْفِقْ أَعْيُنُكُم وَلاَ تَعْفُوا اَلشَّيْخَ والشَّابَّ  والْعَذْرَاءَ وَالطِّفْلَ وَالنِّسَاءَ ، اقْتُلُوا لِلْهَلاَكِ .. وَاضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ. وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ. وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِالنَّارِ. فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولَئِكَ الْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ أَمَّا  أعْدَائِي أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي آية (لو 19: 27) ، بل وتخطى كل هذا لدى الدواعش إلى مستويات قتل الإنسان لنفسه تحت مسميات التضحية ونيل الشهادة في سبيل الجنة باسم الجهاد ، وهو مستوى خطير من غسيل وطمس العقول واستغباء واستعباد البشر وتسخيرهم لخدمة إبليس ، وهو ما يعيد للأذهان ذكريات جرائم فرقة الحشاشين التي صنعتها الماسونية اليهودية في مذهبهم الشيعي المتأسلم على يد الملقب بــ (حسن الصباح) منذ تسعة قرون في (إيران) فارس ، والتي دخلت بسببه كلمة الحشاشين (Assassin) في اللغات الأوربية بمعنى القاتل المحترف والمأجور ، واليوم تستبيح فرق الماسونية المجددة باسم (إخوان المسلمين) و (السلفية) و (الدواعش) القتل والتخريب والإفساد في الأرض لحساب الماسونية وتحت مسميات الدين وخدعة استعادة مجد الإسلام المهدر منذ قرون وهو ما يحلل بفتاوى بعضا ممن يسمون أنفسهم (علماء الدين) والذين اشتروا الحياة بالآخرة جهلا وحمقا أو متعمدين .. وهو ما سوف نستعرضه لاحقا ...

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز