عاجل
الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عفوًا أستاذنـا د. على عبد العال
بقلم
محمد نجم

عفوًا أستاذنـا د. على عبد العال

بقلم : محمد نجم

أحب د. على عبد العال وأحترمه على الرغم من أننى لم ألتق به من قبل مع أنه من مواليد 1948 وتخرج من حقوق عين شمس بتفوق وبدأ حياته المهنية وكيلًا للنائب العام، ثم غير الكارير وعين معيدًا ثم حصل على درجة الدكتوراه فى القانون الدستورى والإدارى من جامعة السربون بفرنسا.



نعم أحبه وأحترمه لأننى خريج حقوق مثله وعملت فى بداية حياتى الصحفية محررًا  قضائيًا، ومازلت متحيزًا للمشتغلين بالقانون تدريسًا وحكمًا ومرافعة، خاصة وأن أستاذنا د. على يتمتع بخفة الدم وعفة اللسان كعادة أبناء أسوان.

ولكن مشكلتى أننى لم أسمع به أو أقرأ له من قبل، فلم تظهر مؤلفاته عن الحريات العامة والقانون الدستورى، والقانون الإعلامى إلا مع بداية عام 2014.

ولكنه الآن ملء السمع والبصر بعد أن اختاره رئيس الجمهورية فى قائمة المعينين بالبرلمان وأنتخبه الأعضاء رئيسًا لهم.

وعلى الرغم مما يبدو عليه أستاذنا د. على من أدب شديد وثقافة قانونية ملحوظة، فإنه أحيانًا ينزلق إلى تعليقات وتصريحات صحفية تخالف طبيعته السمحاء ورصانة موقعه كرئيس للسلطة التشريعية، ومنها - مثلًا - ما صدر عنه مؤخرًا من تعليق متسرع بشأن مؤسسة الأهرام العمود الأساسى للمؤسسات الصحفية القومية والإعلام المصرى بصفة عامة، وحسنًا فعل د. على حيث أعاد تصحيح الوضع والعلاقة بين سلطة التشريع وسلطة الصحافة بتصريحات لاحقة على ماقاله من قبل بشأن الأهرام والقائمين عليها.

ولكن يبدو أن المشكلة لاتزال قائمة، وأعنى بها.. ملكية المؤسسات الصحفية القومية وطبيعة عملها ومدى ما يتمتع العاملون فيها من حريات فى التعبير عن رأيهم أو فى كيفية ممارستهم لعملهم.

فقد اطلعت منذ فترة - وبالصدفة - على خطاب من البرلمان للمؤسسات الصحفية القومية يطالبها فيه بحصر أصولها وسداد ما عليها من مديونيات للمجلس الموقر باعتباره الوريث الشرعى لمجلس الشورى المنحل والذى آلت حقوقه والتزاماته وكذلك موظفوه إلى البرلمان،ولست أعلم ماذا تم بشأن هذا الخطاب وكيف ردت المؤسسات الصحفية القومية عليه؟!

ولكن ما أعلمه أن مجلس الشورى المنحل لم يكن مالكًًًًًا للمؤسسات الصحفية القومية وإنما كان فقط «يمارس حقوق الملكية عليها» نيابة عن الدولة حيث كانت الدساتير السابقة تنص على أن «الصحف القومية مملوكة ملكية خاصة للدولة».

وأعتقد أن أستاذنا د.على يعلم تمامًا الفرق بين الملكية العامة والملكية الخاصة للدولة، ولعل أبرز هذه الفروق أن المؤسسات الصحفية ليست مرفقًا عامًا ضمن المرافق العامة التى يجوز للحكومة أو الوزارات المعنية التدخل فى إدارتها وتحديد سياسات عملها ومحاسبتها على نتائج أعمالها، وإنما طبقًا للدستور والقانون والتوصيف السليم لأستاذنا المرحوم د. جمال العطيفى هى «مؤسسات عامة ذات طبيعة خاصة» أى أن أموالها وأصولها تعد من الأموال العامة ولذلك تخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات.

ولكن نظرًا لطبيعة عملها وباعتبارها إحدى عناصر القوى الناعمة المصرية، يجب أن تتمتع بالاستقلالية فى ممارسة عملها، وأن تدار «إدارة ذاتية» من خلال العاملين فيها من صحفيين وإداريين وعمال وهو ما نظمته بالفعل قوانينها الخاصة - من خلال مجلس الإدارة والجمعية العمومية فى كل مؤسسة مع الجمع بين نظامى التعيين والانتخاب عند تشكيل هاتين الهيئتين أولهما مجلس الإدارة المسئول أن إدارة أموال وأصول المؤسسة والجمعية العمومية التى تعتمد سياساته وموازناته التقديرية وميزانياته السنوية، ثم المحاسبة على نتائج الأعمال.. والتى قد تصل إلى طلب تغييره!

ولنعد إلى أصل الموضوع من البداية، حيث صدر القانون 156لعام 1960 بتأميم المؤسسات الصحفية الخاصة الموجودة فى السوق المصرى وقت صدوره، ومنها الأهرام والأخبار ودار الشعب والمصرى «دار التعاون فيما بعد» ودار المعارف ودار الهلال وروزاليوسف، وأسندت تبعيتها إلى الاتحاد القومى وقتها - مع أنها مملوكة للدولة بموجب قرار التأميم وهو ماحدث بالمثل فى قطاع البنوك.

والطريف أن قانون التأميم نص وقتها على ملكية العاملين فى تلك المؤسسات على نسبة 49% من أسهمها، وأن يمتلك الاتحاد القومى - باعتباره ممثلًا لقوى الشعب العامل - النسبة الباقية وهى 51%، ثم حل الاتحاد الاشتراكى محل الاتحاد القومى فى هذا المجال.

ثم جاء الرئيس السادات إلى الحكم وتغير الدستور ونص على أن «المؤسسات الصحفية القومية مملوكة ملكية خاصة للدولة» على أن يمارس مجلس الشورى الذى أنشىء وقتها حقوق الملكية عليها، وكان ذلك «تخريجًا» جديدًا من المشرع وقتها على أساس أن مجلس الشورى.. هو مجلس الحكماء ويجمع فى عضويته بين المعينين والمنتخبين وأن يكون بمثابة «المظلة» التى تعمل من خلالها تلك المؤسسات الصحفية القومية، مع التأكيد على أنه لم يكن مالكها وإنما كان مجرد وكيل للمالك الأصلى وهو الدولة «الشعب»، وأنه فقط يمارس حقوق الملكية عليها وأبرزها تعيين رؤساء ومجالس الإدارة ورؤساء التحرير واختيار المعينين من أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء الجمعيات العمومية فى كل مؤسسة.

والمعنى أن المؤسسات الصحفية ظلت على توصيفها القانونى الصحيح بأنها «مؤسسات عامة ذات طبيعة خاصة» وأنها تتمتع بالاستقلالية فى الإدارة وفى ممارسة عملها وخاصة الصحفى.

وهذا المعنى.. أكده الدستور الحالى.. حيث نص على استمرار ملكيتها للدولة، وأن يمارس حقوق الملكية عليها الهيئة الوطنية للصحافة والتى حلت محل المجلس الأعلى للصحافة ومن قبله مجلس الشورى، أى تعيين رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير لمطبوعاتها وكذلك المعينين من أعضاء مجلس الإدارة والجمعية العمومية فى كل مؤسسة.

 وهو ما يعنى بالتأكيد أنه إذا كانت حقوق والتزامات مجلس الشورى المنحل قد آلت إلى البرلمان، فالبطبع ليست المؤسسات الصحفية القومية من ضمنها.

يؤكد ذلك أن الهيئات المسئولة عن الإعلام فى مصر وردت تحت عنوان الفصل العاشر من باب نظام الحكم فى الدولة، أى أنها وردت فى فصل مستقل بذاته بما يعنى استقلالها عن سلطات الدولة الأخرى وهى التنفيذية والتشريعية والقضائية، أى أنها ليست من ممتلكات البرلمان وليست تابعة له، وأن مقولة رئيس البرلمان «إننا نصرف على الأهرام» ليست إلا زلة لسان.. لا أكثر من ذلك!

وتكفى الإشارة هنا إلى ما ورد بالدستور بشأن المؤسسات الصحفية القومية بأن «الهيئة الوطنية للصحافة هيئة مستقلة تقوم على إدارة المؤسسات الصحفية المملوكة للدولة وتطورها وتنمى أصولها، وضمان تحديثها واستقلالها، وحيادها، والتزامها بأداء مهنى، وإدارى واقتصادى رشيد»، بل أوجب الدستور أخذ رأيها فى مشروعات القوانين الصحفية.

تبقى الإشارة إلى أن المؤسسات الصحفية مستقلة فى عملها الفنى وهو التحرير،حيث يحددها رئيس التحرير مع مجلس تحرير الصحيفة أو المجلة ويوافق عليها مجلس إدارة المؤسسة، ثم تكون المسئولية القانونية الكاملة عما ينشر لرئيس تحرير المطبوعة أو من يفوضه فى بعض اختصاصاته وبالطبع يعلم أستاذنا د. على أن للصحف أن تؤيد أو تختلف أو تنتقد سياسات وقرارات كافة مؤسسات الدولة طالما يمارس الصحفى عمله بحسن نية وبمهنية وكفاءة، مع جواز حق الرد والتصحيح لمن يشمله النشر، بل حق اللجوء إلى القضاء فى بعض الحالات، وهذا ما تجرى عليه الأمور فى كافة الصحف والمجلات خارجيا وداخليا، فالأمر ليس جديدا ولا بدعة مصرية.

وأخيرا.. على المستوى الشخصى حضرتك أستاذنا فى مجال القانون، ولكن على المستوى الوظيفى سيادتك رئيس البرلمان، أى السلطة التشريعية، وواجبنا أن ننقل نشاطكم للرأى العام، ومن حقنا أن نتفقد أداءكم.. طالما لا نستهدف سوى المصلحة العامة.

أعتقد أن الأمور أصبحت واضحة، ومفيش حد بيصرف على حد، وكلنا بنصرف من أموال الشعب!

حفظ الله مصر وألهم أهلها الرشد والصواب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز