عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لص الشوكولاتة

لص الشوكولاتة

بقلم : د. محمد فاروق

المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية ، يشهد معركة ضارية بين فئات الشعب المتناحرة على الدوام لإثبات صحة وجهة نظرها على حساب الآخرين ، تلك هي السمة الراسخة منذ مطلع 2011 ، والتي لم يطرأ عليها تغيير أو تعديل أو مراقبة من ذَوِيِّها لإصلاح أفكارهم وتوجهاتهم وتوجيهها نُصب مصر والصالح العام ، في فترة هي الأشد قسوة على مصر وسائر المنطقة .



المعركة بدأت بقصة " الأب " الذي ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، وفقد القدرة على خدمة متطلبات طفله الصغير الأساسية ، بل لم يعد بإمكانه إسعاد طفله بقطعة شوكولاتة ، نظراً لضيق الحال وفقر اليد ، والواقع المؤلم !

المبارزة بدأت بين الفريقين كالعادة ، الفريق صاحب النظرة التشاؤمية على طول الخط " وبطبيعة الحال " أخذ جانب هذا الأب المسكين مدافعاً عن حاله ووضعه ، آسفاً على ما وصل إليه نهايةً من تعرضه للمسائلة القانونية واتهامه بالسرقة ، والفريق الآخر ظل يناقش المسألة من جهة " الحلال والحرام " ، ويرى في قناعته أن السرقة لا تختلف في مضمونها باختلاف المواقف ولو تعددت المشاعر الإنسانية بداخلها أو حكمتها ظروف معينة ! مما اضطر الطرف الأول للدخول في معركة جانبية لإثبات أن هذا " الحرام " لا يرقى لكونه حرام ، ولا يمكن القياس عليه واعتباره في مصاف الجرائم التي يُحاسب عليها القانون ، بل انبرى بعضهم للحديث عن الرسالة السلبية التي وصلت للطفل في عمره هذا ، وكيف أن والده سينال عقاباً رادعاً لمجرد أنه باحث عن تلبية رغبته المتواضعة في الحصول كباقي الأطفال من عمره على قطعة حلوى !

وبدأت المعركة ضد الدولة " كالعادة " .... فدولةُُ بها طفل على هذه الشاكلة ، وله أب سيتم حبسه بهذه الشاكلة ، هي دولة الظلم والجوع والتجويع ، وهي دولة تقطع يد السارق الفقير ، وتتجاوز عن سرقات الكبار وتحمي لصوص الأشراف من الأعيان  ! يقين جامح وجامع لكل أدوات التمكن من الدفاع عن تلك القضية ، براهين دامغة على صحة الواقعة وشخوصها ومقاصدهم ! إيمان لا يتزعزع بأحقية دوافع هذا الرجل في تلبية مطلب طفله الصغير ولو بطريقة غير مشروعة !

والحق أقول : إذا كانت صيغة واقع الأمر تنطوي على أب فقير رأى بأم عينيه رغبة طفله الصغير في قطعة حلوى ، وفرضت عليه ضيق ذات اليد من تجفيف دموع طفله أو أُمنيته المتواضعة ، ولم يجد طريقاً إلا هذا السبيل الغير مشروع ، فالقضية يجب أن تنتهي بشكل فيه من الشفقة والعطف ما يشفي صدور قومِِ فقراء على أطفالهم ، إقترح ما شئت ، غَيرَ أنك لا تتجاوز تلك اللحظة ومشاعرها الأبويَّة ، إذهب إلى حيث شئت ، غَيرَ أنك لا تتهم هذا الرجل بالسرقة أو تنعته بالسارق !

ولكن : من أين جئتم بهذا اليقين من سلامة نوايا الرجل ؟ واشتياق طفله لقطعة حلوى ؟ وضيق ذات يد الأب ؟ وافتراض كل ما هو غير قائم بالأصل ؟ ثم بنيتم على هذا اليقين اتهامات بلغت في أدناها سِباباً للدولة " وللعيشة واللي عايشنها " !

ثم شاهدنا بالأمس تفريغاً لكاميرات المراقبة الذي أظهر اللص في عدة مشاهد " وقحة " .. يلتقط من كل حدبِِ وصوب ما يستطيع أن يُواريه في الجيوب الأمامية ، ثم داخل فتحة الصدر .. " ثم المقدمة والمؤخرة  " !  .. ثم فوجئ الجميع  بأن هذا الرجل ليس له طفل كما كان يدَّعي ، ثم أدرك الجميع أن لهذا الرجل أربعة بنات ، ثم توالت السيرة الذاتية للرجل ، كونه منفصلاً عن زوجته وبناته لسوء سلوكه وسمعته وإدمانه للمخدرات ، ثم حكايات الأهل والجيران عن عدم بِره بأمه التي غادرت منزله من قسوة معاملته ، إلى أن رأيناه في أحد البرامج " وَحش كاسر " يكذب كما لم نرى كاذباً من قبل ، والجميع من كافة الأطياف اتفق على ذلك وانتهت موجة التعاطف !

إذن يحق لنا أن نسأل الآن : من أين جئنا بهذا اليقين في بداية الأمر ؟ ما هذه القناعات التي فرضت معارك في النقاش ؟ كيف تنازلنا فوراً عن تلك القناعات وهذا اليقين ؟ بل قُل كيف بنينا بالأصل يقيناً فارغاً من مضامين الحق والعدل ، دون استناد لشيء يُذكر من العقل والحكمة ؟ ما كل هذه البغضاء والأسلحة الجاهزة والموجهة لصدور الدولة ، في قصة جاءت نتائجها لتضربكم على وجوه ضمائركم إن كانت لكم ضمائر تستشعر الألم ؟!

هل استخدمتم جزء من هذا اليقين لرؤية أعباء هذه الدولة بحق ؟ .. هل زاركم شيئاً من اليقين في أي تحرك ملموس أو تنمية حقيقية على صعيد معين تقوم به هذه الدولة ؟! .. هل رأت أعينكم حقائق الفارق الرهيب بيننا وبين ليبيا وسوريا والعراق ثم أيقنتم بعدها إننا وبفضل من الله حافظنا على مصر ؟ لم يتبادر اليقين أبداً لقلوبكم بأن مصر 2017 تختلف كلياً عن مصر ما بعد 2011 ؟

هل بالفعل أنتم مقتنعون أن هذه الدولة تحاسب اللص الصغير وتتستر على الكبير ؟! لم يصل إلى ضمائركم يقيناً " بخمسة قروش " مما تقوم بها الدولة والأجهزة الرقابية من القبض على وزراء ومعاونين ومستشارين ومدراء أقسام بشتى الدوائر ؟! هل بالفعل أنتم حقيقيون ؟ بشراً ؟ هل أنتم بالفعل وتكراراً " حقيقيون " ؟! أم عرائس خشبية ترقص كما يوجهها مَن أراد ؟!

بنفس اليقين تحدثتم خلال الأسبوع الماضي عن ما زعمتم أنه " فضيحة استخراج الآثار المصرية " ، وكأنكم لا تعلمون عشوائية الحي المسمى بالمطرية ؟ وكأنكم من مواطني الدول الأوروبية رأساً ! وكأن شعب هذه الأحياء المصرية وطبيعتهم يُعد شيئاً جديداً عليكم !

ثم منتهى اليقين بأن إدارة الآثار المصرية وفريق البحث والاستخراج تعامل بشكل " مُشين " مع الواقعة ، ما أدى إلى كسر أحد التماثيل التي يعود عمرها لحقبة الملك رمسيس !

ثم يخرج الخبراء الألمانيين بتصريحات تُبرِّيء ساحة فريق البحث ، وتُثبت أن الطرق المستخدمة كانت على أعلى ما يكون من التقديرات العلمية وحساباتها ، ثم إقراراً موثقاً بأن التمثال لم تُصبه نوبات الكسر ضمن عملية البحث والاستخراج ، بل كانت عوامل تحتيَّة زمنية تعود لزمن بعيد أدت إلى كسر جزء من الرأس !

اليقين المُفتعل يدفعكم دفعاً لكل ما تجيش به صدوركم من كراهية لهذه الدولة ، والواقع والوقائع الجازمة الحاسمة تبدو مساراً للتشكيك والتكذيب مهما ارتفعت براهين إثبات صحتها ، حتى ولو بلغت حد الإبصار بها ورؤيتها ، ولكنها لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور !

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز