عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حرب المركزي والسوق السوداء

حرب المركزي والسوق السوداء

بقلم : طارق العكاري

لم أعد أتعجب من هؤلاء الذين يسارعون بنشر أسعار الدولار أثناء صعوده في السوق السوداء أو فى البنوك فرحاً وسروراً ولا يسارعون بنشر هبوطه، فالمفترض أن يحزنوا لصعوده ويفرحوا لهبوطه. المحزن أنهم لا يكلفوا أنفسهم حتى محاولة تحليل لماذا يصعد أو يهبط؟ ففي مقال سابق لى "صدق العليل ولا تصدق التحاليل" طرحت رؤيتين مختلفتين لتوقعات أسعار الدولار في الفترة القادمة وكانت من منظور المستورد (العليل) ومنظور البنك (التحاليل). وحتى الان التحاليل هى الاقرب للواقع والمسيطرة على مجريات الامور وأتصور أن حرب تكسير العظام قد بدأت منذ قرار تحرير سعر الصرف بين البنك المركزي والسوق السوداء. ودعوني أُوضح أن السوق السوداء ليست شركات الصرافة العاملة المتبقية (حوالي 68 شركة)، بل هم جميع (صبيان) الشركات التي تم إغلاقها بالاتفاق مع أصحابها أو بالاستقلال عنهم والعمل منفردين وأيضا من امتهنوا بيع وشراء العملة في الفترة السابقة بأسماء شركاتهم السابقة.



بداية كيف يتم تمويل السوق السوداء؟ يوجد ثلاثة مصادر: أولهم تجارة المخدرات والسلاح، وهذا المصدر لن نستطيع السيطرة عليه أو معرفة بياناته أو أرقامه. المصدر الثاني هو النقد الأجنبي الوارد من التصدير، فيقوم المُصدِر بسحب ما يرد من الخارج في حسابه البنكي بمصر لتغييره في السوق السوداء نظراً لوجود فارق سعر (الفجوة السعرية)، وهذا المصدر قد توقف تماماً بعد تحرير سعر الصرف لإختفاء هذه الفجوة. أما المصدر الثالث فهو تحويلات المصريين من الخارج والتي كانت تُسحَب أيضاً من البنك لتغييرها في السوق السوداء لوجود نفس الفجوة وقد اختفى هذا المصدر أيضاً مثل سابقه لنفس السبب. وأصبح العاملون بالسوق السوداء فاقدين لمصدري تمويل رئيسيين من مصادر تمويلهم. فاجتمع الفريق "الصبيان واللى بقوا معلمين " يوم الأربعاء واتفقوا على ضرورة وحتمية خلق فجوة جديدة لإعادة مصادر التمويل المتوقفة عن العمل. فاستيقظنا يوم الخميس على سعر الدولار في السوق السوداء 17 جنيه قفزة واحدة فى حين أنه كان 15.90 قبل يوم، وساعدهم في ذلك – بدون قصد وعن عمد – الناشرين لهذا الخبر بسرور وفرحة. ولكن من الذي مازال يتعامل مع السوق السوداء حتى الآن؟ المستوردين بغرض الاتجار باستثناء مستوردين السلع الأساسية، فتقصر البنوك توفير النقد الاجنبي على مستوردين السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج فقط.

ظل البنك المركزي يشاهد ويراقب صعود السوق السوداء على حذر، وبرغم افتقاده لبيانات مصدر تحويلهم الأول "المخدرات والسلاح"، وبرغم معرفة العدو كل أرقام البنك المركزي من حصيلة دولارية واحتياطي ونقدي وقروض تدخل خزائن الدولة - كل هذه المعلومات والبيانات متاحة على موقع البنك المركزي – فما كان أمامه إلا أن صعد هو الآخر بالسعر لتقليل الفجوة لإستمرار إغلاق محابس التمويل. السؤال هنا: هل سنظل على هذا المنوال (عليّ وأنا أعليّ)؟ أعتقد أن الأمر مرهون بقدرة المستوردين على تحمل حساب تكلفة منتجاتهم بسعر 19 – 20 جنيهاً للدولار. ولقد قاموا بهذه التجربة قبل تحرير سعر الصرف والنتيجة أن منتجاتهم لم تعد تُباع بنفس الكم لارتفاع السعر على المستهلك وعدم وجود قوة شرائية تكفي للشراء بهذا السعر، فيتم الاستعواض عن هذا المنتج بمنتج بديل أرخص أو الإستغناء عنه تماماً لو كان غير مهم. هذه ليست حروب الجيل الثالث أو الرابع، إنما هي حروب العهد القديم الذي ترك النقد الأجنبي ومنافذ التهريب وحَوكمه الأسواق والسياسات النقدية فى يد العابثين.

سألت أحد اصدقائي في الداخلية ألا يمكن أن يتم القبض على هؤلاء (الصبيان) أو حتى (المعلمين) القائمين على أشغال السوق والمتاجرين بالعملة فأجاب: "كده هنقبض على عشر مستوردين مع كل تاجر على الأقل". وهذا منطقي لأن لكل تاجر مستورد مضطر للشراء من السوق السوداء لعدم توفير البنوك لحاجته.

لنكن واقعيين، لن يستطيع الجهاز المصرفي حالياً تدبير كل ما يتطلبه السوق من النقد الأجنبي وسيقتصرالتدبير الآن على السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج فقط حتى تدور العجلة وتُدِر السياحة دخلاً مرة أخرى ويتم ضخ استثمارات أجنبية. وحتى لو حدث هذا، يجب الاستمرار في التضييق على المنتجات المستوردة بغرض الإتجار وخاصة المتوفر لها بدائل محلية وإدخال المنتجات التي لا بدائل لها ضمن ما يوفره البنك للمستوردين حتى لا نتضرر من أزمات مرات أخرى ويصبح عمود الدوله الفقري أكثر صلابه لتحمل الضربات. وإن لم نستمر فى تغيير أنماطنا الإستهلاكية كمواطنين سنظل نعانى من الغلاء ونشكو من البلاء فيجب أن نكون أكثر وعياً في الشراء وفي الاستهلاك لتحقيق سعر المنتج العادل فليس البنك المركزى والدولار والصرافه والاستيراد هم أطراف المعادله فقط، المستهلك طرف فعّال وأساسي ومؤثر فى تحديد أسعار المنتجات وكذلك الرقابه الضريبية ومنع الاحتكار أطرافاً مؤثرة. فلطالما يجد البائع من يشتري منتجه بنفس معدلات البيع - رغم زياده السعر -  ولا يجد من يحاسبه ضرائبياً على هامش الربح المغالى فيه فلن يتراجع عن سياساته التسعيريه ولن تهبط الاسعار على منحنى سوق العرض والطلب.

ستشهد الفتره القادمة دخول طرف جديد فى هذه الحرب وهو إعاده فتح شركات الصرافة مرة أخرى بعد عام من الإغلاق منذ يوليو الماضي. فهل ستحل هذه الشركات كعدو للمركزي أم كصديق؟ هل سينتقم المعلمين من الصبيان؟ أم سيتحدا ضد النظام؟

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز