عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
قصة حب وقلبين "2"

قصة حب وقلبين "2"

بقلم : أمل حجازي

إنه المساء، حل الليل وحلت معه كل الأحاسيس الجميلة. ففي الليل تعلو درجة حرارة المشاعر ويصاب الجسد بحمى الحنين إلى دفء الحب. عاد الكاتب الكبير إلى منزله بعد الندوة. خلع الجاكيت الأنيق وألقاه بعيدا، وانتبه لتلك الورقة الصغيرة وهي تسقط منه! مد يده ليلتقطها...أنه رقم هاتف وأسم " ياسمين "!! لمن يا ترى هذه الورقة؟ وكيف جاءت إلى هنا؟ هل معقول أن تكون هي؟ هل وضعتها في جيبي دون أن اشعر؟ لا أحد غيرها.  أذن فهذا اسمها، وهذا رقم هاتفها الآن بين يدي، فماذا أنتظر؟ اخرج هاتفه وقبل ان يتصل بالرقم المكتوب في الورقة تنبه للساعة؛ فالوقت تأخر، وليس من اللائق أبدا التحدث في هذا الوقت وخاصة إنها المرة الأولى.



لم يكن يعرف من قبل كم أن الليل طويل هكذا. تمر عقارب الساعة ببطء مميت. كان يتمنى ان يغلق عينيه ويفتحهما سريعا في الصباح.

ذهبت إلى منزلها وقلبها يرقص من الفرحة. فقد تسنى لها أخيرا الاقتراب من كاتبها المفضل، تسنى لها أخيرا أن تتحدث إليه، أن تبدي إعجابها به. ولكن...هل سينتبه للورقة الصغيرة في جيب الجاكيت؟ ماذا لو لم ينتبه وضاعت؟ وإذا وجدها هل سيعرفني؟ سأنتظر...!

في الصباح رن تليفون " ياسمين"، لم تأخذ وقتا طويلا لتلتقط التليفون؛ فقد كان بجوارها طول الوقت، كان عليها فقط ان تلتقط أنفاسها التي اشعلت صدرها نزولا وصعدوا، فقلبها يحدثها أنه هو!!

وجاءت كلماته الأولى حذرة، متأنية، يسأل فيها أسئلة قصيرة ليتأكد أنها هي. وكانت تجيبه ب " نعم " تلو الأخرى حتى فتح الطريق لكلمات وكلمات يتبادلونها، تحمل الكثير من الشغف، والكثير من الشوق، والقليل من التهور!

   استمرت الأحاديث وتوالت المكالمات. كانت الحواجز تسقط بينهما يوما بعد يوم. شعر بقربها من روحه، وشعرت بقربه من كل ما كان ينقصها في حياتها. كان قلبه محقا حين ارتبكت دقاته بعد رؤيتها، كانت مشاعره تنبأ بقصة حب في الطريق. ولكن...ألم يفت الوقت؟ هل هي أزمة منتصف العمر؟  فهو رجل في منتصف الخمسينات، جرب حظه في الزواج من قبل ولم تنجح القصة. هل بعد هذا العمر يمكن لقصة حب جديدة أن تنبت بذورها في قلبه؟

وكان اللقاء الأول، بعيدا عن صخب الندوات التي كانوا يلتقيان فيها من قبل؛ أو لعلهم فقط كانوا يراقبان بعضهما في صمت من بعيد. حان الوقت لكي ننزع فتيل القلق والرهبة ونخطو خطوة في الطريق الوعر الذي رسمته لنا ذبذبات قلوبنا.

وصل " محمود" مبكرا؛ كان يقصد ذلك فيتسنى له رؤيتها وهي تدخل المكان. كان يريد أن يراقب توترها وقلقها، وربما ليحظى بفرصة تأمل جمالها من بعيد كما كان يحب. كان متأنقا كما هو معتاد، عطره الباريسي سبقه وملأ المكان، أما عن هالته الجذابة وطلته الساحرة، فحدث ولا حرج. مسكينة هي من تحاول الإفلات من هذا الغزو الرجولي الآسر؟

حضرت " ياسمين"؛ كانت جميلة كما لم يراها من قبل، أو لعله الآن يراها بقلبه أيضا. كانت تشع أنوثة وتتلألأ كالوردة الجورية الناعمة. كان الطريق إلى طاولة الكاتب الكبير في مواجهة باب الدخول، ولكن المسافة التي تبعدها عنه بدت طويلة ومرعبة. كانت تخطو خطواتها ببطء ولكن قلبها كان يجري عليه. حكت له في آخر مكالمة بينهم أن لديها سرا، وعليه أن يسمعه وجها لوجه. لم يهتم كثيرا بالسر الذي تخفيه" ياسمين" على قدر اهتمامه بسر جمالها، بسر انجذابه لها، بسر لقائه بها؛ أوليست تلك الأسرار كافية لإشعال كل الشغف في قلبه؟

ولكن سر" ياسمين" لم يكن هينا أبدا، ولم تعد قادرة على إخفاءه أكثر من ذلك؛ "ياسمين" هي صديقة لزوجته الأولى، بل صديقتها المقربة جدا. كانت تعيش في باريس. ولكنها لم تتوقف يوما عن مراسلة صديقتها " نورا" من هناك. كانت تعرف عنها وعن حياتها كل صغيرة وكبيرة. كانت تحكي لها تفاصيل دقيقة عن " محمود". كانت تصف لها علاقتها به، علاقتها معه، وكانت تصف لها حجم السعادة التي تعيشها معه. ومن قراءاتها لكتبه وسماعها حكاياته من زوجته؛ استطاعت " ياسمين" رسم صورة كاملة له في خيالها؛ خيالها الذي صور لها حياة مثالية بين رجل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وبين امرأة جميلة تحبه بجنون...ولكنها لم تكن زوجته، كانت "ياسمين"...خيالها كان يأبى أن يكون هذا الرجل إلا ملكا لها!!

" أنت إذن "ياسمين"؟ "أنت التي كانت زوجتي تتحدث معها بالساعات في التليفون؟ أنت التي كانت تثق بك كثيرا؟ كيف تخونين صديقتك هكذا؟ كيف تجرؤين على الاقتراب من رجل كان لصديقة عمرك؟ قال "محمود" منفعلا.

" أنا ابدا لم أخنها "...لقد كنت احبك بمفردي، احبك وأعرف أن لقاؤنا مستحيلا. احببتك ورضيت أن أكون على الطرف الآخر من العالم أراقبك من بعيد، وأحتضن كلماتك في الكتب كل يوم لعلها تواسيني في غربتي وعالمي الموحش بدونك. ولما عرفت بخبر انفصالكما، عدت...عدت من أجلك أنت فقط...ردت " ياسمين" وحبست الدموع في عينيها.

 بدأت الأمور تتعقد بينهما بعد هذا الاعتراف. قصة الحب هذه نبتت بذور غرامها في الوقت الضائع، كان اجهاضها هو الحل الوحيد آنذاك. ولكن القدر كان له رأيا آخرا.

  كانت صورة في خيالي لرجل يبدو مثاليا رسمتها من قراءاتي لكل حروف كلماته، ثم جاءت الألوان لتكمل الصورة عن طريق حكايات أخرى بتفاصيل دقيقة عنه من أقرب الناس إليه؛ واكتملت بعدها الصورة المثالية الثلاثية الأبعاد لرجل كامل الأوصاف، فهل يوجد أجمل من هذا البورتريه الطبيعي لقصة حب كتبها القدر؟

افترقا في هذه الليلة وحمل كل منهما الكثير من الأسئلة المعلقة التي تبحث عن إجابات؛ ولكن ليس في كل الأحوال تكون الإجابات مريحة. فأحيانا علينا أن نمضي دون معرفة الحقيقة كاملة لأن الحياة أجمل بدونها. الحقيقة الوحيدة الآن هي أنه أحبها، أحبها بكل جوارحه، أحبها حتى الثمالة، نعم، أحبها قبل أن يعرف قصتها، ولكن هل ستغير تلك القصة حقيقة حبه لها؟ ربما كانت هي السبب الغير مباشر في انفصاله عن زوجته! ولكن هل عليه ان يعرف هذه الإجابة؟

هل هي مخطئة؟ هل وقعت في المحظور بحبها له؟ ومن الذي لا يحبه؟ فكل قراءه يقعون في حبه من النظرة الأولى...اقصد من الكلمة الأولى. وقد وقعت دون ان تقصد في براثن ذلك المسمى بالحب، وقعت ولكنها لم تسقط، فقط تحملت أن تحبس كل تلك المشاعر المشتعلة داخل قلبها وأغلقت الباب جيدا. ولكن وحده القدر هو من رتب لهذا الحب أن يخرج للنور. فانكسرت كل القيود وتدفق الحب في كل خلايا القلب.

لقد سقطا معا في الحب؛ ذلك الحب الناعم الذي يغلف كل الأشياء بطعم الحلوى. فالحب هو بديل السكر والمحلي الطبيعي للحياة. ولكن احترس فالحلوى عالية السعرات الحرارية جدا ترتفع معها معدلات السكر في دمك تماما مع معدلات العشق. فتارة تتوق لمذاق التوت البري بالفانيليا المثلجة مع حبات العنب الأزرق، أو ربما تتوق لطعم كرة الشوكولاتة الفاخرة الذائبة التي تأخذ حواسك معها إلى عالم آخر...تتنوع النكهات وتظل نكهة الحياة بطعم الحب أشهاهم.

وأخيرا، أترك لكم النهاية مفتوحة؛ هل تتوقعون أن تعيش قصة الحب هذه؟ أو دعوني أعدل لكم السؤال: هل تريدونها ان تعيش؟

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز