عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الرعاية الصحية ..ومجانية عبد الناصر

الرعاية الصحية ..ومجانية عبد الناصر

بقلم : د. أحمد الديب

طالعتنا الصحف المصرية بما صرح به الدكتور أحمد عماد ، وزير الصحة خلال إجتماع لجنة الصحة بمجلس النواب ، بأن منظومة الصحة متهاوية بسبب الحقبة الناصرية بقوله " منظومة الصحة متهاوية لأن عبد الناصر قال إن التعليم والصحة كالماء والهواء ، والصحة مجانية لكل فرد ، لذا تهاوي التعليم وتهاوت الصحة ولا توجد دولة في العالم قادرة علي تحمل أعباء الصحة كما تحملتها مصر ، والعلاج المجاني أدي إلي تدهور الصحة".



لا غاية لهذا المقال أن يدافع عن عبد الناصر أو أن ينتصر له ، كل ما في الأمر أن تصريحات وزير الصحة المصري في تحليله يحمل الكثير من الرسائل التي تثير العجب . قد تتفق مع عبد الناصر أو تختلف معه في أمور كثيرة ، لكن الحقيقة الجلية تكمن في أننا لا يمكن أن نجحد دور عبد الناصر في مضمار العدالة الإجتماعية ، علي الأقل من منظور أبناء الطبقة المتوسطة امثالي الذين تعلموا وتعالجوا في ظل مجانية التعليم والصحة والتي هي السمة المميزة الأبرز في الحقبة الناصرية ، مع الأخذ في الإعتبار أن أي محاولة إصلاحية وإن كانت جادة ومخلصة لا بد لها من بعض العيوب التي تشوبها وذلك لا يعني علي الإطلاق أن نحمل مجانية الصحة أوزار سوء التطبيق وفقر الإدارة وضبابية الرؤي وهي الأسباب التي أعتبرها وراء المشكلات التي تجابه الصحة والتعليم.

في مقال قديم بعنوان " الكتاب الأسود عن أحوال المستشفيات المصرية " ، حاولنا أن نلقي الضوء علي تجربة الطبيب الإنجليزي " آرثر سيسيل ألبورت " والتي يوثق فيها حالة الرعاية الصحية في مصر قبل الحقبة الناصرية في كتاب أسماه " ساعة عدل واحدة..الكتاب الأسود عن أحوال المستشفياات المصرية ". يلقي الكتاب الضوء علي الحالة المزرية التي آلت إليها مستشفيات القطر المصر في الحقبة الملكية . فإن كان السيد وزير الصحة يعني بتصريحاته السابقة أن الرعاية الصحية كانت في أحسن حال حتي جاء عبد الناصر ، فانا أحيله لهذا الكتاب الضخم المفعم بما لا يترك أي مجال للجدل حول حقبة لم تكن فيها أمور الصحة كما يتمناها السيد الوزير.

في كتابه الماتع " صنايعية مصر " يحكي  الأستاذ عمر طاهر عن الدكتور "النبوي المهندس..صنايعي صحة مصر".... والذي أختاره عبد الناصر ليبدأ من الصفر ، كان الدكتور "المهندس"  يؤمن بأن صحة الوطن قائمة علي صحة المواطن فأسس مشروع تنظيم الأسرة  وأسس نظام التأمين الصحي وطور نظام القومسيون الطبي  وأسس معهد السمع والكلام ثم معهد القلب وحملات التطعيم ضد شلل الاطفال وكل ذلك في عشر سنوات .

هذه حقائق تاريخية لا تخضع لأي هوي سياسي أو طبقي ، أسس الدكتور" النبوي المهندس" في الحقبة الناصرية اللبنات الأساسية في الرعاية الصحية وفي منظومتها . قد تتغير الحقب وتتغير التوجهات الإجتماعية والإقتصادية مما يتطلب تطويراً بحكم الحتمية الآنية وأي فشل في القدرة علي التطوير والتماهي مع المتغيرات الداخلية كزيادة عدد السكان وتغيير الطبائع الديموغرافية والتغير في أعباء المرض ، والمتغيرات الخارجية كأسعار الخدمة الصحية والدواء وتوجهات المؤسسات الصحية الدولية ، أي فشل في التطوير يدفع البعض أحياناً إلي الإسقاط وعدم الإعتراف فيحيل المشكلة وجذورها إلي مرحلة التأسيس والتي تماهت في وقتها مع مقتضيات عصرها ومعاييره.

ثمة إشكاليات تبرز من تصريح وزير الصحة ، الإشكالية الاولي تكمن في أن السيد الوزير وللأسف لا يتبع المنهج الصحيح في تشخيص المشكلة وبالتالي فهو لم يضع يده بعد علي مواطن الخلل في الرعاية الصحية ، فالمشكلة ليست في المجانية وإنما في سوء التنظيم والإدارة وضبابية الرؤي .

مشكلة أخري تتعلق بالسياسة وبالخطاب السياسي ، بعد هذه المشكلات المتاعقبة في قطاع الصحة وزيادة أسعار الدواء وعدم توفر الكثير منها ، يخرج علينا السيد الوزير ليتهم المجانية والتي يستفيد منها قطاع واسع من الفقراء ومحدودي الدخل . الوزير السياسي لا يعبر عما في نفسه بهذه الصراحة المفرطة والتي قطعاً سوف توغر صدور من لا يملك نفقات العلاج الإستثماري والذي يتبناه السيد الوزير .

الأولي بالوزير أن يناقش معضلة التمويل ، ومشروع التأمين الصحي وجودة الرعاية الصحية والسياسات والإجراءات التي من شأنها أن تدشن لنظام رعاية صحية لا أقول مثاليا وإنما مواكباً للحدود الدنيا من المعايير الدولية والتجارب الإقليمية .

إن كانت الإحصائيات تقول أن 70% من الإنفاق علي الرعاية الصحية يأتي من جيوب المواطنين (OUT OF POCKET EXPENDITURE ) فإنه من المنطقي أن  نستخدم هذه الحقيقة لتطوير نظام صحي لا يظلم الفقراء ولا يهملهم وفي نفس الوقت لا يجور علي حق من يمتلك أن يتلقي بعض المزايا النوعية ، هذا هو المنهج الواقعي في التفكير علي ما أعتقد . وحتي يمكن أن تتحقق هذه المعادلة فلا يسعنا إلا الإنتظار والكتابة.
 
*خبير إدارة وجودة الرعاية الصحية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز