عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الصحافة الأدبية .. نشأتها وتطورها عالمياً ومصرياً

الصحافة الأدبية .. نشأتها وتطورها عالمياً ومصرياً

بقلم : د. الأمير صحصاح

 أولا :   في أوروبا والولايات المتحدة



أدي تراكم التغيرات الاجتماعية والثقافية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة في القرن الثامن عشر إلي ظهور الصحافة الأدبية وكانت الصحافة الأدبية في القرن الثامن عشر في أوروبا نوعين : الأول – صحافة أدبية شعبية يقرأها أوساط المثقفين لتكون صحفاً بديلة عن الصحف السياسية التي تحتكرها السلطات الحاكمة وتتناول موضوعات خفيفة لا ترضي أذواق المثقفين المتخصصين وفلاسفة هذا القرن.

والنوع الثاني – مجلات أكثر تخصصاً قاصرة علي هؤلاء المفكرين الكبار , يعرضون أفكارهم وينتقدون عصرهم , ولم تكن هذه المجلات توزع كثيراً , وإنما كانت بمثابة المراجع الأدبية التي نقل عنها فيما بعد أعمال هؤلاء المفكرين .

وبالنسبة لإنجلترا عمل "دنيال ديفو Daniel Difoe" علي إرساء قواعد الصحافة الإنجليزية , ووجه نظر القرن الثامن عشر بصحيفته المسماة The Review (1704 – 1713) إلي ضرورة إنشاء صحيفة دورية , وقد تطور هذا العمل علي يد "سير رتشارد ستيل" (1672 – 1729) و "جوزيف إديسون" (1672 - 1719) فتناولا الطبائع والبدع والأدب والخواطر الأخلاقية في صحف صغيرة الحجم كتبت لجمهور الطبقة الوسطي.

وتعد مجلة "ذي جنتلمانز ما جازين The Gentleman's Magazine "من أشهر مجلات القرن الثامن عشر وأطولها عمراً , فقد عاشت حتى القرن التاسع عشر , وقد صدرت هذه المجلة شهرية , محتوية علي مختارات من أحسن ما جاء في الصحف والدوريات , ولم تخرج المجلات كلها في بداية عهدها عن هذا الأسلوب في النقل من الصحف دون أن تدعي لنفسها شيئاً من الابتكار أو التأليف.

وقد ظهرت مجلة "ذي جنتلمانز  ما جازين" سنة 1731 وكانت أهم عناصر التحرير فيها الشعر والقصص المسلسلة والخرائط والأغاني والموسيقي والنقد الأدبي والماجريات البرلمانية .

وبالنسبة لفرنسا ابتداء من عام 1715 خففت السلطات الحاكمة قبضتها بعض الشيء عن الطباعة والنشر , وانتهزت بعض الدوريات الأدبية الفرصة فنزلت الميدان , وأهم هذه الدوريات " السنة الأدبية" التي أشبعها "فولتير" تهكماً وسخرية,  والسنه الأدبية" ظهرت في فرنسا في سنة 1754  إلي سنة 1790 وكان يرأسها فيرون" حتى سنة 1776 ونشرت "السنة الأدبية" مائتين واثنين  وتسعين مجلداً وأعطت تقييماً لحوالي أثني عشر ألف كتاب ومثلث الآداب الأجنبية بخمسمائة وأثنين وخمسين إعلان وتقريراً.

وقد كثر في فرنسا عدد الصحف الأدبية في القرن الثامن عشر كثرة هائلة بحيث لم يكن هناك كاتب فرنسي واحد من رجال العصر لم يشارك في تحرير إحدى الصحف,  أما الذين لم يشاركوا فيها فقد خشوا قسوة أحكامها , وظهرت في عام 1777 أول جريدة يومية تحت اسم "جريدة باريس" وكانت تحتوي أنباء أدبية أو مسرحية ونقداً فنياً بالإضافة إلي الموضوعات الأخري , وقد أوقفت في عدة مناسبات ولكنها تمكنت من الصمود إلي أن قامت الثورة نظراً لأنها كانت تتجنب الخوض في السياسة .

وبالنسبة للولايات المتحدة ضمت الصحافة الأمريكية إلي صفوفها في القرن الثامن عشر كل الرجال البارزين مثل فرانكلين وجون وصمويل آدمز وجفرسن , وهاملتن .

وفي القرن التاسع عشر كان للدوريات والمجلات الرصينة في إنجلترا جمهورها الكبير,  وعلي الرغم من أنها قامت علي أساس سياسي في معظم الأحوال , إلا أنها أفردت لنقد الأدب مكاناً كبيراً من صفحاتها , وأطول هذه المجلات عمراً مجلة "الجنتلمان" (1731 – 1868) والتي ظلت تصدر من عهد "بوب" Pope (1688 – 1744) إلي عهد براونغ Robert Browining (1812-1889) , علي أنه في السنين الأولي في القرن التاسع عشر كانت مجلة "أدنبره" أسبق المجلات السياسية الكبيرة في إنجلترا في الظهور وكانت أحسن المجلات التي تصدر من نوعها , وقد تولي تحريرها "فرانسيس جفري" (1773 – 1850) الذي صرف كل مواهبه كناقد أدبي إلي هدم الشعراء الرومانتيكيين , ومن ألمع كتاب هذه المجلة "سدني سمث" (1771 – 1845) صاحب العقل الساخر اللماح .

أما مجلة Quarlerly Review (1809) فقد ظهرت أول صدورها كجريدة محافظة وكانت ترد علي ما تقوله مجلة The Edinburgh Review وكان من بين كتابها في وقت من الأوقات "سكوت" وقد تبعها في الظهور Blackwwod's Edinburgh Magazine التي كان من كتابها المبرزين "لو كارت" كاتب سيرة "سكوت" وكانت تشتمل علي كتابات كثيرة حية التعبير , ومن بين كتابها "جون ولسون " وكان ينشر مقالات تحت اسم مستعار , وتعتبر هذه المجلات جميعاً أصدق شاهد علي وجود جمهور يقظ مثقف مستعد لأعمال فكرة , وقد ظل الحال كذلك طوال القرن التاسع عشر.

وبالنسبة لفرنسا أصدرت الصحف الفرنسية الكبيرة في اقرن التاسع عشر ملاحق خاصة تعني بالأدب مثل "فيجاروا الأدبية" التي ظهرت عام 1820 , ثم تطورت الملاحق الأدبية للتحول إلي دوريات أدبية تفصيلية يكتب فيها الأدباء أعمالهم الروائية والشعرية والنقدية .

وفي القرن العشرين بقيت الصحف البريطانية الكبري تتسابق دون أزمة حتى عام 1947, وبعد هذا التاريخ تهدد الازدهار حقاً , وأدت المنافسة إلي أزمة اقتصادية انتهت بزوال عدد كبير من الصحف , وأصابت هذه الأزمة خصوصاً الصحف اللندنية الشعبية , بينما تابعت الصحف الراقية وصحف الأقاليم تقدمها وانتشارها , وفي عام 1960 أحدثت نتائج الأزمة الاقتصادية خسائرها الخطيرة , فانحجبت "ذو ستار" و "نيوز كرونيكل" عن الظهور , أما المجلات التي حطمتها في إنجلترا صحف الأحد , لم تتمكن من التقدم كما فعلت في الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوروبية.

واستمر ظهور الدوريات في فرنسا في الظهور مع ظهور الملاحق الأدبية مرة أخري , ومن أبرز هذه الملاحق التي كانت تصدره صحيفة "لوموند الفرنسية" يوم الأحد من كل أسبوع ويحتوي علي مقالات لكبار الكتاب وروايات ومسرحيات , كما كانت هذه الملاحق تحتوي علي أخبار الأدب والأدباء وملخصات للكتب الأدبية الجديدة , وانتقلت هذه الملاحق إلي الدول العربية وكانت زاداً لكبار الكتاب في مصر , يرصدون بها آخر تطورات الحركة الأدبية في أوروبا وبشكل خاص في فرنسا وبريطانيا .

وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية تفوقت الصحف اليومية خلال القرن العشرين بإصدارها طبعات أسبوعية مثلت خطراً كبيراً علي صحف الأحد , وخاصة إن صدرت الطبعة الأسبوعية عن صحيفة ممتازة , والفضل في نجاح هذه الطبعات الأسبوعية في الولايات المتحدة الأمريكية يعود إلي "النيويورك ويرلد" التي أبرزت معالم الطريق الذي يجب أن تكون عليه الطبعة الأسبوعية , فقد جعل "الصانداي ويرلد" من عشرين صفحة تحتوي علي قصص شائقة جذابة وتحقيقات مثيرة وكانت في الوقت نفسه تزهر بالأدب والشعر , وهكذا أصبحت الطبعات الأسبوعية صورة مغايرة للجريدة اليومية وغير بعض الناشرين اسم الطبعة وخلع عليها اسمها آخر , وتخصصت هذه الصحف الأسبوعية في التحقيقات والمقالات واشترت حق نشر المخطوطات والرسائل والأعمال الفنية لمشاهير الأدباء والكتاب .

وتجدر الإشارة أن الصحف الأفريقية والأسيوية المبكرة كانت أوروبية النشأة والمحتوي والمصدر والمستقبل, فالصحف بالمفهوم الحديث لها لم تظهر في آسيا وأفريقيا إلا مؤخراً , وكان ظهورها بمثابة رجع الصدق للصحف الأوروبية وظهورها وتطورها.

ثانيا : في مصر

وبالنسبة لمصر فإن العلاقة بين الصحافة والأدب موضوع قديم متجدد منذ نشأة الصحافة , وقد كانت نشأة الصحافة المصرية من آثار الأدب ذاته , فقد كان الصحفيون الأوائل أدباء من كتاب المقالات الرائعة وناظمي القلائد الشعرية .

وقد بدأت الصحافة عندنا كاهنة في محراب الأدب, تستمد منه وجودها وبقائها , وقارئ الأدب والنقد هو المستهلك الأول للصحيفة , وكانت الصحف تصطرع في احتكار أكبر عدد ممكن من أصحاب  الأسماء اللامعة في دنيا الأدب , تفرد لهم أهم صفحاتها وتخضع هذه الصفحات لاحتياجاتهم التي توضع في الاعتبار.

وقد استمرت الصحافة في مصر تعني بالأدب والثقافة منذ نشأتها عام 1828 حتى عام 1876 حيث كانت طوال هذه الفترة ممنوعة من الخوض في الأمور السياسية , محظوراً عليها أن تنقل شيئاً من الأخبار عن أي صحيفة أجنبية , ولما قامت الحرب الروسية التركية سنة 1877 انطلقت الصحف المصرية تخوض في الحديث عنها وتهتم بتفاصيلها, واستمرت علي هذا النحو حتى ظهور صحيفة "الجريدة" التي تجلت فيها بالإضافة للصبغة السياسية الصبغة التحريرية , فكانت ميداناً للتفكير السياسي وميداناً للتفكير الأدبي .

وتأتي بعد صحيفة "الجريدة" صحيفة "السياسة الأسبوعية" التي أسهمت في تطوير التحرير الصحفي في مصر تطويراً كبيراً , وبرز في الميدان نابهون كونتهم مدرسة "الجريدة" وارتفعت أساليب الكثيرين منهم إلي مستوي عال من البيان , وأُثر بعضهم في أساليب الناشئين من الكتاب تأثيراً كبيراً.

وبرز كذلك في الملاحق الأدبية التي صدرت بعد "السياسة الأسبوعية" كالبلاغ الأسبوعي" مشاهير الكتاب في الأدب والسياسة والاجتماع , وكان لمقالاتهم ودراساتهم وكتبهم أثر كبير في تطور الشعر والأدب المصري بوجه عام , وهم جميعاً يشتركون في محاولاتهم في فن القصة وفي وفرة المحصول من المقالات في المجلات والصحف علي اختلاف أنواعها وفي الطبعات الأسبوعية منها علي وجه الخصوص .

وعند نشأة الأحزاب السياسية أخذت الصحف تستكتب الأدباء حتى يقبل الجمهور علي شرائها , ولم يكتب الأدباء في الأدب وحدة , بل كتبوا في السياسة ودخلوا في خصوماتها الحزبية , ونقلوا هذه الخصومات إلي معارك في الادب القديم والحديث , ومن هنا اتصلت الصحافة مباشرة بالحركة الأدبية وتفاعلتا معاً , وتأثرت كل منهما بالأخرى تأثيراً واضحاً.

علي أن الأمر لم يقتصر علي هذه الصحف الحزبية , بل كانت هناك صحافة ثقافية , وتمثل مجلتا  "الهلال " والمقتطف" هذا اللون من الصحافة , ولم يقف الأمر عند هذين اللونين من الصحافة , بل أن الصحافة الوطنية الثقافية الخالصة ولدت خلال تلك الفترة وقد تمثلت هذه الصحافة في مجلات "الرسالة و الرواية و أبو للو و الثقافة وأمثالها" .

ولم يكد الزمن يتقدم حتى بدأ للعيان أن أدباءنا ينشئون لغة جديدة بين العربية العامية , فيها فصاحة الأولي وجزالتها , وفيها سهولة الثانية وقربها من الإفهام , وعلي هذا النحو أثرت صحافتنا في لغة أدبنا الحديث , بل هي التي جددت هذه اللغة تحت تأثير الجمهور الذي تخاطبه .

وقد تربع الأدب بفنونه المختلفة من شعر ونثر علي عرش الحياة الفكرية في مصر , وذلك في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن , وبدأ الاهتمام بهذا الفن يقل في الصحافة المصرية في أواخر الأربعينات.

وقد انشغل الناس في هذا العصر الذهبي للأدب بقضايا كبيرة , وبدأت الصحافة تهتم بتخصيص صحفة للأدب حتى ترضي أذواق القراء , ومن أشهر هذه الصفحات صفحة الأدب والفن في البلاغ اليومي والأسبوعي وكذلك صفحة الأدب في صحيفة السياسة اليومية والأسبوعية , واهتمت صحيفة الأهرام بهذه الصفحة ومازالت تهتم بها إلي الآن .

وبرغم توقف عدد كبير من الصحافة المصرية خلال الحرب العالمية الثانية , بسبب غلاء الورق وفرض الرقابة علي الصحف بشكل صارم , فقد بدأت تظهر صحف جديدة بعد أن وضعت الحرب أوزارها , ولم تختلف الفترة التي أعقبت ثورة 23 يوليو سنة 1952 في هذا المجال , وشهدت هي الأخري صدور مجموعة من الصحف والمجلات إلي جانب الصحف القائمة كالأهرام كانت تبرز بين الحين والآخر اتجاهات كتابها , ودعواتهم , وأفكارهم , وما يؤمنون به من قيم فنية وفكرية .

وقد جاءت عناية الأهرام بالصفحات الأدبية تأكيداً لصلة الأدب بالصحافة , وتقديماً لدراسة جادة لمشكلات حياتنا الأدبية , وقضايانا الفكرية , ووصولاً للقراء بالمستحدث من تيارات الأدب المعاصر , وتتبعاً للجديد من الكتب , وتزويداً للقراء بمختارات من الأعمال الأدبية .

وهكذا ظلت الصحافة المصرية تجاهد حتى لا تحيا الآداب والعلوم حياتها بمعزل عن الصحافة إدراكاً منها أنها ليست وعاء خارجياً ينطوي علي الأثر الأدبي وإنما هي إلي جانب ذلك بمثابة الأرض التي تنبت فيها هذه الأزهار الأدبية.

إن الصحافة الأدبية جامعة المثقفين وعامة المتعلمين وذلك يتحدد دورها في التعريف والتثقيف والتوضيح لكل مظاهر الجدة في الحياة , وهي إلي جانب ذلك مدرسة لتخريج الناشئين من خلال تقديم النماذج الرفيعة في فنون الأدب .

المصادر

صلاح عبد اللطيف , غازي زين عوض الله , دراسات في الصحافة المتخصصة.

إبراهيم إمام – تطور الصحافة الإنجليزية في القرنين السابع عشر والثامن عشر

ايفور إيفانز , موجز تاريخ الأدب الإنجليزي , ترجمة شوقي السكري , عبد الله عبد الحافظ ,

خليل صابات , وسائل الاتصال – نشأتها وتطورها, ط5

كلود بيشوا وأندريه ميشيل , الأدب المقارن , ترجمة محمد إسماعيل محمد

إميل بوافان , تاريخ الصحافة , ترجمة محمد إسماعيل محمد , .

فرانسوا تيرو وبيار البير , تاريخ الصحافة , ترجمة عبد السيد نعمان.

عبد المحسن حسين , الصحافة والصحف

فاروق خورشيد , بين الأدب والصحافة , ط2

عبد اللطيف حمزه , الصحافة المصرية في مائه عام 8.

شوقي ضيف, الأدب العربي العاصر في مصر , ط10,

أحمد هيكل , تطور الأدب الحديث في مصر .

سيد حامد النساج, اتجاهات القصة المصرية القصيرة

عبد العزيز شرف , وسائل الإعلام ومشكلة الثقافة

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز