عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الترجمة القصصية في الصحافة المصرية – لمحة تاريخية

الترجمة القصصية في الصحافة المصرية – لمحة تاريخية

بقلم : د. الأمير صحصاح

كانت الصحافة الشعبية المتحررة من الصبغة الرسمية عنصراً أساسياً من العناصر اللازمة لبدء حركة الترجمة الأدبية , ولم تبدأ هذه الحركة فعلاً في الظهور , إلا عندما توفر هذا العنصر فيما توفر من عناصر , وكانت الصحافة حين ذاك الميدان الطبيعي للأدب المترجم , فقد كانت اللسان المعبر للطبقة المتوسطة المتعلمة تعليماً حديثاً , وكان من المنطقي أن تكون الصحافة الميدان الطبيعي للأدب المترجم في وقت كانت دور الصحف والمجلات تمتلك الجانب الاكبر من المطابع غير الرسمية وفي وقت كان النشر فيه لرواية مترجمة مغامرة قد يبوء من يقوم بها بالخسارة المادية.



وبدأت حركة الترجمة منذ أواخر القرن الميلادي التاسع عشر حينما اخذ الفن القصصي طريقة نحو الاكتمال والاستواء , وأدرك الكتاب المصريون مدي أهمية القصة في الحياة الإنسانية , فكان لابد من الاعتماد علي المورد المؤثر وهو ترجمة القصص العالمي للأدب العربي .

ولما كانت مصر قد سبقت جارتها لبنان وسوريا في حركة الترجمة , فكانت مصر بذلك أسبق بلدان العالم العربي في تلقيحها الأدب العربي بآثار الفكر والأخيلة الغربية , وقد أتاحت الصحافة المصرية للقصص المترجمة الانتشار والتغلغل بين دائرة أوسع من الجماهير الشعبية , عرفته عن طريق الصحافة فأقبلت عليه ملحقاً بالجريدة أو المجلة , قصيراً أو مسلسلاً علي صفحاتها , وهيئ هذا القصص المترجم ازدهاراً ونمواً متصلاً وتطوراً في كل ناحية من مناحيه .

الترجمة الأولية (التمصير)

بدأت الترجمة في مراحلها الأولية بقصص تتناسب موضوعاتها واتجاهات المجتمع الشرقي وميوله وأهدافه , وبما يلائم فكر المثقفين وطالبي القراءة , فكان الذي يحكم القصص المترجمة  أمر آخر يختلف عن الترجمة الحرفية والترجمة التي تعطي دقة في الفكرة , كما هي عليه في الأصل المترحم عنه , إلي مراعاة ذوق المجتمع المترجم لهم من فئة مثقفة , ولزم هذا –بالطبع- أن تكون مهمة المترجمين إعادة الصياغة لفكرة سابقة مع الاحتفاظ بالأصل العام فحسب , والتغيير في التفاصيل والجزئيات والمسميات والبنية .

ويري الدكتور عبد اللطيف حمزة أن محمد انسي صاحب "روضة الأخبار" ومحمد عثمان جلال صاحب "نزهة الأفكار" هما من أوائل المترجمين المصريين للقصة الأوروبية , وأن كلاً منهما لم يبرأ في هذه الترجمة من  الذوق العربي , والطريقة العربية في صياغة عنوان القصة من جهة وصياغة حوادثها من جهة ثانية , فأخذ يحرف فيهما ويعبث بهما عبثاً يتفق مع هذا الذوي وتلك الطريقة .

ويعتبر الدكتور عبد اللطيف حمزة أن ترجمة محمد أنسي لقصة "جيل بلاس" للكاتب الفرنسي لوساج هي أول محاولة في تاريخ أدبنا الحديث لترجمة قصة من الأدب الاوروبي إلي اللغة العربية .

ومن القصص التي ترجمها محمد عثمان جلال عن الفرنسية "بول وفرجيني" للكاتب الفرنسي "برناردين سان بيير" وقد صبغها عثمان جلال بالصبغة المصرية كعادته وسماها (الأماني والمنة في حديث قبول وورد جنه) وتصرف فيها بالزيادة والنقصان , ولكنه حرص في كثير من الأحيان علي روح الرواية وأصلها.

وكثرت بعد ذلك الترجمات القصصية , وتعدد المترجمون وكانت الكثرة من مترجمي الروايات لا يكشفون عن ثقافة أدبية ناجحة , فقد كانت أغلب هذه الترجمات أقرب إلي التمصير منها إلي الترجمة , وعمدت الصحف والمجلات إلي ترجمة خليط من القصص القصيرة والطويلة في شكل قصير , ومن هذه الصحف والمجلات : الرواية (الإسكندرية 1888) , المؤيد (القاهرة1889) – الهلال (القاهرة 1982) – الضياء (القاهرة1898) – وفتاة الشرق (القاهرة1906) .

واتجهت الترجمة القصصية أولاً إلي اللغة الفرنسية نتيجة للعلاقات الوثيقة التي ربطت بين المهاجرين الشوام المشتغلين بالترجمة وبين فرنسا , ونتيجة للارتباط الثقافي بين فرنسا ومصر منذ بداية النهضة الحديثة حتى الاحتلال البريطاني , ولما رأت الحكومة الإنجليزية تغلغل الثقافة الفرنسية في المجتمع العربي أخذت تعمل علي نشر الإنجليزية مما شجع حركة الترجمة الإنجليزية التي ازدادت بعد ذلك بالتدخل الإنجليزي في عهد إسماعيل الثاني ثم الاحتلال البريطاني لمصر.

ويري الدكتور عبد المحسن طه بدر أن الدافع الأكبر الذي دفع المهاجرين الشوام إلي تقديم روايات التسلية والترفيه يرجع إلي اشتغالهم بالصحافة وسيطرتهم علي الصحف والمجلات منذ بداية عهد الاحتلال , وكان من الضروري البحث عن وسائل لاجتذاب القراء إلي هذه الصحف , وكان من أكثر هذه الوسائل فاعلية تقديم رواية مسلسلة إلي القراء تشدهم إلي الصحيفة وتسليهم وترفه عنهم .

ويندر أن نجد مجلة أو صحيفة لم تنشر في كل عدد من أعدادها قصة طويلة أو قصيرة , أو حكاية مترجمة , لكن الصحافة لم تتطور تطوراً كبيراً في هذا المضمار مثل ما تطورت في أعقاب عام 1888 فقد دأبت جريدة الأهرام (1875) علي جديد لم يكن معروفاً في الأهرام الأسبوعية , وهو نشرها الروايات الممصرة عن كبار الكتاب الأجانب , ثم إذا فرغت من نشرها في مئات الأعداد المتوالية طبعتها وباعتها بأرخص الأثمان , وكانت أول رواية مسلسلة نشرتها صحيفة الأهرام هي  ل إسكندر ديماس , وقد نشرت الأهرام رواية "زعفرانة" وعربها للصحيفة داود مرعب عام 1886 .

أما المقتطف (1885) فقد وزعت علي مشتركيها رواية "قلب الأسد" للكاتب الإنجليزي "ولتر سكوت" ونقلها عن الإنجليزية الدكتور يعقوب صروف صاحب المقتطف .

وهكذا نري أن حركة الترجمة في بدايتها الأولي لم تكن تشكل مذهباً عاماً أو اتجاهاً سائداً , حيث اختلف أسلوب ومنهج الترجمة من مترجم لآخر , فكان هدفهم إرضاء الذوق العام للقارئ المصري , واجتذاب طائفة جديدة لقراء القصة , وكان المترجمون في هذه الفترة لايزالون مترددين بين استلهام الشكل العربي القديم الممثل في اللغة المسجوعة وبين التأثر بالأشكال الغربية الجديدة .

تطور الترجمة القصصية :

أخذ اتجاه ترجمة القصص شكلاً أكثر عمقاً حين سيطرت النزعة (الرومانسية) وحين أدرك كثير من الكتاب أن الجو النفسي تأزم بالصراعات الداخلية وتوزع نتاج الكتاب ما بين التمسك بالسمات القديمة في الأسلوب وفي الفكرة وما بين التطلع للثقافة الأجنبية في الأسس الفنية للقصة نتيجة للتغيرات الاجتماعية التي تربط الأفراد بواقعهم وببعضهم دون تقليد إطار قديم لعصر ولي , وكان رائد هذا الاتجاه مصطفي لطفي المنفلوطي .

وأعمال المنفلوطي القصصية من حيث مصدرها نوعان : نوع أساس فكرته وأهم أحداثه من أصل أجنبي , ونوع أساس فكرته وأهم أحداثه من اختراعه , أما النوع الأول , فيتمثل في روايته التي ترجمت له أحداثها والتي معظمها من النوع الذي يطلق عليه اسم (الرومانسي) وقد أعاد المنفلوطي كتابتها بطريقته وأسلوبه , متصرفاً بالحذف والزيادة والعديل , حتى جعلها عملاً جديداً أو كالجديد , أما النوع لثاني المخترع , فتمثله قصص قصار غير ناضجة قد ضمنها كتابيه "النظرات والعبرات" وعالج فيها مواقف اجتماعية وإنسانية عديدة .

وكان من مظاهر أخطاء المترجمين آنذاك أن بعضهم كان يلخص الروايات في قصص قصيرة , كما أهملت هذه الترجمات ذكر مؤلف القصة الأصلية في أغلب الأحيان , وأنها في أغلبها كانت تمثل بعض نتاج العصر الرومانسي في الأدب الغربي , وبرغم ما يمكن أن يوجه إلي حركة الترجمة في بدايتها هذه من مثالب , فلقد كانت لها آثار بعيدة المدى لا يمكن إهمالها , فقد مهدت هذه الحركة لتقبل القراء لهذا الفن الأدبي الجديد , وخلقت جيلاً جديداً حاول تمثل هذا الفن في كتاباته.

نضوج الترجمة القصصية :

وبازدياد حركة النشاط الأدبي والثقافي نهضت ترجمة القصص في دقة وأمانة علي نطاق أوسع , فأسدي للعربية خيراً عدد من المترجمين فيما بين الحربين , واخذوا علي عاتقهم في لجنة التأليف والترجمة والنشر ترجمة روائع الأدب العالمي , ومن الواضح أن الترجمة الصحيحة تعد أساس الإبداع , ومظهر تقدم الأدب .

وكان علي رأس هذه الفئة الدكتور طه حسين , وعبد الرحمن صدقي , محمد عوض محمد , عبد الرحمن بدوي وغيرهم , وهنا يجدر بنا أن نشير إلي فئة من الكتاب المصريين بدأت تتجه إلي الآداب الأجنبية الاخري , غير الفرنسية , كالأدب الإنجليزي والأدب الروسي والأدب الألماني ثم أخيراً الأدب الأمريكي .

ثم اتسع النطاق ليشمل ترجمات من الآداب الأفريقية والأسيوية , ثم اتسعت دائرة الاختيار أكثر فترجمت الدكتورة سهير القلماوي "رسائل صينية" وعبده حسن الزيات نقل "حكايات من الهند" والدكتور يحيي الخشاب "حكايات فارسية" وانفتح الباب لكثير مما ترجم عن فهم دقيق للأصل , وتمكن في النقل , وقدره علي عرض الصورة الأصلية إلي العربية في أمانة وصدق .

ولا يمكن أن ننسي في هذا المقام أعلام كان لهم نشاط ملحوظ في حركة الترجمة القصصية مثل :أحمد حافظ عوض , وعباس حافظ , وعبد القادر حمزة , وإبراهيم المازني, ومحمد عبد الله عنان .

المصادر

أحمد إبراهيم الهواري , المؤلفات الكاملة للدكتور إسماعيل أحمد آدهم

محمود أمين العالم , ألوان من القصة المصرية ,

 محمد غنيمي هلال , النقد الادبي الحديث .

إحسان عباس , مقال منشور في كتاب العربي , عدد يوليو 1989

 عبد اللطيف حمزة , الصحافة والأدب في مصر ,

لطيفة الزيات , حركة الترجمة الأدبية في مصر , رسالة دكتوراه غير منشورة ,

علي عبد الخالق , الفن القصصي ,

 عبد اللطيف حمزة , أدب المقالة الصحفية في مصر ,

محمد عمارة , الاعمال الكاملة لرفاعة رافع الطهطاوي , الجزء الأول ,

 عمر الدسوقي , في الأدب الحديث , ج1 ط8

السعيد الورقي , اتجاهات القصة القصيرة في الادب المعاصر في مصر

عبد المحسن طه بدر , تطور الرواية العربية الحديثة ,

محمود الحسيني المرسي ,الاتجاهات الواقعية في القصة المصرية القصيرة

 أحمد هيكل , تطور الأدب الحديث في مصر ,

 علي عبد الخالق , الفن القصصي ,

إقبال هيكل , فن القصة ,

أحمد هيكل , الأدب القصصي والمسرحي في مصر , ط4

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز