عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مراحل نشأة القصة العربية الحديثة في الصحافة المصرية

مراحل نشأة القصة العربية الحديثة في الصحافة المصرية

بقلم : د. الأمير صحصاح

لم تنشأ القصة في الأدب العربي الحديث من أصل عربي قديم كالمقامات والقصص الحماسية كما يظن البعض , إنما نشأ فن القصص مترعرعاً في الأدب العربي الحديث تحت تأثير الآداب الأوروبية مباشرة .



هذا ما يقرره الدكتور إسماعيل أدهم ويتفق معه في هذا الرأي الدكتور محمد غنيمي هلال , ويقول "لم يكن للقصة قبل العصر الحديث عندنا شأن يذكر, بل كان لها مفهوم خاص لم ينهض بها , ولم يجعلها ذات رسالة اجتماعية وإنسانية , ويضيف الدكتور غنيمي هلال في كتابة "النقد الأدبي الحديث "أن القصة لدي العرب لم تكن في جوهر الأدب – كالشعر والخطابة والرسائل مثلاً – ولذلك كانت ميدان الوعاظ , وكتاب السير والوصايا , والسمار,  يوردونها شواهد قصيرة علي وصاياهم وما يذكرون من حكم أو يوثقون في أسمارهم ومجالس لهوهم .

ويذهب في هذا الاتجاه أيضاً الدكتور محمود أمين العالم ويقول "القصة المصرية – أو العربية بشكل عام – لم تختلف كثيراً من حيث النشأة عن القصة الأوروبية , وان اختلفت هذه النشأة من حيث المستوي والأصالة والبنية , فلم تتحقق للقصة العربية سلامة فنية إلا في مرحلة متأخرة , وذلك للملابسات الثقافية والاجتماعية التي صاحبت نشاطها في البداية .

ويؤكد هذا الرأي الدكتور عبد اللطيف حمزة في كتابة مستقبل الصحافة في مصر ويضيف "أن القصة العربية في أدبنا الحديث نشأت أولاً في أحضان الصحافة ثم مضي عليها وقت غير قصير حتى شبت هذه القصة نفسها عن الطوق , وظهرت مستقلة عن الصحافة .

علي أن بعض النقاد يري غير هذا الرأي ويعتقد في عروبية القصة , وذلك أمر وارد في دراسة الأدب والتأريخ له , لكن أغلب الباحثين والنقاد يؤكدون علي حداثة القصة في الأدب العربي , وأنها نشأت في هذا الأدب بفضل الصحافة التي أوجدت أولاً القصص المترجمة – كما قدمنا – ومن بين هذه الترجمات المتتالية في الصحف والمجلات بدأت تظهر بوادر لقصص مصرية مؤلفة بأقلام مصرية , كانت تشكل المحاولات الأولي للكتابة القصصية , وهي علي قلة عددها كان لها دور خطير في تهيئة الجو الأدبي لتقبل هذه الأشكال القصصية الجديدة .

وبتتبع القصة العربية منذ نشأتها في الصحافة المصرية في القرن التاسع عشر إلي وقتنا الحاضر نلاحظ أنها مرت بثلاث مراحل أساسية , المرحلة الأولي هي مرحلة التهيؤ , والمرحلة الثانية مرحلة الطفولة أو النشأة الأولي, والثالثة مرحلة النضوج وهي المرحلة الأخيرة التي لا نزال نحي في ظلها .

وسوف نتناول فيما يلي هذه المراحل الثلاث متتبعين من خلالها تطور القصة الأدبية في الصحافة المصرية .

مرحلة التهيؤ (الإرهاصات الأولي)

خطت القصة الأدبية المصرية في تلك المرحلة خطوات واضحة , واتجهت اتجاهات مختلفة , ولكنها تدرجت آخر الأمر بين طرفين متقابلين , أولهما محافظ يستلهم التراث ويتأثر ببعض قوالبه , وأخرهما تجديدي يحاكي قصص الغرب وينسج علي منواله , وبين هذين الطرفين وجدت ألوان أخري , تختلف قرباً وبعداً عن هذين الطرفين , باختلاف طبيعة أصحابها وثقافتهم وأهدافهم .

1- استلهام التراث العربي:

بدأت محاولة استلهام التراث وإحياء وتمثل الشكل القصصي العربي في فترة مبكرة , في القرن الثامن عشر , ولعلها كانت امتداداً لشكل المقامات والحكايات أكثر منها محاولة إحياء وبعث , وكانت هذه المحاولة للشيخ محمد المهدي المصري (توفي 1815) الذي أصدر مؤلفاً أدبياً يشبه ألف ليلة وليلة سماه "تحفة المستيقظ الأنس في نزهة المستنيم والناعس" وقد اجتذبت هذه الحكايات المستشرق الفرنسي "جين جوزيف مارسيل" – احد علماء الحملة الفرنسية- الذي قام بترجمتها ونشرها عند عودته إلي باريس تحت عنوان "حكايات الشيخ المهدي" .

وإلي جانب حكايات الشيخ المهدي كانت هناك مجموعة أخري من المقامات منها مقامات "البربير" للسيد أحمد البربير  (1747- 1811) وكذلك كان كتاب "علم الدين" لعلي مبارك (ت1893) مثلاً ساذجاً استخدم فيه علي مبارك الهيكل الخارجي لفن المقامة في محاولة تعليمية لنقل علم الغرب الجديد وتصوير حياة الغربيين وعاداتهم تصويراً مباشراً من خلال رحلات شيخ أزهري هو علم الدين وأبنه برهان وسائح انجليزي رغب في تعلم اللغة العربية .

وقد تنوعت خلال هذه الفترة الأعمال القصصية والتي تسير في الاتجاه المحافظ وتستلم التراث وما فيه من ألوان قصصية , مثل " ألف ليلة" والمقامات" وتنوعت كذلك مادة هذه الأعمال , روحها وأهدافها , فكانت أحياناً خيالية , تهدف إلي التسلية مثل "ورقة الآس" لأحمد شوقي , كما كانت أحياناً أخري اجتماعية تهدف إلي الإصلاح مثل "ليالي سطيح" لحافظ إبراهيم .

علي أن أبرز هذه المحاولات وأهمها ما طالعنا به في "حديث بن هشام" الكاتب الصحفي محمد المويلحي (1885 – 1930) والذي نشره في جريدة "مصباح الشرق " وقد عالج المويلحي الصغير في قصته مشكلات المجتمع المصري , وفي هذا الشأن يقول الدكتور عبد اللطيف حمزة "الحق إن الكاتب لم يدع شكوى ولا دعوه مما دعا إليه المصلحون السابقون من الكتاب والأدباء والصحفيون حتى ذكرها في كتابه , ولفت إليها أنظار القراء في قصته .

ولم يسم المويلحي كتابة "حديث بن هشام" مقامات صراحة ويري الدكتور عبد الحميد العبد أن حديث عيسي بن هشام من قبيل المقامة ومتطور عنها , وقد جعل المؤلف من عنوانها مدخلاً للنظر في مشكلة العربي المصري إبان المد الثقافي الاستعماري الغربي , وكتاب حديث عيسي بن هشام لمحمد المويلحي تصوير بالقلم ينتقل بالقارئ من أروقة العلماء الفضلاء إلي أزقة الأوباش والسفهاء وجمعيات العلوم والمعارف إلي حانات المراقص والمعازف , يختبر فيه القارئ شتي الفضائل والرذائل ويقف علي العلل والأسباب.

وحديث عيسي بن هشام يمكن اعتباره رواية أخذت طريقاً تهذيبياً , يهدف إلي تبصير المواطنين بطائفة من عيوبهم ليعدلوا من سلوكهم , وعلي هذا يكون هذا العمل في رأي الدكتور أحمد هيكل رواية تهذيبية ذات طابع اجتماعي , ويكون بها تطويراً لمحاولة علي مبارك السابقة في "علم الدين" , ويمكن من جهة أخري اعتباره رواية أخذت طريقاً اجتماعياً يرمي إلي تصوير ما في المجتمع من مفارقات أو رسم ما بين جيل المؤلف والجيل السابق من اختلافات , وتوضيح ما بين المجتمع الشرقي والمجتمع الغربي من تباين , وعلي هذا يكون هذا العمل أول رواية اجتماعية مصرية في الأدب الحديث.

ونستطيع أن نؤكد نقطتين هامتين حول محاولة المويلحي الأول أن حديث عيسي بن هشام تطوير لفن المقامة , واستلهام لها , وأنها أقرب الأشكال القصصية إلي الشكل القصير مما عاصرها من محاولات.

الثانية أن المويلحي في مقاماته قد تخلص تماماً من الأمور الخارقة ولم يتمسك إلا بالخيط الرومانسي المتمثل في الحلم , وما عدا ذلك فقد اقترب كثيراً من الواقعية.

وقد أعانت الصحافة محمد المويلحي علي أن تكون كل مقامه من مقاماته مستقلة إلي حد ما , عما قبلها , وعما بعدها , ولكنه مع ذلك استطاع أن يمثل خطة عامة لمقاماته قبل أن ينشئها فكانت إلي جانب هذا الاستقلال في كل مقامة وحدة ترتبط حلقاتها وتجعل سياقها متطابقاً.

2- تمثل الشكل القصصي الغربي :

في الوقت الذي كان فيه المويلحي وحافظ إبراهيم ولطفي جمعه يحاولون إحياء التراث القصصي العربي عن طريق استخدام فن المقامة , وما امتاز به من خصائص , كانت هناك محاولات لكتاب آخرين تسلك مسلكاً مغايراً في خلق فن قصصي مقتدين في ذلك بما عرفوه في فن الأدب الغربي , إما بالمباشرة وإما بالترجمة , وربما كانت أشكال عبد الله النديم (1843 – 1896) القصصية التي كانت ينشرها في "التبكيت والتنكيت" هي أول هذه المحاولات.

وفي نطاق التأثير بالغرب وبالاتجاهات الأوروبية الأدبية يظهر الاتجاه الروائي التاريخي في الفن القصصي في الأدب العربي الحديث , فيؤلف جورجي زيدان (1961 – 1914) العديد من القصص التاريخية متأثراً باتجاه الكاتب الإنجليزي الشهير "ولتر سكوت" الذي يعتبر رائداً لهذا النوع من القصص .

ثم بدأ الدكتور يعقوب صروف (1852- 1927) يكتب قصة ذات أغراض تهذيبية وأصول اجتماعية تاريخية نشرها مسلسلاً في أخر "المقتطف" وهي قصة فتاة الفيوم" ويمكننا أن نعتبر من هذه القصة بدأ القصص  الاجتماعي التهذيبي وجوده الحقيقي في الأدب العربي .

وفي مجال القصة القصيرة نلتقي بمجموعة من القصص المتفرقة في المجالات المختلفة لكتاب مختلفين يمثلون التيار المتأثر بالقصة الغربية , فنجد للبيبه هاشم (1880 – 1947) قصة "حسنات الحب" بمجلة الضياء , قصة "جزاء الإحسان" والفوز بعد الموت" بمجلة فتاة الشرق (1906) , كما نجد بمجلة " الضياء " قصة "قتيل والديه" بقلم إبراهيم بركات وقصة "عبرة الوالدين" بقلم راعول وقصة "الجاني الأثيم" لندرة أفندي ألوف بمجلة فتاة الشرق , ونجد في نفس المجلة قصتين : الأولي "التوبة" والثانية "ابن الحاج نصر" بقلم الكاتب الاجتماعي منصور فهمي وقصة لخليل مطران بعنوان "نايف وصالحة" .

ونستطيع أن نضم إلي هذه المرحلة (مرحلة التهيؤ) محاولات مصطفي لطفي المنفلوطي (1876-1924) ولم يكن المنفلوطي موهوباً في فن القصة , وإنما صنعها تقليداً لما عرب, وظن أنه كلما حشد في القصة من المصائب والأهوال , زاد تأثيراً في نفوس القراء , ولكنه انتهي إلي العكس تماماً فصارت قصصه صوراً جميلة في الأسلوب والتعبيرات , والمضمون غير كبير القيمة من الناحية الفنية .

ورغم تصرف المنفلوطي في الروايات ذات الأصول الأجنبية , ورغم طريقته غير الدقيقة بصفة عامة , فإن بعض لنقاد يعتبرونه دعامة من دعامات الفن القصصي في الأدب المصري, ويقول عنه الدكتور أحمد هيكل " برغم عدم اكتمال قصص المنفلوطي القصيرة من الناحية الفنية , فإنه يعتبر صاحب المحاولات الأولي لهذا الفن في الأدب المصري الحديث" لأننا يجب أن نقيس الأديب بمقياس عصره وأن نحكم عليه بظروف بيئته .

ومن الإجحاف أن نطبق أحكامنا الفنية الناجحة علي أقاصيص المنفلوطي ولبيبة هاشم , فحسبهما أنهما وعشرات غيرهما قد ثبتوا  الأسس العامة للقصة القصيرة , لقد كان المجتمع العربي والمصري خاصة علي أيامهم يعاني قلقلة اجتماعية عنيفة , وكانت طبقة اجتماعية جديدة تنمو هي الطبقة الوسطي , وتنمو معها أخلاقها وتقاليدها , واحتضنت القصة هذه القلقلة في القيم الأخلاقية والعاطفية واستغرقت كتابها الرواد .

ويمكن أن نحدد عدة اتجاهات مختلفة للقصة الأدبية في مرحلة التهيؤ (الإرهاصات الأولي) بعضها اجتماعي أو إنساني مثل قصص محمد لطفي جمعة وحافظ والرافعي والمنفلوطي وبعضها تاريخي مثل قصص جورجي زيدان وشوقي ولكنها تتفق في طابع واحد هو أن فن القصة والمعالجة لا يزالان فيها في بداية الطريق .

مرحلة النشأة الأولي (الريادة)

منذ بداية القرن الميلادي العشرين ظهرت محاولات فردية للقصة العربية , منها ما كتبه (عبد الحميد خضر البو قرقاصي) في رواية (القصاص حياه) التي صدرت في سبتمبر 1905 ثم كتب (محمد طاهر حقي) عذراء دنشواي عام 1906 وأصدر "صالح حمدي حماد" كتاباً أسماه (أحسن القصص) سنة 1910 وقسم الكتاب إلي ثلاث أجزاء يضم الجزء الأول رواية (الأميرة يراعة) ويضم الجزء الثاني الذي صدر أيضاً سنة 1910 (ابنتي سنية) بينما صدر الجزء الثالث سنة 1911 ويحتوي علي مجموعة من القصص القصار.

غير أن هذه المحاولات افتقدت الكثير من النضج الفني وأسس الرواية المتكاملة , حتى ظهرت (زينب) للدكتور محمد حسين هيكل, في وقت كانت الرواية فيه ما تزال في خطواتها الأولي مترددة بين (التيار الرومانسي) الغارق في الآسي والاتجاه التاريخي الباحث عن الماضي , ويكاد الاتفاق بين النقاد ينعقد علي أنها – أي رواية زينب- البداية الحقيقية وفاتحة الفن القصصي العربي .

وقصة "زينب" هي قصة مصرية اجتماعية كتبها محمد حسين هيكل سنة 1910 وهو طالب يتلقى العلم في باريس ولما عاد إلي مصر نشرها فصولاً في الجريدة" سنة 1914 ،وفي رأي كثير من النقاد أن قصة "زينب " انتقلت بالقصة الأدبية المصرية من طور الترفيه والتسلية والتهذيب الخلقي إلي التعبير عن تجربة إنسانية مصرية صميمة , ولا نكاد نجد رواية بهذا المستوي أو قريباً منه في السنوات التالية حتى قيام ثورة 1919 حيث يربط الباحثون أنفسهم ظهور الفن القصصي في مصر باندلاع هذه الثورة , وما نجم عنها من انبعاث الشخصية المصرية .

وإذا تتبعنا هذه المرحلة (مرحلة النشأة الأولي) نجد طه حسين ومجموعة قصصه "الأيام" وشجرة البؤس" و"الوعد الحق" و "دعاء الكروان" و "المعذبون في الأرض" ونجد العقاد في "سارة" وتوفيق الحكيم في مجموعة قصصه التي تبدأ بـ "عودة الروح" و "الرباط المقدس" و "يوميات نائب في الأرياف" و "عصفور من الشرق" ومحمد فريد أبو حديده في قصصه :ابنه الملوك, زانبويا , الملك الضليل , والمهلهل سيد ربيعة , وأنا الشعب , ونجد أيضاً إبراهيم المازني وله قصتا إبراهيم الكاتب وإبراهيم الثاني ثم مجموعة القصص القصيرة ومنها "ميدو وشركاه" و"ع الماشي" ومن النافدة .

 

 

المصادر

أحمد إبراهيم الهواري , المؤلفات الكاملة للدكتور إسماعيل أحمد أدهم , الجزء الأول ,

محمد غنيني هلال , النقد الأدبي الحديث

عبد اللطيف حمزة , مستقبل الصحافة في مصر .

محمد حسين هيكل , ثورة الأدب  .

عبد الحميد عبد السلام العبد , الأدب البياني في القصة العربية في النقد الحديث .

أحمد هيكل , تطور الأدب الحديث في مصر .

إقبال هيكل , فن القصة .

محمد زغلول سلام , دراسات في القصة المصرية الحديثة .

سيد حامد النساج , بانوراما الرواية العربية .

علي عبد الخالق , الفن القصصي .

شفيع السيد , اتجاهات الرواية العربية في مصر .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز