عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
انعكاس الواقع المصري في الصحافة الأدبية خلال الفترة "1945- 1952"

انعكاس الواقع المصري في الصحافة الأدبية خلال الفترة "1945- 1952"

بقلم : د. الأمير صحصاح

أولاً : الواقع السياسي :



كان التجاوب قد بدأ بين الشعب والجيش خلال هذه الفترة , وأن صفوة من ضباط الجيش كانوا يشعرون في خاصة أنفسهم بما كان يشعر به المواطنون جميعاً , وكانوا يألمون لما كانت تعانيه البلاد من عدوان الاستعمار وفساد نظام الحكم , ولما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 هب الشعب يكافح في سبيل حريته واستقلاله , وازداد الجيش تجاوباً مع الشعب وكان من نتائج ذلك أن امتنع ضابطه وجنوده عن الاشتراك في قمع المظاهرات والحركات الوطنية .

ولما دخل الجيش حرب فلسطين سنة 1948 كشفت المعارك عما كان يجري من خيانة ورشوة وفساد في إدارته وتسليحه وتموينه , وعن هذا الوضع يقول خالد محي الدين في مذكراته "لم يقتصر الأمر علي نقص الذخيرة ولا حتى عن قصة الأسلحة الفاسدة التي استخدمت – في اعتقادي – كستار لأخطاء نظام بأكمله , فالجيش كان خاوياً في أعماقه , ونقص الذخيرة أدي بالوحدات إلي القيام بعمليات "ضرب نار" للتدريب مرة واحدة في العام وهو بكل المعايير غير كاف علي الإطلاق.

وفي مطلع الخمسينات كانت مصر تتفجر غضباً ضد الاحتلال , وضد الملك , وضد ما أحاط بالنظام كله من فساد وظلم اجتماعي , وتصدت جريدة المصري لقيادة حملة واسعة ضد تعديل قانون الصحافة , وأسهم في هذه الحملة العديد من النواب الوفديين , وانتهي الأمر بان رفضت الهيئة البرلمانية لحزب الوفد مشروع القانون , موجهة بذلك ضربة قاصمة لسياسة التهاون مع القصر وهاج الملك فاروق وقرر إقالة حكومة النحاس .

ووسط هذه الظروف والملابسات دعت حكومة الوفد البرلمان إلي جلسة استثنائية , وأعلن النحاس في 8 أكتوبر سنة 1951 إلغاء معاهدة 1936 , وبدأت المناورات الاستعمارية , إذ طلب سفراء إنجلترا وفرنسا وأمريكا وتركيا مقابلة وزير الخارجية المصري , الذي صرح بعد استقبالهم أنه يرفض كل مقترحات التفاوض بعد إلغاء المعاهدة.

وشنت الصحافة هجومها علي بريطانيا وحقرت من شأنها واتهمتها بأنها تتوكأ علي دول ثلاث بعد أن هوت قوتها وتنقل ما تكتبه عنها الصحافة الأجنبية فيما يتعلق بأفول نجم إمبراطوريتها .

وغداً رد الفعل العنيف منتظراً بعد أن حركته الصحافة , وكانت البداية في تلك المظاهرات السلمية التي قامت في الإسماعيلية , وبورسعيد ابتهاجاً بإلغاء المعاهدة , وفجأة تدخلت القيادة البريطانية وساقت السيارات المصفحة ودفعت بها المدنيين وأطلقت النيران علي الأهالي فاستشهد منهم الكثير بدعوي المحافظة علي الأمن وحماية أرواح الرعايا البريطانيين , واحتلت مكاتب الجمارك والجوازات والحجر الزراعي بالمدينتين , واستولت علي كوبري الفردان من الجيش المصري , وغير ذلك من الإجراءات التعسفية .

وفي يوم السبت الموافق 26 يناير 1952 اليوم الذي احترقت فيه القاهرة , احترقت آمال المصريين في مواصلة الكفاح ضد الإنجليز , واحترقت حقوق المصريين في الحرية والعدالة والديمقراطية , وفي اليوم التالي 27 يناير تألفت وزارة علي ماهر الذي حشد كل جهده للضغط علي الإنجليز كي يقبلوا الجلاء السريع , وانتهت جهوده بالاستقالة احتجاجاً علي مماطلة الإنجليز له.

وجاءت بعد حكومة علي ماهر حكومة الهلالي , التي كانت بحكم تشكيلها حكومة ضعيفة , وأصبح من الواضح أن قضية جلاء القوات البريطانية عن مصر قد استبعدت , كما أصبح من الواضح أن حكومة الهلالي ستعتمد اعتماداً كاملاً في حكمها علي سلطة الأحكام العرفية , كل هذه الأسباب جعلت المصريين تزداد نقمتهم علي الملك فاروق وعلي حاشيته وعلي حكومته الضعيفة التي أتت تحت ستار الأحكام العرفية , وجعلت الشعب المصري يؤمن أن ألا أمل في الخلاص من كل هذه المصائب والقيود المفروضة عليه إلا بقيام ثورة .

ثانياً : الواقع الاقتصادي :

بالنسبة للواقع الاقتصادي فقد تميزت هذه المرحلة (   1945– 1952) بزيادة صغار الملاك للأراضي الزراعية , ففي سنة 1950 وصلت نسبة صغار الملاك (أقل من خمسة أفدنه) إلي 94.3% من إجمالي عدد الملاك للأراضي الزراعية.

ويمكن الإشارة إلي ثلاث عوامل ساهمت في تعميق تلك المعالم للهيكل الزراعي في مصر :

أولاً : أدي المركز الاحتكاري الذي تمتع به كبار الملاك في ملكية الأرض والسيطرة علي الموارد المالية إلي فرض ريع باهظ للأرض الزراعية تكبده صغار الفلاحين.

ثانياً : احتكار كبار الملاك معظم القروض القصيرة والمتوسطة الأجل , بينما ظل صغار الملاك في مصر خارج نطاق خدمات سوق الائتمان الحديث.

ثالثاً : تمخضت عمليات المضاربة الشديدة (في سوق الأراضي الزراعية) إلي ارتفاع أسعارها مما جعل من المتعذر علي المزارع الصغير شرائها.

وقد بلغت الأزمة الزراعية ذروتها في أوائل الخمسينات حيث غدت ظروف جمهرة المعدمين وصغار الفلاحين لا تطاق مع اقترانها بتضاؤل فرض العمل في القطاع الصناعي , وقد شهد الريف المصري خلال السنوات 1950 – 1952 العديد من الهبات الفلاحية التي كانت بمثابة النذير بإمكان حدوث تحرك ثوري وقلاقل من جانب الفلاحين الفقراء.

أما بالنسبة للحضر فقد أدي انتهاء تعبئة الجيوش البريطانية واستئناف التجارة الدولية تدريجياً إلي حدوث تقلقلات صناعية وأزمات بطالة , وهكذا تميز عام 1946 , 1947 باضطرابات واسعة النطاق , كما شهدت الفترة من 1950 – 1952 تصاعد الأزمات التضخمية لفترة ما بعد الحرب إلي أقصاها.

ثالثاً : الواقع الاجتماعي

كان لنمو أفكار العدالة الاجتماعية والتحرر من الحاجة التي اكتسحت العالم بعد الحرب العالمية الثانية , أثرها في مصر , فنشط اليسار المصري ممثلاً في الجناح اليساري في حزب الوفد (الطليعة الوفدية) وكانت تضم مجموعة من الشباب تكتب آراءها في الصحف الوفدية "الوفد المصري" و "صوت الأمة" و "البعث" التي رأس تحريرها محمود مندور في الأعوام 1944 – 1952 وقد نشرت الطليعة الوفدية كتابات تمزج بين الأهداف الوطنية الهامة , مثل الجلاء والاستقلال والحرية السياسية بأهداف اجتماعية مثل إنصاف الطبقات الكادحة التي تتعرض لقسوة الغلاء وتعاني من واقعها الاقتصادي المتدهور.

كما تمثل نمو الجناح اليساري أيضاً في اتخاذ حزب مصر الفتاة , اسم الحزب الاشتراكي , ونمو الحركة الماركسية , وفي أثناء انتخابات يناير 1947 ظهر شيء جديد نسبياً في تاريخ مصر إذ تقدم لخوض الانتخابات ما يقرب من مائة مرشح من العمال وصبية الجزارين والشيالين وسائقي التاكسي , وقد تسبب هذا المد العمالي في إصدار حكومة إسماعيل صدقي قرارها بالقبض علي مجموعة ضخمة من الكتاب والصحفيين للتحقيق حول مؤامرة مزعومة لنشر الأفكار الهدامة التي ترمي إلي تغيير أسس البناء الاجتماعي.

وعلي النقيض من الحركة الماركسية , برزت من الجهة المضادة جمعية الأخوان المسلمين , التي أسسها في الإسماعيلية عام 1929 الشيخ حسن ألبنا , علي أسس تأييد الاتجاه الإسلامي ومعاداة الإنجليز , ولم تلبث الجمعية الدينية – عقب الحرب العالمية الثانية – أن وجدت تعاطفاً جماهيرياً كبيراً واجتذبت حركة الأخوان الطبقات الفقيرة غير المتميزة مع الانتشار داخل الفئات المثقفة في نفس الوقت من خلال التعاون مع بعض القيادات ذات التأثير .

وعن واقع المجتمع المصري خلال هذه المرحلة ( 1945 – 1952) يقول الدكتور  سيد حامد النساج "علي مستوي حركة الواقع وشموليته وكليته , بدأت هذه المرحلة مع سيادة الحكم الدكتاتوري , وانعدام المساواة الاجتماعية , والعدالة الاقتصادية , ونمو رأس المال المحلي , وظهور وعي الطبقة البرجوازية بمكانتها  وشغفها بمحاكاة البرجوازية الأوروبية الغازية في سلوكها وقيمها وفنها وأدبها , وأن هذه الفترة شهدت عدة ظواهر إيجابية تجسدت في اضطرابات العمال , ومظاهرات الطلبة , وتحركات الفلاحين , هيأ لذلك تلك المقدمات الفكرية والواقعية التي تمثلت في كتابات الاقتصاديين والاجتماعيين الواعين , وفيما حفلت به الصحافة من آراء وافكار تقدمية جديدة .

الصحافة الأدبية وقضايا المجتمع (1945- 1952)

لازمت القصة القصيرة خلال مراحل تطورها المختلفة في الصحافة المصرية , حركة المجتمع في تغيره الدائم المستمر , وبعد الحرب العالمية الثانية أخذت طبقة العمال والفلاحين تتشكل مكونة طبقة جديدة هي نفسها التي شاركت في صنع ثورة 1919 , وكان علي القصة القصيرة أن تشارك تطلعات هذه الطبقة الجديدة الآخذة في النمو , وتصور صراعها مع القوي المتحكمة والمسيطرة , قوي أصحاب المصانع وملاك الأرض.

وكان سعد مكاوي خلال هذه الفترة أكثر الكتاب تعاطفاً مع الطبقة الكادحة , فالتحم بهم , وتبني مشاكلهم وقضاياهم الاجتماعية .

وسعد مكاوي في قصصه القصيرة مهتم بالقضية الاجتماعية في الريف والمدينة علي حد سواء , وإن كان الريف والقرية والفلاح في مجتمعنا المصري يحظى بمزيد من فنه وفكره , وهو أمر طبيعي وواقعي من أبن فلاح مولود في عمق القرية , وهو في تعرضه للمدينة إنما يريد أن يكشف الزيف الموجود بها , والبورجوازية التي تتحكم فيها , والصراعات الطبقية التي تعتمل في جنباتها , ولم يكن أبداً ممجداً للبورجوازية والطبقة الحاكمة , وإنما كان دائم التنبؤ بانهيارهم , ونجد صوره لهم في قصته "الينبوع" التي نشرتها صحيفة المصري سنة 1949 , التي تصور الإقطاعي المستغل , والرأسمالي الجشع , والكاتب المزيف , والطفيلي المنتهز , والوصولي غير الشريف .

وقد اهتمت صحيفة "المصري اهتماماً كبيراً خلال الفترة من عام 1947 – 1952 بقصص سعد مكاوي , فنشرت له سنة 1947 "اعترافات في النوبة" والحب صدقة" وأغنية الحب الضائع" والشيخ عبد الصمد قال لي " ونشرت له سنة 1948 "علي أبواب الليل"  "وهذه الكأس" و "ببلوش" و "للحب سبعة أقنعة" و "صلاح بغير إيمان " و "دماء علي القمر " وشارع نور الظلام " و"عائد من الميدان" و "صافحت الموت" .

وفي سنة 1949 نشرت له صحيفة المصري "الجيل المنحوس " و " أقوي من القبر" وقصة أفريقية والينبوع والرجل الذي عفا عن بنك مصر , وفي سنة 1950 نشرت له "رجل من الرجال , والروح السوداء , وعلي بحر شبين , ودخان " , وفي سنة 1951 نشرت له "صاحب العصمة المجتمع" وفي سنة 1952 نشرت له "قراريط رضوان التسعة , ورفيق الليل , والزعيمة , وقهوة المجاذيب , والفجر بعد الليل , ونحن البشر , والزفاف" .

ويري الدكتور السعيد الورقي أن القصة الواقعية القصيرة عند سعد مكاوي تتناول شمولية الحدث الاجتماعي المحدد في البيئة الاجتماعية المحلية , فيقل الاهتمام بالشخصية , وتصبح قيمتها في تعمق الحدث الاجتماعي .

والقضايا الاجتماعية التي تعرض لها سعد مكاوي , نجد مثلاً لها عند "عبد الرحمن الشرقاوي" ويري الدكتور سيد حامد النساج أن ثورة الفلاحين كما صورها سعد مكاوي في "الماء العكر" يثورونها في "الخادم" لعبد الرحمن الشرقاوي , وجدير بالملاحظة أن هذه القصة نشرها عبد الرحمن الشرقاوي في صحيفة " المصري" في عددها الصادر في 23 يوليو سنة 1952 , وهو يوم قيام الثورة , وأما إذا كانت كتبت قبل هذا التاريخ فإنها بكل تأكيد تكون ساهمت في الإرهاص للثورة التي تخدم الفلاحين وهم القطاع الذي يشغل كل فكر عبد الرحمن الشرقاوي وفنه .

وقد اهتمت الصحف والمجلات بقصص "عبد الرحمن الشرقاوي" بداية من عام 1947 , حيث نشرت له مجلة أخر ساعة في سبتمبر 1947 قصة "فتي من الريف" وفي أكتوبر 1947 قصة "طيف حب" ونشرت له مجلة الهلال سنة 1952 قصة "طلائع الفجر الجديد" ونشرت له صحيفة المصري – كما قدمنا قصة "الخادم , يوم قيام الثورة" .

ومن بين الأسماء التي تناولت قضايا المجتمع ومشكلاته يبرز خلال هذه الفترة (1945 – 1952) علي الدالي في القصص التي نشرها بمجلة القصة سنة 1950 , وأحمد عباس صالح الذي نشر بمجلة القصة سنة 1950 أيضاً "نهاية المطاف" والحب السجين" كما يبرز أيضاً محمد يسري أحمد في قصصه القصيرة التي نشرها في صحيفة النداء , وذكريا الحجاوي , في قصصه التي نشرها بصحيفة "المصري" ومجلة "روز اليوسف" خلال الفترة من 1949 – 1952 , ومحمد صدقي , ومحمود السعدني .

المصادر

عبد الرحمن الرافعي , ثورة 23 يوليو , تاريخنا القومي في سبع سنوات.

خالد محي الدين , والآن أتكلم .

 أحمد أبو الفتح , جمال عبد الناصر

 لطيفة محمد سالم , الصحافة والحركة الوطنية .

محمود أبو الفضل : التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الريف المصري .

 روبرت تيجنور , العدالة في ماضي مصر القريب , ترجمة محمد نور الدين .

 محمود شريف , أثر التطور الاجتماعي في الرواية المصرية .

 سهير إسكندر , الصحافة المصرية والقضايا الوطنية .

 أحمد فؤاد رسلان , الأمن القومي المصري .

 سيد حامد النساج , بانوراما الرواية العربية الحديثة .

 سيد حامد النساج دليل القصة المصرية القصيرة

السعيد الورقي , الاتجاهات الواقعية في القصة المصرية القصيرة .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز