عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
انعكاس الواقع المصري في الصحافة الأدبية خلال الفترة(1952- 1961)

انعكاس الواقع المصري في الصحافة الأدبية خلال الفترة(1952- 1961)

بقلم : د. الأمير صحصاح

أولاً : الواقع السياسي :



لم تفلح لعبة الملك فاروق في معالجة الأمور بأسلوب تغيير الوزارات , فقد فات الوقت , وبلغ السيل الزبي , وتدهورت كل الأوضاع في مصر , وفقد الشعب الثقة في النظام السياسي برمته , وبات ثابتاً في ضمير الشعب أنه لابد من حل جذري ينقذ مصر ويعيد لها أمنها القومي , كانت ثورة 23 يوليو سنة 1952.

وكان علي الثورة أن تواجه- منذ اللحظة الأولي – العنصرين اللذين أديا إلي تشويه معالم الحركة السياسية المصرية أساساً وهما الإنجليز والملك , وكان القرار الأول في 26 يوليو 1952 بعزل الملك فاروق وطرده من البلاد وتولية طفله أحمد فؤاد الثاني.

وفي 10 ديسمبر سنة 1952 أعلن محمد نجيب باسم الشعب سقوط دستور 1923 , وفي 13 يناير سنة 1953 صدر مرسوم بتأليف لجنة لوضع مشروع دستور جديد " يتفق وأهداف الثورة" وفي 18 يناير سنة 1953 صدر مرسوم بقانون حل الأحزاب السياسية ومصادرة أموالها.

ورأت الثورة بعد إلغاء الأحزاب أن الرجعية يجب القضاء عليها من جذورها , لذلك أعلنت الثورة في 18 يونيه عام 1953 باسم الشعب إلغاء حكم أسرة محمد علي وألغت الألقاب في البلاد , وأعلنت النظام الجمهوري علي أن يتولي قائد الثورة رئاسة الجمهورية , وقد كان إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية مطلباً شعبياً ملحاً .

وعلي الرغم من هذه القرارات كان من الواضح أن مصر لا تستطيع ان تباشر حريتها السياسية والاجتماعية وقوات جيش الاحتلال البريطاني رابضة في القناة , ومن ثم عملت لثورة منذ اللحظة الأولي علي تحقيق الجلاء والاستقلال في كل من مصر والسودان , واستمر رجال الثورة في إعداد البلاد للكفاح , إذا حاولت بريطانيا المراوغة في الجلاء , ورضخت بريطانيا في النهاية وانتهي الأمر إلي اتفاقية 19 أكتوبر سنة 1954 التي أقرت فيها بريطانيا الجلاء عن مصر في مدة لا تتجاوز عشرين شهراً تبدأ من تاريخ التوقيع علي اتفاقية الجلاء .

العدوان الثلاثي :

غير أن الاستعمار البريطاني الذي جلا عن البلاد مرغماً راح يبيت الأمر للرجوع لمصر مرة أخري عن طريق إسرائيل , وكانت أحداث غزة سنة 1955 , التي واجهتها الثورة بقرارها الشجاع "كسر احتكار السلاح" وتوقيع اتفاقية الأسلحة التشيكوسلوفاكية لمصر في سبتمبر 1955 وما سبقها من عمل دبلوماسي لتأكيد الاستقلال السياسي باشتراك الرئيس جمال عبد الناصر كأحد أقطاب باندونج في أبريل 1955 , ثم الاعتراف بالصين الشعبية في 16 مايو 1956 , وأخيراً تأميم قناة السويس في 26 يوليو 1956 أبلغ تعبير علي تأكيد  استقلال مصر السياسي .

لقد كانت مرحلة تنفيذ قرار تأميم قناة السويس وما تبعها من أحداث مجالاً خصباً للدبلوماسية , ففي الوقت الذي كان يحرص فيه عبد الناصر علي تأكيد أن قرار التأميم قرار نهائي غير قابل للمناقضة أو المساومة , كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تشنان حملة سياسية عالمية هدفها فرض إدارة دولية علي القناة .

وفي 29 أكتوبر سنة 1956 وقع العدوان الثلاثي علي مصر , ورغم الهزيمة العسكرية كان هناك نصر سياسي لا شك فيه , واكتسبت ثورة 23 يوليو وزعامة عبد الناصر شعبية هائلة في الأمة العربية جعلته يصل إلي قمة لم يعرفها زعيم عربي من قبل , وانكشف نهائياً الدور الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة لحساب الاستعمار .

وفي 23 ديسمبر سنة 1956 انسحبت القوات البريطانية والفرنسية , وكان هذا اليوم يوم الجلاء الثاني في عام واحد للقوات البريطانية عن مصر ومعها القوات الفرنسية , ثم انسحبت إسرائيل في مارس 1957 , ولم تعرف ثورة يوليو فترة ازدهاراً واستقراراً , مثلما عرفت بعد العدوان الثلاثي , ولم يحظ جمال عبد الناصر بتأييد شعبي جارف , كما حظي عام 1957 وما بعد ذلك .

تشكيل الاتحاد القومي :

وأمام التحديات الخارجية برزت أهمية الوحدة القومية , ومن ثم بادرت القيادة الثورية بإعلان تشكيل الاتحاد القومي في 28 مايو 1957 , وكانت أهدافه المعلنة تتمثل فيما يلي:

•  ان يكون تعبيراً سياسياً عن الوحدة الوطنية التي تأكدت بعد العدوان الثلاثي , ودعم الثورة الوطنية وهي تتجه نحو مرحلة الثورة الاجتماعية.

• مواجهة تحديات الاستعمار في مصر والعالم العربي.

• إرساء دعائم الممارسة الديمقراطية وحل المتناقضات بين القوي الاجتماعية بطريقة سلمية.

ويجب أن نلاحظ أن مجرد إنشاء الاتحاد القومي لم يكن ليقضي علي المتناقضات في المجتمع , وأن تجربة الاتحاد القومي اصطدمت بقوة المصالح الرأسمالية لتي سعت إلي شل فاعليته الثورية , ومن ثم أصبح الاتحاد القومي مجرد واجهة تنظيمية عاجزة عن خدمة المطالب الجماهيرية الحقيقية .

الوحدة مع سوريا:

وفي أول فبراير 1958 شهدت مصر وسوريا , كما شهد الشرق العربي حدثاً هاماً , وهو إعلان ميلاد الجمهورية العربية المتحدة , وقيام الوحدة بين مصر وسوريا.

وعلي أثر الاستفتاء علي الوحدة وانتخاب جمال عبد الناصر رئيساً لجمهورية العربية المتحدة أعلن يوم 5 مارس 1958 وهو في دمشق الدستور التفصيلي المؤقت للجمهورية , وهو مؤلف من 73 مادة فصلت الأسس الواردة في إعلان 5 فبراير عام 1958.

ويري بعض المؤرخين أن الرئيس جمال عبد الناصر لم يحقق للشعب السوري الآمال التي عقدها علي الوحدة , بل زاد التنازع علي النفوذ , وصاحب الوحدة عوامل كثيرة أدت إلي الكساد المالي , وفرضت قيود صارمة علي الصحافة , واضطر عبد الناصر إلي إرسال ضباط مصريين ليسطروا علي كافة أجهزة وأسلحة الجيش السوري , وحدثت احتكاكات بين الضباط المصريين والضباط السوريين , وكانت سنة 1959 من أشق السنين التي مرت علي جمال عبد الناصر , وبدأ ينزل السلم الذي ارتفع عليه خلال عامي 1955 , 1956 , إلي زعامة الشعوب العربية , فخلال عام 1959 كان عبد الناصر ينزل هذا السلم بسرعة عجيبة .

وإذا كان عام 1959عام متاعب وإرهاق وهبوط لعبد الناصر فإن عام 1960 بدأ بمزيد من الإرهاق له , فقد بدأت الشعوب العربية تحس خيبة الأمل , وزاد من خيبة أمل السوريين أن وجدوا عبد الناصر يحول سورية إلي مستعمرة لمصر, وفي سنة 1961 وضح اضطراب سياسة عبد الناصر في سوريا وضوحاً خطيراً وتأكد السوريون أن الوحدة لم تحقق للقضية العامة – أي قضية فلسطين- أيه خدمات .

ثانياً : الواقع الاقتصادي :

أصدرت الثورة في سبتمبر 1952 قانون الإصلاح الزراعي الأول , وفي يناير 1953 أعلنت الثورة إلغاء المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي , وفي عام 1954 بدأت الدولة تتدخل في الحياة الاقتصادية تدخلاً مباشراً كطرف أصيل , وفي عام 1955 أنشأت لجنة التخطيط القومي , وفي عام 1956 أنشأت وزارة الصناعة وأعدت برنامجاً للتصنيع وأخذت تعد لمشروع السد العالي في محاولة للقيام بطفرة في مجال التصنيع , وعندما رفضت الدول الاستعمارية تمويل السد العالي , كان الرد عليها هو تأميم قناة السويس .

وعلي ذلك فإن الدولة لم تعد تري منذ أواخر عام 1956 أن التنمية الاقتصادية مجرد نشاط اقتصادي بحت يهدف إلي التنمية علي الأساس والتركيب القديم , بل أصبحت تهدف وهي تنمي المجتمع اقتصادياً إلي إعادة تشكيل القوي الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع علي أساس جديد , ولذا لم تمض عدة أسابيع علي انسحاب القوات المعتدية في عام 1956 حتى صدرت قرارات إخضاع جميع المصالح الفرنسية والاسترالية والبريطانية لإشراف الحراسات العامة , كما تم إنشاء المؤسسة الاقتصادية وتمصير البنوك وهيئات التامين والوكالات التجارية وإنشاء مجلس اعلي للتخطيط ولجنة التخطيط .

ففي 13 يناير سنة 1957 صدر قرار جمهوري يقضي بإنشاء هيئتين لتنظيم التخطيط القومي وهما " مجلس التخطيط الأعلى" ويرأسه رئيس الجمهورية ويتولي تحديد الأهداف الاقتصادية والاجتماعية للدولة وإقرار خطط التنمية في مراحلها المختلفة .

ولجنة التخطيط القومي "ويرأسها وزير الدولة لشئون التخطيط , ويختص بإعداد الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة ومتابعة سير العمل فيها ومراجعتها دورياً وتقديم تقارير عنها إلي المجلس الأعلى للتخطيط .

وهكذا بدأ القطاع العام في يناير 1957 , بوصفة قاعد للتنمية الاقتصادي المستقلة , ولم تستجيب الرأسمالية المحلية لكل دعوات الثورة , وقررت الثورة تحويل برنامج  السنوات الخمس للتصنيع إلي خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية مدتها عشر سنوات تتولي مضاعفة الدخل القومي , وبدأت الخطة الأولي في يوليو سنة 1960 والقطاع الخاص يسيطر علي الاقتصاد المصري, وقبل أن تنتهي السنة الأولي من الخطة , أدركت الثورة أن التنمية المستقلة مستحيلة بدون الحد من النمو الرأسمالي .

وعن موقف الرأسمالية من الثورة يقول P.J.Vatikiotis كان لإجراءات التمصير بعد حرب السويس , ولإعادة الثورة النظرة في النظام الاقتصادي , وللقيود الكبيرة التي فرضتها علي المشروعات الخاصة أثرها البين حيث كانت علامات دالة علي مستقبل التطور الاقتصادي الذي تلعبه الرأسمالية الخاصة.

ثالثاً : الواقع الاجتماعي :

أدي تطبيق قانون الإصلاح الزراعي الأول عام 1952 إلي توسيع قاعدة الملكية الصغيرة , وإحداث تحسين مهم في الأحوال المعيشية والاجتماعية لبعض سكان الريف .

ويري عبد الرحمن الرافعي أن الإصلاح الزراعي نظام اجتماعي سديد , فقد أوجد طبقة من صغار الملاك تجعل المجتمع أقرب إلي الديمقراطية والتوازن الاجتماعي وأبعد عن الشيوعية .

وبالنسبة للعمال , ففي سنة 1952 , 1953 قامت الثورة بتعديل عقد العمل الفردي بما يكفل حقوق العمال , وتم تعديل قانون تنظيم التوفيق والتحكيم , وقانون نقابات العمال , واتجهت هذه التعديلات إلي رعاية مصالح العمال, وفي 31 أغسطس سنة 1955 صدر القانون رقم 419 لسنة 1955 بإنشاء صندوق للتامين وأخر للادخار للعمال , وشمل القانون التأمين من الشيخوخة والوفاة والعجز , وكما شمل التامين من أمراض المهنة , وفي 8 ديسمبر 1958 صدر القانون رقم 22 لتلك السنة في شان التامين والتعويض عن إصابات العمل , وفي سنة 1959 أصدرت الثورة قانون العمل الجديد وفي6 أبريل سنة 1959 أصدرت قانون التأمينات الاجتماعية .

ويبدو أن القيادة السياسية خلال هذه الفترة في تعاملها مع المفاهيم الأربعة – المساواة – العدالة – تكافؤ الفرص – تذويب الفوارق بين الطبقات لم تستخدم الدين لتدعيمها , ولم تكن هناك حاجة لمثل هذا التبرير الديني لأن الدافع الثوري في نظرها كان كافياً , ودفع ذلك إلي الصراع المبكر بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين , والحقيقة أن الخلاف بين القيادة السياسية والإخوان المسلمين لم يكن علي موضوع توزيع الدخل القومي والعدالة الاجتماعية فكلا الفريقين يناديان بذلك في برامجهما المعلنة , ولكن الخلاف علي مجرد صراع علي السلطة .

وقد أدي هذا الصراع إلي حادث المنشية الشهير في 26 أكتوبر سنة 1954 حيث اتهم الإخوان بمحاولة اغتيال رئيس الجمهورية .

 الصحافة الادبية وقضايا

المجتمع (١٩٥٢-١٩٦١) :

في بداية هذه المرحلة، ووسط هذا المناخ العام، ظهر يوسف إدريس، معلناً ميلاد كاتب واقعي جديد لديه الوعي الكامل بأبعاد واقعه الاجتماعي مع نضوج في الرؤية والموقف على حد سواء، وتقدم يوسف إدريس خلال رحلة إبداعه في الصحافة مؤكداً هذا الطرح منذ قصصه الأولى في مجلة "القصة " ومجلة "روز اليوسف " ومجلة "التحرير" وصحيفة "المصري " وهكذا شهدت الحياة الأدبية في مصر يوسف إدريس من ألمع أدباء المدرسة الواقعية في الأدب العربي المعاصر.

وتضم قصة "الليل" التي نشرها يوسف إدريس في مجلة "روز اليوسف" في 8 فبراير سنة 1954 نماذج للفلاحين المطحونين في القرية المصرية (قرية الأربعينات)، وقدم يوسف إدريس في هذه القصة حياة الفلاح المصري الكادح من زاوية صغيرة تقوم على علاقة التضاد بين ما يعانيه وما يأمله، وفي قصته (5 ساعات) التي نشرها بمجلة "التحرير" في أول أكتوبر 1952 عالج يوسف إدريس قضية العلاقة بين الفساد السياسي والفساد الاجتماعي والخلقي، وهكذا مزج الكاتب بين ذلك اللون من القصص الذي عرف عند الرومانسيين بالقصص ذات القضايا وبين رؤية واقعية تتناول شريحة واقعية تتداخل فيها العلاقات السياسية والاجتماعية وتؤثر في بعضها تأثيراً له انعكاساته على واقع الأفراد في المجتمع .

وباكتشاف هذا العالم الفني المتشابك الذي خلقه يوسف إدريس في قصصه القصيرة التي نشرها في الصحف والمجلات ابتداء من عام 1952، وانتهاء بها عند 1961، نجد الفرد المسحوق اجتماعياً في حلبة الصراع الطبقي المحتدم الذي لا يرحم، كما نحس ذلك خلال قرائنا لقصص (شغلانة) و(بصرة) و(أرخص ليالي) وجميعها نشرت بصحيفة المصري سنة 1953، ونجد المفارقات الاجتماعية والصراع بين القديم والجديد، وصورة العلاقات الإنسانية المتغيرة، وهو يلاحظ في قصتي (ربع حوض) و(الحالة الرابعة) التي نشرتهما صحيفة المصري أيضاً سنة 1953 و(محطة) التي نشرت بمجلة صباح الخير سنة 1958، ويقف الكاتب عند بعض نظم المجتمع وقيوده التي تقتل في الإنسان حرارة العمل، ويصور ذلك في قصة (الشيخوخة)  وتصور قصته (حادثة شرف) دور الجماعة وقيمته في تغيير الواقع .

ونجيب محفوظ أبان الثورة استطاع أن يجرب وأن ينتقد وأن يكتب في الصحف السيارة، وأن يكون له جمهوره الكبير.

وكان نجيب محفوظ قد توقف عن الكتابة بعد الثورة مباشرة ولمدة سبع سنوات كاملة إذ كان قد أتم "الثلاثية " في أبريل سنة 1952 واستعد لكتابة "العتبة الخضراء" ليعالج فيها من خلال هذا المرتكز المكاني آخر مشكلات مصر.

وعن توقف نجيب محفوظ عن الكتابة منذ قيام الثورة وحتى أواخر الخمسينات يقول الدكتور محمود أمين العالم "أن هذا التوقف في تقديري تعبيراً عن أزمته الكتابية الإبداعية في مجتمع هذا الوضع الجديد الملتبس المتناقض بين شعاراته ومنجزاته السياسية والوطنية والاجتماعية المتقدمة، وبين الشكل غير الديمقراطي في الممارسة السياسية والاجتماعية، وقد أغامر بالقول بأن نجيب محفوظ قد كتب روايته "أولاد حارتنا كرد فعل نقدي أدبي إبداعي لهذا الواقع السياسي والاجتماعي والأيديولوجي الجديد ".

وقد اهتمت صحيفة الأهرام بنشر قصص نجيب محفوظ القصيرة مع نهاية هذه المرحلة، ومنها جوار لله، ودنيا الله، وموعد، والجامع في الدرب، وقاتل، وزينة، وزعبلاوي، وضد مجهول، وكلمة في الليل، وجميعها نشرت في النصف الأول من عام 1961.

وهناك قضايا فكرية مطلقة يلح عليها نجيب محفوظ من خلال قصصه القصيرة، هي الموت، والقدر، والزمن، والحرية واصطدامها بإرادة الإنسان ... يناقشها من خلال محاور رئيسية هي: صراع الفرد مع الفرد، وصراعه مع المجتمع، تناقضات المجتمع ومفارقاته، صدام العقل بالجنون، الوعي باللاوعي، الواقع بالخيال، ليشكل في النهاية مأساة الإنسان، ومأساة المجتمع، ومأساة المصير الإنساني ... عالج الكاتب هذه القضايا الفكرية على نفس الأرضية الاجتماعية في الواقع المعيش ... نفس الواقع الذي عالج من خلاله قضاياه الاجتماعية في قصصه الأولى قبل عام 1952.

وقد أقام نجيب محفوظ هذه القضايا الفكرية على أرضية اجتماعية، تمثلت في شوارع القاهرة وأحيائها الشعبية وحواريها وأزقتها، ومن خلال الحانة والخمارة والمقهى والكازينو والخرابة والخلاء، وكانت شخصياته ممن نراهم ونقابلهم كل يوم من أبناء الطبقة الكادحة، وأبناء الطبقة البرجوازية الصغيرة، كالموظفين والأفندية والعربجية والفتوات والسكارى والمساطيل والمجانين والعساكر والضباط .

ويبرز أيضاً خلال هذه الفترة "يوسف الشاروني " الذي يحدد الإطار الزمني الذي ستدور في أجوائه قصصه، إنه منتصف القرن العشرين، حيث تتزاحم أحداث العالم في صخب وصراع ودمار، فتحدث تأثيرها على كل المستويات وفي كل بلدان العالم، وهو أيضاً يعين النماذج التي ستكون أبطالاً لقصصه. إنهم من الشباب، شباب الجيل ينتشرون في مدن مصر، ما بين المقاهي يقتلون الوقت وبين الطرقات الكبيرة يتسكعون وراء الفتيات، وقد ربط بينهم إحساس بالشقاء والفزع، وتأرجح ما بين اليأس الكبير والأمل الأكبر، وكان الشيب يدب في أفواههم والشيخوخة تشع في أرواحهم وهم لا يزالون في شرخ الشباب.

ويعبر مصطفى محمود خلال هذه الفترة عن بعض ما عبر عنه "يوسف الشاروني" لكن بأسلوب أكثر شفافية وشاعرية من خلال أحداث، وشخصيات متنوعة من الواقع الذي يعيشه المجتمع فعلاً، لا يفتعل العالم الخاص الذي يتحرك فيه أبطال قصصه، وإنما يلتقط هذا العالم من الواقع، ويسلط عليه الأضواء، ويركز على النواحي المريضة فيه، ثم يفلسفها ويعمل فكرة وعقله فيها، حتى تستوي نموذجاً فنياً، لا يأتي على الفكرة المجردة، وإن غلفت وتزيت بأزياء واقعية لا شبهه في واقعيتها.

ويرى مصطفى محمود في قصته "لا أحد " أن الإنسان يعيش حبيس سجن هو ما ورثه من البشر منذ الخليقة، وهذا السجن المطلق حوله هو الأوامر والنواهي، ويرى أن الإحساس بالتفاهة معناه أن الحياة تمر بصورة متكررة، وأن هذا التكرار في الأشكال الحياتية يمر دون سبب مبرر لنا، ويرى مصطفى محمود أن المجتمع يخلق قدر كبير من مأساة الإنسان .

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المرحلة (١٩٥٢-١٩٦١) تميزت بظهور الواقعية الفكرية التي مثلها – كما أسلفنا- نجيب محفوظ ويوسف الشاروني ومصطفى محمود، ويمثلها أيضاً خلال هذه الفترة محمد أبو المعاطي أبو النجا الذي يشكل الإنسان محور قضاياه الفكرية، أنه دائم التفكير في الإنسان، والإنسان بالنسبة له قصة كبرى، لغز كبير يحاوله حله.

ويرى الدكتور محمود الحسيني المرسي أن محمد أبو المعاطي يستمد صوره وقضاياه الفكرية من الواقع المحيط به، في مزاوجة تامة بين الفكر والواقع .

ومن هنا نجد عند محمد أبو المعاطي أبو النجا الوقفة الطويلة أمام جزئيات الواقع وتفصيلاته، ملماً بها واصفاً إياها في آلية وفوتوغرافية لا يفوتها أي عنصر بسيط من العناصر التي يزخر بها واقع الحياة، يلمس ذلك من قصته "في الطابور" ويرى الدكتور سيد حامد النساج أن عالم محمد أبو المعاطي في قصصه القليلة التي كتبها قبل عام 1961 عالماً مقبولاً قريباً من الواقع.

المصادر

مصطفي محمد رمضان , تاريخ الحركة الوطنية وجذور النضال المصري .

أحمد فؤاد رسلان , الأمن القومي المصري.

رفعت سيد أحمد , ثورة الجنرال جمال عبد الناصر.

أحمد حمروش , ثورة 23 يوليه الجزء الثاني .

عبد الرحمن الرافعي , ثورة ٢٣ يوليو، تاريخنا القومي في ٧ سنوات.

أحمد أبو الفتح, جمال عبد الناصر .

فؤاد مرسي , التحولات الاقتصادية والاجتماعية في مصر , مقال .

عبد السلام عبد الحليم عامر , الرأسمالية الصناعية في مصر من التمصير إلي التأميم .

محمود عبد الفضيل , التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الريف المصري.

محمد حسن عبد الله، الواقعية في الرواية العربية، 

محمد زغلول سلام، دراسات في القصة العربية الحديثة .

محمود أمين العالم، أولاد حارتنا بين خصوصيتها وعموميتها الإنسانية،

سيد حامد النساج، دليل القصة المصرية القصيرة، 

 السعيد الورقي، اتجاهات القصة القصيرة .

محمود الحسيني المرسي، الاتجاهات الواقعية في القصة المصرية القصيرة.

سيد حامد النساج، اتجاهات القصة المصرية القصيرة .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز