عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سحلية في ملعب تنس

سحلية في ملعب تنس

بقلم : طارق العكاري

منذ أيام وأثناء إنعقاد بطولة ميامي للتنس للأساتذة بين تومي هاس وجيري فاسلي، اقتحمت سحلية "الإغوانا" الضخمة الملعب ووقفت أعلى لوحة الإعلانات الموجودة على أرضية الملعب – وللعلم لمن لا يعرف فإن بطولة ميامي هي ثاني أشهر بطولة للأساتذة (الماسترز) بعد انديان ويلز، وتومي هاس الخاسر في هذه المبارة هو المصنف الثاني سنة 2002.



ما أستوقفني هو رد فعل الجميع، اللاعبين ومن يقفون على أرضية الملعب من حكام وأطفال الكُرات والجمهور.

فلقد قام الجمهور بالتصفيق والتقاط الصور من الهواتف علماً بأن المباراة قد توقفت حوالي ست دقائق وقام تومي هاس بأخذ "سيلفي السحلية" أمام الجميع ووسط تصفيق شديد من الجماهير.

أما عن التعامل من قبل قوات الطوارئ البيطرية للملعب، فقد حاولوا في البداية الامساك بها من ذيلها، ثم حاولوا وضعها في كيس مخصوص لمثل هذه الزواحف لتنزل فيه ولكن السحلية المصنفة رقم 1 على العالم في التنس راوغت الجميع وقفزت لتجري على أرض الملعب والمتخصصون يتابعونها ولا يهرولون خلفها حتى دخلت مكاناً غير ظاهر.

تخيلت لو حدث هذا الموقف في أحد ملاعب مصر وتخيلت ردود أفعال الجميع.

هل سيأخذ اللاعبون الحدث بهذا القدر من الهدوء أم سيغضبون ويتركون الملعب؟ هل ستصفق الجماهير أم ستفزع؟ الأمر الأخطر هل سيتوقف كل من في الملعب ويُترك الأمر لمن يعنيه الأمر بالتخصص سواء بيطري أو طوارئ أم سيصبح كل من في الملعب متخصص في علم الزواحف وكيفية التعامل معها ونجد الكل مهرول خلف السحلية؟ وكنا سنجد لشهور لاحقة لهذا الحدث سخرية على مواقع التواصل الإجتماعي وهاش تاجات كثيرة على السحلية.

الأكثر من ذلك، أنه ستطالعنا فرانس فوتبول وتايمز والواشنطن بوست وربما ميكي جيب بمنشتات "مصر غير قادرة على تأمين بطولة كذا وكذا"، "سحلية عملاقة تثير الرعب في نفوس الجماهير".

وقد تدفعنا موروثاتنا إلى تكرار حادث ملعب بورسعيد الأليم "رحم الله الشهداء" نتيجة للتدافع وعدم دراية الجماهير والعاملين بكيفية التعامل في حالات الطوارئ بالخروج الآمن والمنظم المبني على خطة مسبقة ووجود علامات إشارية لمخارج الطوارئ.

عندما سألت نفسي هذه الأسئلة للوهلة الأولى ألقيت باللوم على أنفسنا وأننا شعب يعشق المساعدة بدون علم والافتاء ولكن سرعان ما عدت إلى رشدي وتبدل الشعور الناقد المتولد أوتوماتيكياً لدى أي مصري يرى موقف مشابه إلى تعاطف شديد مع هذا الشعب، وأن مثل هذه التصرفات تأتي لعدم وجود جسر من الثقة بين أفراد الشعب ومؤسساته وقدرات العاملين بها على إتقان أعمالهم، وهو مرض متوطن لدينا من أيام الخمسينات وربما من قبلها.

وعلى النقيض فإن ثقة الشعب الأمريكي في العاملين بمؤسساته وفي قدراتهم على إتقان أعمالهم على مدار أعوام كثيرة سابقة جعلت أحداث مثل هذه ومثل أحداث فرنسا والمانيا الإرهابية وغيرها لا تقترن بسخرية الشعب من أجهزتهم لتأكد المواطنين من أن من يعمل بهذه الأجهزة فهو يعمل في إطار منظومة تجبره على إتقان عمله.

وهم على يقين بأنه عند حدوث خلل في المنظومة يوجد آلية واضحة عادلة ناجزة للمحاسبة، وستقوم المنظومة بالعمل على تعديل أنظمتها لعدم حدوث مثل هذا الخلل مرة أخرى.

ولم يأتِ إنعدام ثقة الشعب المصري في مؤسساته من فراغ، فمورثاتنا تجبرنا على قول (على الله بس يحافظوا عليها أو على الله بس يعرفوا يشغلوها ومتتسرقش) بعد أي إنجاز يحدث على الأرض سواء للحكومة أو للقطاع الخاص.

فإذا إقتحمت شركة قطاع خاص السوق وقامت بتقديم خدمة مميزة أو منتجاً مميزاً في الجودة والسعر فنجد من يقول "دول هما كويسيين علشان في الأول بس" وهذا نتاج ما فعلته شركات كثيرة في عهود سابقة.

إن الثقة جسر له بداية ونهاية. وبداية جسر الثقة عند الفاعل ونهايته عند المفعول به (الشعب).

فلو كان أحداً في الحكومة الحالية يستعين بخبراء نفسيين لإستشارتهم في كيفية بيع الحدث ومد جسور الثقة بين المؤسسات والشعب لاختلف الأمر.

في الإمارات تم تعيين وزيرة للسعادة، فهل في مصر نحتاج لوزيرة للثقة؟ أم نحتاج إلى أن تعمل الوزارات كلها على إتقان الأعمال أولاً حتى تُشيّد أعمدة الجسر وبالتبعية نحتاج إلى وزارة لضمان إتقان الأعمال لتأتي ثقة الشعب في مؤسساته فنصبح ممن يأخد سيلفي مع سحلية التنس.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز