عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عن أزمة الاتصال و التواصل

عن أزمة الاتصال و التواصل

بقلم : د. أحمد الديب

يعتنق الواحد منا الفكرة علي أنها مقدسة كالمعتقدات المقدسة ، فما أن نصطدم بصاحب فكرة مغايرة يعتنقها علي أنها مقدسة ، حتي تسمع الهرج والمرج والصخب في الشوارع ، و علي التلفاز وعلي صفحات التواصل الاجتماعي . يمكنك أن تطلع علي وصلات الإدانة والإهانة المتبادلة والسباب المتبادل بين طبقات تعليمية لا يمكن أن تتخيل أن يصل بينها الخلاف الي هذا الحد لمجرد أن كل طرف يريد أن يقنع الآخر بفكرته بدلاً من أن ينطلقا من أرضية مشتركة للوصول إلي هدف مشترك يحقق مصلحة الجميع .فيتحول الحوار الذي يفترض أن يكون هادفاً إلي جدل بغيض يعصف بقدرتنا لا علي النقاش فقط بينما يتعدي ذلك ليهدد العيش المشترك.



إن السلوك الإنساني هو نتاج مجموعة من العوامل منها مفاهيمنا الذاتية وتصوراتنا الذهنية لأنفسنا أولاً ثم لما يحيط بنا من أشياء نتفاعل معها وتتفاعل معنا . إن الجدل اليومي الذي يصل إلي حد الصراع بين الفرد والفرد والجماعة والجماعة ما هو إلا الإنعكاس الطبيعي لإختلاف التصورات الذهنية والقيم الذاتية والمباديء بين الأفراد والجماعات غير أننا لا نمتلك مهارات الإتصال الكفيلة بأن توصل الرسالة دون تشويش وبلا ضوضاء تؤثر حتماً ليس فقط علي مضمون الرسالة وإنما تؤثر علي أيضا علي الهدف منها.

إنها حقبة مواقع التواصل الإجتماعي ولا ريب حتي وصل عدد مستخدمى الفيس بوك وحده إلى ما يقرب من 1.59 مليار مستخدم حول العالم.أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي منبر من لا منبر له ، فلم يعد الحديث عن الشأن العام مثلاً حكراً علي فئة بعينها ، فالكل يدلي بدلوه في السياسه والاقتصاد والفن والدين وكل شيء. وهكذا توفرت لنا بيئة التواصل الإجتماعي بينما لم نتعلم وسائل ومهارات التواصل الفعال فلا أستطيع أن أنقل لك الفكرة كما اعتنقها كما أفقد القدرة علي فهم فكرتك التي تعتنقها ومن هنا ينشأ الصدام .

الإتصال بمفهومه البسيط هو عملية نقل الأفكار والمعاني من شخص إلي شخص وهي عملية تبادلية تفاعلية وليست من طرف واحد بل تستلزم الإرسال والإستقبال . والرسالة هي قلب عملية الإتصال فإن حسن مضمونها وطرائق نقلها حققت الغاية منها فكان رد الفعل من الطرف الآخر رسالة أخري ذات مضمون .

قد تحسن النوايا وتستقيم الفكرة وتقوم الحجة ، لكن الخلل كل الخلل في توصيل الفكرة أو في إستقبال فكرة مضادة ، ولكي يكون الإتصال فعالاً لابد أن تكون الرسالة واضحة وموجزة وبسيطة وبلغة مفهومة وعند مستوي الفهم والإدراك لمن يستقبلها . فأنت وأنا عندما نشرع في عملية تواصل فإن أحدنا سيكون المُرسِل مرة والمستقبل مرة ، فنحن في عملية تبادلية ما بين الإرسال والإستقبال ، أما أن يحتكر أحدنا فعل الإرسال دون أن يستقبل فهذه مشكلة كبيرة يعزي إليها الكثير من ظواهر التصادم والإختلافات الحادة التي تصل في ذروتها إلي العصبية والتشنج وإنهاء التواصل بما لا يليق وما لا تحمد عقباه.

في الأسرة الواحدة ، كثيراً ما تخيب المناقشات ما بين الزوج والزوجة أو ما بين أحد الابوين والأبناء لا لشيء إلا لأننا لا نعرف كيف نتواصل ناهيك عن معضلة إحتكار الحقيقة ، فانت وأنا وبالتأكيد لدينا تصور ذهني أننا نعرف أكثر مما يعرف أبنائنا بحكم الخبرة والتجربة ، فتبدأ النقاش مع أولادك وأنت تحمل هذه الحقيقة والتي لا تقبل بها أي رأي مخالف ، أما إن كان الحق معك فعلاً كأب أو أم فإنك وللأسف تفتقر إلي وسائل الإتصال مع هذا الجيل الجديد.

قد يقول قائل .." وما الضير في ذلك ، ألم يستأثر آبائنا بإتخاذ القرار ولم نكن نجرأ علي مناقشتهم! ". قد يكون هذا صحيحاً في أغلب الأحوال ولكننا لا بد أن نعترف بتغير الزمان والمكان ، بالتطور السريع والمرعب إذا صح التعبير فما كنا فيه لسنا كالذي نحن فيه .

عندما تنظر إلي أجيال كانت كل نوافذها علي الدنيا لا تتعدي أثير إذاعة صوتية أو قناتي تليفزيون باللونين الابيض والأسود تغلقان بثهما مبكرا ناهيك عن أجيال أسبق لم تشهد تلك الرفاهية النسبية ، ثم تعقد مقارنة سريعة مع جيل أبنائنا الذين فُتحت لهم كل نوافذ الدنيا وأبوابها علي مصراعيها .

بينما تَربي جيلنا علي صوت مذيعي مونت كارلو وصوت العرب وإذاعة بي بي سي وإذاعة القرآن الكريم وبرنامج نادي السينما ولقاء الجمعة للشيخ الشعراوي ودمتم ، يحيا أبنائنا حياة افتراضية كاملة إما من خلال شاشة التابلت أو اللاب توب أو الهاتف المحمول مع إتاحة مخيفة لكل شيء مما يستلزم الحوار الفعال والأخذ والرد واتساع الصدر والصبر إلي أبعد الحدود.

معضلة رئيسية تسهم إلي حد كبير في فشل التواصل وإلي الصدام الذي يصل في كثير من الأحيان إلي السخط والكراهية والشقاق ،يتكلم الجميع ولا أحد يستمع حتي صار الكلام شهوة ، يعرف الجميع كل شيء ولا حاجة لهم بأي إضافة . هكذا دأب القوم علي الاسترسال فلا يتوقفون . يحتاج الجميع واولهم كاتب هذه السطور أن يشحذوا حاسة سمعهم ، نحتاج إلي القليل من الكلام وإلي الكثير من الإستماع !.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز