عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
انعكاس الواقع المصري في الصحافة الأدبية خلال الفترة (1961 - 1970)

انعكاس الواقع المصري في الصحافة الأدبية خلال الفترة (1961 - 1970)

بقلم : د. الأمير صحصاح

أولاً: الواقع السياسي :



كان انفصال مصر عن سوريا، وفشل أول تجربة للوحدة أول هزيمة سياسية تلحق بجمال عبد الناصر، بعد سنوات صعوده الخارقة.

وقع الانفصال في 28 سبتمبر سنة 1961 بعد شهرين تقريباً من إعلان قوانين يوليو الاشتراكية، ولم يكن الانفصال هزيمة لحلم الوحدة العربية فقط ولكنه كان ضربة شديدة للموقف العربي تجاه إسرائيل .

وقبل أن تكتمل العام على انفصال سوريا عن مصر، أذاع راديو صنعاء يوم 26 سبتمبر سنة 1962 بياناً أول تعلن فيه القيادة العسكرية اليمنية سقوط الملكية في اليمن وقيام الجمهورية العربية اليمنية، وكان نجاح الثورة في اليمن، ومبادرة مصر لمساعدتها، نقطة تحول في المنطقة، بعد أن انشقت الحركة الثورية العربية بعد الخلاف مع العراق وانفصال سوريا .

ويرى الدكتور رفعت سيد أحمد أن الانفصال السوري – المصري قد أدى إلى فقدان القيادة المصرية لتوازنها بما قادها لمناصرة ثورة اليمن 1962، وبالتالي مواجهة السعودية، كما أن تأكيد مصر على الثورة الاجتماعية في أطروحتها القومية ووضع شرط الاشتراكية كشرط أساسي أولي لتحقيق الوحدة قد أدى إلى انقسام الأمة العربية إلى معسكر رجعي ومعسكر ثوري تقدمي، وحتى بعد وصول قيادة قومية للحكم في سوريا، فإن مصر لم تقبل التلاقي معها إلا بعد تدخل الاتحاد السوفيتي عام 1966 حيث زاد الضغط السوفيتي على القيادة المصرية لكي تلتزم بالدفاع عن النظام السوري، واضطرت مصر لعقد اتفاقية دفاع مشترك مع سوريا.

هزيمة يونيه 1967:

وحين شنت إسرائيل عدوانها على مصر في يونيه 1967، لتحطيم المثل الاشتراكي الذي أقامه عبد الناصر للشعوب العربية وشعوب العالم الثالث، وإسقاط عبد الناصر عن عرش الزعامة، أدرك جمال عبد الناصر المغذي الحقيقي لهذا العدوان، ووقف في 23 يوليو سنة 1967 يقول "القصد الحقيقي هو القضاء على الثورة الاشتراكية الموجودة في مصر، ولكي نستطيع مواجهة العدوان، من الضروري تدعيم الثورة الاجتماعية في مصر" .

وكانت هزيمة يونيه 1967 من الناحية العلمية نهاية لتجربة الاشتراكية في الستينات، فقد بدأ التراجع عن الخط الاشتراكي بعد ذلك، وكانت خطب القيادة السياسة في السنوات الثلاث الأخيرة قصيرة وفارغة من أية قرارات جديدة، أو أية تحولات اشتراكية جديدة، باستثناء قانون الإصلاح الزراعي الثالث، وإلغاء بعض البدلات والمميزات لكبار الموظفين وضباط الجيش.

ثانياً: الواقع الاقتصادي :

مع بداية هذه المرحلة صدرت قوانين يوليو الاشتراكية عام 1961، والتي أعادت صياغة الخريطة الاجتماعية والاقتصادية على أسس جديدة مرتبطة بخفض الملكية الزراعية إلى مائة فدان وحق التعليم المجاني في جميع مراحله .

وعقب إصدار قوانين التأميم في يوليو 1961، حدثت تحولات اجتماعية عميقة ساعدت على تطوير أهم مجالات الاقتصاد الوطني، وقد كانت هذه الإجراءات كسباً للعمال والفلاحين، فقد ساعدت على تحديد الحد الأدنى للأجور وتحسين الزراعة والصناعة والنقل والكهرباء والتعليم وتطويرها، وقد ساهمت قرارات التأميم الكبرى سنة 1961 في خلق قطاع عام قوي لعب دوراً في تصفية السيطرة الاستعمارية على الاقتصاد المصري .

وقد شهدت تلك الفترة حركة هجرة واسعة من الحكومة "قطاع الخدمات الحكومي" إلى شركات ومؤسسات القطاع العام، سعياً وراء الامتيازات الاقتصادية "المرتبات المرتفعة وبدلات التمثيل والمزايا العينية" وجرياً وراء فرص الترقي، ونشطت عناصر داخل القطاع العام لتكوين الثروات غير المشروعة مستغلة مواقعها، كما أن الفئة التي خرجت من الجيش وتحولت إلى فئة من الإداريين حتى بعد هزيمة 1967 لم تفقد مطلقاً مواقعها في البلاد .

ففي عام 1962 بلغ عدد العسكريين 72 ضابطاً من بين مائة هم إجمالي المناصب الرئيسية في وزارة الخارجية، وكان جميع سفراء مصر في أوربا في سنة 1962 من الضباط عدا ثلاثة فقط من المدنيين، وجددت وزارات تبادل العسكريين مع المدنيين منها التخطيط والتعليم والبحث العلمي والشباب والسد العالي والشئون الاجتماعية، ولعب العسكريون التكنوقراط دوراً مهماً خلال هذه المرحلة، وحلوا محل كثير من المدنيين والعسكريين الآخرين وهؤلاء الضباط هم الذين حصلوا على درجات علمية في الهندسة والطبيعة والصحافة والقانون والعلوم السياسية .

ونظراً لأن الدولة كانت مقبلة في الستينات على مشروعات عديدة وضخمة في شتى المجالات الصناعية والزراعية والاجتماعية، فقد اتجه التفكير إلى تجميع أجهزة الإنتاج وتوجيهها لتحقيق خطة الدولة، وذلك بتكوين حاجز قوي من شركات المقاولات تحت سيطرة الدولة مع التنسيق بين هذه الشركات ومعاونتها وتوجيهها لتحمل مسئولية تنفيذ المشروعات .

والحقيقة أن الطبقة الجديدة التي ازدهرت مصالحها في ظل الاشتراكات تكونت من عدد من الشرائح الاجتماعية، فهناك من ناحية العناصر البيروقراطية التي قامت بإدارة الاقتصاد المصري وتمتعت بامتيازات عديدة، وهناك القطاع الخاص وبالذات في مجالي تجارة الجملة والبناء، وأخيراً كان هناك مجموعة المتفرغين السياسيين في الاتحاد الاشتراكي والذين قام بعضهم بالاستفادة من مناصبهم السياسية لتحسين أوضاعهم الاقتصادية .

ثالثاً: الواقع الاجتماعي :

قد لا يختلف اثنان على أن ضرب الأساس الاقتصادي للسلطة السياسية لكبار الملاك وعناصر الأرستقراطية الزراعية والتحرير الاجتماعي لأقسام واسعة من سكان الريف المصري، قد شكلا أبعد إنجازات الإصلاح الزراعي أثراً في تاريخ مصر الحديث .

فلم يقتصر الإصلاح الزراعي على وضع حد أقصى للملكية الزراعية، وإنما تضمن عدداً من السياسات سعت إلى تغيير هيكل الملكية الزراعية وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وتحسين أحوال العمال الزراعيين وإيجاد المجتمعات التعاونية وتنظيم الدورة الزراعية .

ورغم سلبيات الإصلاح الزراعي فقد كانت له آثار سياسية هامة، فقد استطاع أن يوجد وعياً جديداً في القرية وأن يحرك الفلاحين حول النظام الثوري الجديد، كما أدى الإصلاح الزراعي – إلى جانب عوامل أخرى – إلى إحداث سلسلة من التغيرات المرتبطة بالحراك الاجتماعي وتغيير بعض جوانب الثقافة السياسية في الريف .

ويرى الدكتور سعد الدين إبراهيم أنه فيما يتعلق بالبناء الاجتماعي في مصر والحراك الاجتماعي فإن القوانين الاشتراكية لعبت دوراً كبيراً في إعادة توزيع الدخل لصالح الشرائح الوسطى والدنيا، إذ ترتب على توسيع القطاع العام، سواء نتيجة للتأميم أو إنشاء صناعات جديدة، زيادة كبيرة في الطلب على المهارات والمواهب الجديدة، وللوفاء بهذا الطلب حدث توسع كبير في قاعدة التعليم العام على كل المستويات، كما ترتب على سياسة تشغيل الخريجين انخراط مئات الآلاف في الوظائف العامة والخدمة المدنية، وقد ترتب على تمثيل العمال والفلاحين في المجالس المنتخبة، تعاظم القوة السياسية لهاتين المجموعتين بدرجة لم تحدث من قبل.

وإن كان في نهاية هذه المرحلة وبالتحديد في الفترة من(١٩٦٥ -١٩٧٠) عانت مصر من العديد من النكسات السياسية والعسكرية، فقد ترتب على هزيمة 1967 العسكرية وحرب اليمن وقطع المعونة الأمريكية، وعدد من الجوانب الأخرى منها تباطؤ مسيرة التطور الاجتماعي والاقتصادي في مصر، حيث خصصت نسبة كبيرة من موارد البلاد للإنفاق العسكري، هذا بالإضافة إلى أن فقدان عوائد قناة السويس وحقول البترول في سيناء والتدمير الذي تعرضت له مدن القناة، وهجرة ما يقرب من المليون من هذه المدن، كل هذا فرض قيوداً أخرى على الاقتصاد المصري، وقد ترتب على ما سبق أن انخفضت الاستثمارات في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدرجة كبيرة .

 الصحافة الادبية وقضايا المجتمع في الفترة (1961-١٩٧٠) :

ليس من شك في أن التغير المستمر وعدم استقرار المفاهيم وتناقضات الفكر، ثم سلبيات التطبيق الاشتراكي، وإعلاء شأن الفئات الجديدة أفضى هذا جميعه إلى أن يلجأ بعض كتاب القصة القصيرة في الستينات إلى أشكال وشخصيات وملامح، وموضوعات، بدت هي الأخرى غير مقبولة وغير مفهومة، وساعد على ذيوع هذا الاتجاه الفني في القصة القصيرة، أن أحد مبادئ الثورة، وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة أحيط باللغط الكثير، وأشارت خطوات السير نحو تطبيقه إلى تعثر ملحوظ، واضطراب ظاهر، أفضيا إلى الاعتقاد بأنه لم يؤخذ مأخذ الجد بالنسبة للكتاب والمفكرين، مما ألجأ بعضهم إلى الرمز، والإغراب، وتصوير الواقع الموجود بما لا يتلاءم مع الواقع المأمول .

ويرى الدكتور سيد حامد النساج أن بعض القصص القصيرة خلال هذه المرحلة لم تحتفل بقضايا الفلاحين والعمال، على النحو الذي شاع في القصة القصيرة بعد يوليو 1952، وحتى يوليو 1961 فقد حلت مسائل الفرد الباحث عن ذاته، وحريته وخلاصة، محل تلك الموضوعات حتى بالنسبة لبعض الكتاب الذين اتخذوا من الفلاح أو العامل أو من الأرض، والعلاقات الجديدة موضوعاً تدور حوله قصصهم .

وكانت النبرة العالية في القصة القصيرة، هل المقابل الفني لمنطق السياسة قبل النكسة عام 1967، فقد بعدت عن التقدير الصحيح لظروف المعركة لتقع في علو الصوت واستعراض العضلات، وما أن تكشفت معركة 1967 عن النتيجة الحقيقية والحتمية، حتى أصيب الساسة بالحيرة والتخبط، وانصرفوا عن ميدان المعركة إلى التقاعد أو إلى الحياة الأخرى .

وكذلك كانت القصة بعد النكسة، كثير من الأدباء سكت وقنع بالانتحار الأدبي، وجاءت كتابات من استمروا في الكتابة، مسربله بجو من الغموض والحيرة، وقد أسرف جيل النكسة في التعبير عن الغربة والعبث، ولكن بعضهم تجاوز هذه الخطوة وتطلع إلى شيء جديد، فالكاتب "عبد الحكيم قاسم" في قصته شجرة الحب، ينجح في تصوير الحرمان والتكتم في نفوس الفلاحين، ولكنه تكتم مليء بالحركة والغليان، إنها حركة تحت السطح وتوشك أن تطل.

والجدير بالذكر أن مرحلة الستينات التي شهدت محاولات التجريب في القصة القصيرة، والتي قدمها جيل الشباب ، آنذاك شهدت أيضاً التجارب الرمزية التي كتبها يوسف إدريس، وربما حاول الكاتب الكبير آنذاك أن يثبت أنه أكثر تجريباً ومعاصرة من هؤلاء الشباب وقد يكون لهزيمة 1967 وما تلاها من إحساس بالخيبة والارتداد إلى الداخل والانطواء على الذات، نصيب من التأثير على أسلوب صياغة الأدب في التجائه إلى الرمزية والغموض، إحساساً منه بغموض الموقف من ناحية، ومحاولة البحث عن قناعات داخلية من ناحية أخرى .

ويرى الدكتور السعيد الورقي أن استخدام الرمز يدخل مرحلة جديدة في أعمال يوسف إدريس. وذلك في المرحلة التي أغرم فيها بتقديم قصص السقوط الجنسي، وهي الفترة التي كتب فيها قصص: "لأن القيامة لا تقوم" و"النداهة" والعملية الكبرى" ومسحوق الهمس" و"دستور يا سيدة" وغيرها. ففي هذه القصص استغلالاً موفقاً من الكاتب للرمز في السقوط الجنسي لتعرية الواقع الاجتماعي والسياسي وللتعبير عن الإحباط في الممارسة الاجتماعية والسياسية في أواخر الستينات.

المصادر

أحمد حمروش، ثورة ٢٣ يوليو ، الجزء الثاني .

علي الدين هلال الدسوقي، الإطار السياسي لقضية توزيع الدخل في مصر.

أحمد فؤاد رسلان، الأمن القومي المصري .

أحمد أنور، الانفتاح وتغيير القيم في مصر،

مجدي حماد، المؤسسة العسكرية والنظام السياسي المصري، مقال منشور في كتاب الجيش والديمقراطية في مصر،

رفعت سيد أحمد، ثورة الجنرال جمال عبد الناصر .

محمود عبد الفضيل، التحولات الاقتصادية والاجتماعية في الريف المصري .

سعد الدين إبراهيم: الحراك الاجتماعي وتوزيع الدخل، بحث منشور في مجلد الاقتصاد السياسي لتوزيع الدخل في مصر، 

سيد حامد النساج، أصوات في القصة المصرية

عبد الحميد إبراهيم: مقالات في النقد الأدبي، الجزء الأول،

عبد الحميد إبراهيم: مقالات في النقد الأدبي، الجزء الثاني، 

السعيد الورقي: مفهوم الواقعية في القصة القصيرة عند يوسف إدريس .

طه محمود طه: دراسات لإعلام القصة في الأدب الإنجليزي .

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز