عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
قراءة فى قصص نجيب محفوظ المجهولة (4)

قراءة فى قصص نجيب محفوظ المجهولة (4)

بقلم : د. عزة بدر

مشاهد من أزمات عصرية ثمن الضعف.. والأمانى الضائعة وحُسْن الختام!



 

تقدم لنا قصص نجيب محفوظ الأولى فى تجلياتها المختلفة قبسا من نور الكشف عن حقيقة الإنسان وسرائره الخفية، فانتزعت قصصه قطعة من لحم الصدق، وقبضة من إثر الخيال كانت تعطى لكل قصة نقلتها الساحرة من قساوة الواقع إلى فضاءات التخييل، ودفعات عاطفية مشحونة كانت تعطى لأبطاله قوة النهوض من عثرات، ووهاد عميقة فاستطاعوا أن يحيوا بنفوسهم وثبة الحياة ليتمتعوا  بها من جديد.

 

• مشاهد من حيوات تتجدد

 أما كان وليام فوكنر (1897-1962) يقول : (إن مشاكل القلب البشرى فى صراعه مع نفسه هى وحدها التى تستطيع أن تلهمنا الاتقان فى الكتابة والتأليف لأنها وحدها التى تستحق أن يُكتب عنها،  وتستحق ما يُبذل فى سبيلها من عرق وعناء).

 إن مشاكل القلب البشرى كانت هى جوهر قصص نجيب محفوظ، القلب البشرى فى صراعه وتمزقه بين عواطف ثرة، وواقع حضارى يتبدل، ويتغير باستمرار، ويؤثر بدوره فى الظروف الاجتماعية فيجعلها أكثر تعقدا وصعوبة.

 وكان كاتبنا فى منهجه فى التفكير يرى العلاقات الاجتماعية مترابطة بخيط واحد لا تنفصل إحداها عن الأخرى، ولا يمكن رؤيتها الواحدة بمعزل عن الكل لأن العلاقة فى مفهومه تتحدد بالضرورة مع بقية العلاقات الإنسانية. 

غالى شكرى: 1991 أزمة الجنس فى القصة العربية، دار الشروق، ط1، ص97.

وفى العديد من قصص محفوظ المجهولة نستطيع أن نتطلع إلى هذه البوتقة التى صهر فيها كاتبنا مشاهد من حياة القلب البشرى فى صراعه مع ذاته ومع تعقد العلاقات الاجتماعية ومتغيرات الأحداث.

 

• القلب المتوثب وقيود التقاليد

فنراه مثلاً فى قصة: (الأمانى الضائعة)، وقصة (البحث عن زوج)، وقصة (تبحث عن زوج) وقصة (ثمن الضعف) يضع علاقة الحب كعلاقة اجتماعية فى تطورها وتفاعلها فى حياة الفرد والمجتمع،وقد نظر لها فى إطار تغييرات الحياة الاجتماعية.

ففى قصة (الأمانى الضائعة) تبدو فتاة جميلة فى حيرة من أمرها فقد حجبها أبوها بعد حصولها على الشهادة الابتدائية- وهى بمقاييس تطور العصر لم تنل بهذا قسطا وافيا من التعليم، وهى متمزقة بين حرارة قلبها المتوثب وبين التقاليد الاجتماعية التى تفرض عليها العزلة، والتصون، وعدم الاختلاط فجاوزت الفتاة قيودها، وتلفتت حولها فلم تجد إلا ابن خالها- فى الرابعة عشرة من عمره - وقد حل ببيتها لقضاء عطلة دراسية فتلقفته بنهم تفض ختام خوفه، وتقص عليه ما تعرف من قصص الحب حتى تناولت أول قبلة فطمت بها حياة القلق والحيرة وتنشقت نسائم حب لا يعرف من الدنيا غير ذاته، وعندما تفتحت للحياة الاجتماعية وفكرت بالزواج، تعرفت على شاب من الوارثين أوهمها بالحب ثم أفاقت على اختفائه، وتطلع إليها آخر متوهما ثراء أبيها فلما اكتشف الحقيقة حاصرها بقصتها مع الشاب الأول، وكيف شوهدت فى سيارته مرارا وتنتهى القصة بعزلة الفتاة ووحشتها وألمها الممض، وعلى نفس النحو تسير قصة (تبحث عن زوج) ونشرت فى (مجلتى) بتاريخ يوليو 1937 ص45وفيها تحاول الشابة الحسناء الصعيدية ترك قريتها والحلول ضيفة على بيت أختها فى القاهرة، وفى مناسبة اجتماعية جمعتها ببعض الشباب الناضج وأعطاها كل منهم إيحاء بالحب والرغبة فى الارتباط ثم لم تجد فى يدها بعد ذلك إلا وهما، فقد تعلل كل واحد منهم بحجة فمنهم من يريد فتاة ثرية، ومنهم من قال : (إن ذوقه لا يسمح باختيار زوجة عصرية تخالط الشباب مخالطة حرة مهما كان الباعث  على ذلك شريفا محمودا.

(محمود على) 2016(قصص نجيب محفوظ التى لم تنشر) الهيئة المصرية العامة للكتاب ص109.

لقد وقعت بطلاته كما أوقع أبطاله فى صراع حقيقى بين الرغبة فى الحب والارتباط، وبين المواضعات الاجتماعية والمتطلبات الاقتصادية فتسمعنا هذه القصص أنات فتيات كاد جمالهن أن يذوى، وحرارة قلوبهن أن تبترد فيطالعنا من بين صفحات هذه القصص معذبات، تشقين بمغارس الأزهار فى أجسادهن العطرة، بأنات الثمار على شجرات قدودهن، بخفقات قلوبهن وهى تنفرط كعقود من لآلئ مهملة لا يلتقط حباتها إنسان..

• ثمن الضعف

 وتأتى صورة  أبطاله فى هذه القصص أيضا وقد عانوا على نفس القدر من الألم والوحشة فها هو بطله فى قصة (ثمن الضعف) لا يدافع عن حبه وخطبته لفتاة تعلق بها قلبه، وتركها لآخر استولى على قلبها وتزوجها لكنها طلقت فعاد إليها ولكنه ظل معذبا بشكوكه وظنونه، وافتقاده للثقة فى نفسه، واقعا تحت تأثير مخاوفه وضعفه:

 (هو يحبها حبا جما لكنه مع ذلك يجفل من فكرة الزواج منها !، ما الذى يخيفه منها ؟!..

.. نعم، ألم تكن زوجا لصديقه الفتوة الذى يعده بطلا ويثق فيه ثقة عمياء ؟ ألم تنعم بالسعادة فى أحضانه ؟، كل ذلك واقع، وقد خُيل إليه أنه من المحال على الفتاة أن تتزوج من مثل صديقه ثم تنساه فهى لابد أنها تحبه كما كانت وهى زوج له فهل يستطيع أن يُنسيها إياه ؟، كلا وألف كلا، إذن فلابد أن تسخر منى وتكرهنى ؟

 وعليه بلوغ أهبته لكى يضع لتوسلاتها حدا، وأعد عدته تأهبا للرحيل، ص 37

 (ونشرت هذه القصة فى مجلة المجلة الجديدة بتاريخ 3 أغسطس 1934 ص30)

.. وهنا يمكن أن نضع أيدينا على قسوة المواضعات الاجتماعية وأثرها على نفس الفرد

فالرجل فى قصة (تبحث عن زوج) يرفض قيم عصره التى تسمح للمرأة بمخالطة الشباب مخالطة حرة مهما كان الباعث على ذلك شريفا محمودا، والرجل فى قصة (ثمن الضعف) تطارده خيالات الرجل السابق فى حياة محبوبته، وتأتى قصة : (البحث عن زوج) لتعرض المعادل الموضوعى لوجهة نظر الفتاة أو المرأة المعذبة بالتقاليد الاجتماعية، وبطرق تفكير الرجل الذكورية التى لا تستجيب لمعطيات الحياة الاجتماعية الجديدة التى جعلت من المرأة شريكا فى الحياة العامة، وفى أماكن العمل، واستدعى هذا تطورا فى طريقة تفكير الرجل بها ومعاملاته معها ولكن ذلك لم يحدث، ومن هنا يرصد نجيب محفوظ معاناة الرجل الذى آمن بفكرة الحب، والتعارف، وخضع لمعطيات الحياة الاجتماعية الجديدة فزار أسرة حرصت الأم فيها على تعرف راغبى الزواج من بناتها الأربع فى اختلاط تحت  بصر الأسرة وبعلمها حرصا على تزويجهن فى مجتمع لا يحفل الشاب فيه بمعيار الماضى المقدس ويهمه أن يتعرف إلى المرأة التى ستشاركه حياته، أن يستمع إلى حديثها ويتعرف على طباعها وسجاياها، لكنه يكتشف بعد ذلك أن الفتاة التى انجذب لها وأحبها تواعد غيره وتختلس مع شاب آخر لحظات الحب اختلاسا وتخبره إحدى أخواتها بذلك عن طريق خطاب، كتبته غيرة أم حقدا ؟!، لا يدرى، لكن الفتاة التى أحبها تتهور فى جرأتها لدرجة أنها تكتب إليه بأنها لا يهمها ما عرف عنها لأنه كزوج ليس ممن يؤسف عليه كثيرا.. وأن عليه أن يبحث عن أخرى بعيدا عن أخواتها إذا كان يحرص على أن يكون سلوك زوجته ليس مثل سلوكها !

• عذابات العصر !

 وهنا يفصح كاتبنا عن عذابات جديدة تستعر فى حياة رجل يقبل تطور العصر، ومعطيات الحياة الاجتماعية الحديثة، وعبّر بطله عن صدمته :

(زهد فى دهشة تجئ من أمثال هذه المفاجآ ت وأشفق على نفسه من نظرة احتقار تصوبها إليه فتاة لا تستحق احترامه ثم طوى الخطاب وهو يتمتم حسبى ذلك).

إذا فكل من الرجل والمرأة يبحثان عن الحب الصادق، لكنهما يرزحان تحت وطأة الصراع بين سطوة التقاليد، ومواضعات اجتماعية جديدة فرضها تطور العصر أحيانا هى مقبولة  عندما تتوافق مع قيم حقيقية، أما عندما تخرج هذه المواصعات عن سياق القيم فهى تأتى ومعها معانى الخداع والكذب والفتنة وكل ما تجلبه من آثار نفسية وخيمة على مشاعر الناس رجالا ونساء.

 فهل صحيح أن أبطال قصص محفوظ مهزومون ومدمرون من البداية ؟، يحملون بذور تدميرهم داخل نفوسهم بل إنهم يسعون سعيا إلى مأساتهم، ويرفضون أن تمتد إليهم يد بالخلاص ؟!

(عبدالمحسن طه بدر : 2014،  الرؤية والأداة - نجيب محفوظ، الهيئة المصرية العامة للكتاب،  ص60، وهل صحيح أن خلاصة هذه القصة مؤداها أن الانفتاح على العصر له مخاطره ومهالكه فى ظل  تراث قديم له سلطة الحسم عند اتخاذ القرار ؟!

 (محمود على : قصص نجيب محفوظ التى لم تنشر، ص18)

..فى اعتقادى أن أبطال كاتبنا ممسوسون برغبة حقيقية فى الحب، والتحقق على المستوى الشعورى والاجتماعى فها هى بطلة  قصة (البحث عن زوج) تصارح نفسها : (ترى كيف يمكن أن تميز بين الطيب والخبيث منهم ؟ ، بين الصادق والكاذب، جميعهم يرسل بنظرات الإعجاب ويمزج الحديث بالإطراء، ويضغط على اليد لدى الوداع، وجميعهم راغب فى الزواج وتساءلت أيضا : ترى لو أرادت أن تختار من بينهم من هو أحبهم إلى قلبها فمن تختار ؟

من العسير أن يترك مثل هذا اللقاء أثرا قويا يبلغ درجة الحب، لكنها عند طرح هذا السؤال على نفسها استحضرت ذاكرتها وجه الطالب شقيق الضابط فهل يكون فى هذا الجواب الذى تريد ؟

 هذا أمر يدعو إلى الضحك لأن هذا الشاب هو آخر من يجب أن تفكر فيه، نعم هو صبيح الوجه، فاتن الملامح، جذاب الحديث، تنبثق من جبينه روح إيناس وروعة لطف، ولكن ما لها هى وللجمال وحلو الحديث وروح الإيناس ؟.. إنها ترجو أن يقع شخصها موقعا حسنا من نفس واحد من هؤلاء الموظفين الراغبين فى الزواج إن صح ما يقولون فيختارها زوجة له، وينتشلها من هذه الحياة المملة، وحياة الانتظار والقلق، والأهواء المتضاربة).

 فالحب المسئول الذى يشق طريقا جديدا للحياة لا اللهو والعبث هو ما يريده أبطال قصصه، الحب عندما يزين الروابط الاجتماعية، ويضيف حياة مفعمة بالدفء لأصحابه، وهو ما عبر عنه محفوظ فى أصداء سيرته الذاتية  حين يقول:

• شق الطريق

كنت أنتظر لصق جدار بالطريق الضيق المكتظ بالناس والدكاكين، فى ذلك التاريخ كنت معذبا فى مقام الحيرة تتجاذبنى رياح متضاربة،  وجذبتنى  قوة خفية إلى ناحية ما، فرأيت عجوزا وقورا يشع طيبة وصفاءً.

أقبل نحوى حتى صار على بعد شبرمنى، وهمس : - إنها لا تساوى شيئا.. أيقنت أنه قرأ هواجسى، وأنه يدعونى إلى قطع الروابط.

 ارتجفت جوارحى، وخفق قلبى بشدة وتبدى لى الإغراء فى صورة حسناء لم أشهد لجمالها مثيلا من قبل..  لكنى ترددت.

وفى تلك الآونة رجعت زوجتى حاملة قراطيس العطارة جارة أبنائى الثلاثة وأفقت من غشيتى، وحملت الأصغر بين يدى، وتقدمت أسرتى أشق لها طريقا وسط الزحام).

نجيب محفوظ 2004 : (أصداء السيرة الذاتية، مكتبة  الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص42، ص43.

• الخيال والواقع  المبذول

 وتأتى قصة (قناع الحب) التى نشرت فى مجلة (مجلتى) بتاريخ 15 أغسطس 1937،  وهى قصة يضيق فيها البطل بالحب المبذول مشوقا إلى حب حالم طاهر مع فتاة لا تجارب لها، فالفاتنة  التى قدمت له الحب المبذول (جسور غير هيابة، قليلة الحياء، ذات خبرة بالشباب وأطواره، كانت فتاة مخيبة لآماله قاصفة لأحلامه، لكنه كان يطلب ملهاة ومسرة فرضى بحرارة أنوثتها وغض عما عدا ذلك، وقال يعزى نفسه فيها : لئن نبذتها روحى فلم تخيب رجاء قلبى فى التسلية، وما هو بالهين أو التافه أن ألهو ساعتين كل أسبوع مع غادة تفيض حياة وأنوثة).

 هكذا كان يفكر بطل القصة الذى عاهد فتاته تلك وعاهدته على الإخلاص والوفاء، لكنه اشتاق لجارته التى لا تعرف سوى نافذتها شرفة تطل منها على العالم، اشتاق  لفتاة منكمشة على طراز آنسات القرن الماضى فتوهج خياله بمحبتها، وعندما، لاقاها وجدها الفتاة نفسها التى قدمت له الحب المبذول، الفتاة الجسور  غير الهيابة التى اشتاقت هى الأخرى إلى حب صادق حقيقى، إلى حبيب آخر وأذكت خياله وخيالها مشاعر متوهجة جديدة ويكشف الحوار بينهما عن بحث محموم عن طاقة الحب الوهاجة التى يبحث عنها الجميع.. خلاصة التاريخ الشخصى، وفرحة الحى بالحياة، تلك المشاعر التى يصفها نجيب محفوظ فى أصداء السيرة الذاتية، فأدار شمسها فى فلك حياة أبطاله، ودفعها بيديه دفعا لتتوهج بها شخصياته فيقول:

• ملخص التاريخ:

«أحببت أول ما أحببت وأنا طفل، ولهوت بزمنى حتى لاح الموت فى الأفق، وفى مطلع الشباب عرفت الحب الخالد الذى يخلفه الحبيب الفانى، وغرقت فى خضم الحياة، ورحل الحبيب، واحترقت الذكريات تحت شمس الظهيرة، وأرشدنى مرشد فى أعماقى إلى الطريق الذهبى المفروش بالمعاناة، والمفضى إلى الأهداف المراوغة فطورا يلوح السيد الكامل، وطورا يتراءى الحبيب الراحل.

وتبين لى أن بينى وبين الموت عتابا، ولكننى مقضيّ عليَّ بالأمل».

ص91

• الحب عن بُعد!!

وها هما الحبيبان يتواجهان ليكشف كل منهما عن خيالاته، وتصوراته فى قصة «قناع الحب»، وما السر فى أن كليهما لم يف للآخر، ولم يخلص له الحب!

- أليس عجيبا أن نتحاب مرتين، مرة على هدى ومرة على عمى؟!

• التى كانت على العمى هى الأعجب!

فنهد عن قلب مكلوم وسألها:

- كيف حدث هذا، صارحينى يا درية؟

هل أحببت حقا على البعد؟!

فتنبهت فيها غريزة الحيرة وترددت، فأدرك ما يجيش فى صدرها، وكان بائسا إلى حد الاستهتار، فقال بلهجة من يؤبن ميتا عزيزا:

- صارحينى.. فأنا من جانبى أحببت على البعد حبا صادقا

• وكيف كان ذلك؟

- خلقت صورة وأحببتها

• فكيف تصورتنى؟

- ظننتك قبل كل شىء فتاة ساذجة لا تعدو تجاربها حدود غرفتها

فضحكت ملء فيها وقالت:

أما أنا فخلتك شابا عصريا يجيد الرقص والغناء، وحلو الحديث

- إذن أحببت.. وحلمت

• نعم.. نعم.. نعم.. نعم

- ووقع فى خيالى أنك بيضاء البشرة، عاجية اللون، نعم إن السمرة...

• لا تعتذر ولا تحرج نفسك فقد وقع فى خيالى أيضا أنك من المترفين الذين يستبدلون بالقديم من السيارات الحديث الجميل كما يستبدلون الثياب والأحذية!

وفرغا من المقارنة الأسيفة المحزنة لتنتهى القصة بوقوف كل منهما لحظة مترددا ثم استأذن صاحبه وانصرف دون أن يواعده على لقاء جديد، بل افترقا من غير كلمة وداع «ونشرت هذه القصة فى «مجلتى» بتاريخ 15 أغسطس 1937 ص123.

• طاقات حنان وحنين

ويدل هذا الحوار الكاشف، الكثيف المعنى المختزل فى كلمات على نفسين اشتاقتا للحب بأخيلته، وجماله، ودفقه، وسحره الذى أحال حياتهما إلى رحلة شوق، وخلع البعد على قصتهما طاقات حنان وحنين، تطلعا إلى المثالى من العواطف، وصدما عندما تبينا الحقيقة وأن كلا منهما كان يبحث عن آخر، وكان لقاؤهما الأول بالحب المبذول محض تسلية وإزجاء لوقت فراغ فراعهما ما تذكرا وما نسيا من أمر الحب وعهوده، وكأن نجيب محفوظ وهو يسبر غور أبطاله، وتركهما أمامنا يتراشقان بالكلمات والأسئلة والإجابات فى لوعة وفى براعة يكشفان محنة الإنسان الذى يتردى قلبه كنطيحة بين ضلعيه بين مهاوى اليأس والرجاء، والحلم والواقع، فيقدم لنا قطعة من العذاب الإنسانى، ويمس بقلمه الرهيف قلوبا انقلبت على ساكنيها، وطوت ما طوت من أشواقها، وبدلت جلدها، ونثرت دقاتها فى البحث عن حب ممطول، مُعَنَّى بلا برء.

وهو ما يصوره بعد ذلك كاتبنا فى أصداء سيرته الذاتية فى رهافة وكأنه كان يبلور أمامنا أفكار قصصه ورواياته فى مقطوعات سردية تصف جوهر معتقده فى الحب وفى العواطف الإنسانية فيقول:

• رسالة

وردة جافة مبعثرة الأوراق عثرت عليها وراء صف من الكتب، وأنا أعيد ترتيب مكتبتى، ابتسمت، انحسرت غيابات الماضى السحيق عن نور عابر وأفلت من قبضة الزمن حنين عاش دقائق خمس.

وند عن الأوراق الجافة عبير كالهمس وتذكرت قول الحكيم: «قوة الذاكرة تتجلى فى التذكر كما تتجلى فى النسيان» ص 18

إنها بعض مشاكل القلب البشرى فى صراعه مع نفسه تتبدى فى قصص نجيب محفوظ المجهولة الأولى والتى تعطى قارئها بسخاء قبسات من إبداعه، ورؤاه، ومنهجه فى التفكير، وشعوره الصادق بدفق الحب، وتوثب الحياة وهو القائل فى أصداء سيرته الذاتية تحت عنوان:

• دعاء

أصابتنى وعكة فزارنى الشيخ عبدربه التائه، ورقانى، ودعا لى قائلا: «اللهم منَّ عليه بُحسن الختام، وهو العشق».

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز