عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
قصة حب سودانية!

قصة حب سودانية!

بقلم : د. طه جزاع

عندما التقيت الاعلامية العراقية المبدعة فائزة العزي مع زوجها الصديق الكريم محمد السبعاوي في الشارقة نهايات العام المنصرم أهدتني روايتها الموسومة ( إبحار عكس النيل ) وهي الثانية بعد روايتها الأولى ( إذ سعرت ) وقد بقيت الرواية في حوزتي تنتظر دورها في القراءة مقدماً عليها روايات أخرى ، وحالما بدأت بقراءة الرواية التي كنت أحسب انها قد تكون أقرب الى التقرير الصحفي عن رحلتها الاعلامية الى السودان حتى قادتني الى عوالم ممتعة ، وأجواء ساحرة ، صاغتها بلغة أدبية جميلة ، وتقنية روائية سلسة ، وصور رومانسية راقية عن قصة حب هي في حقيقتها قصة بلد انفصل الى بلدين ، لكن الناس البسطاء من شعبيهما مازالوا يعيشون بنبض واحد على ذكريات العيش المشترك يوم كان السودان واحداً من الشمال الى الجنوب .



فائزة العزي التي عرفناها مراسلة مثابرة وذكية وشجاعة لعدد من المحطات والفضائيات العربية والعالمية لم تتوقف عند حدود تقاريرها الاعلامية من مواقع الأحداث فجربت كتابة الرواية ،  ووجدت روايتها الأولى عن احتلال العراق وتبعاته أصداء نقدية طيبة مما دفعها لانجاز مشروعها الروائي هذا ( إبحار عكس النيل )  أيام انتخابات أبريل 2010 في السودان ، وهو مثل مشروعها الأول نابع من حرصها على التفاعل الانساني مع عملها الاعلامي ، فهي ليست مجرد مراسلة تقليدية تريد انجاز واجبها الاعلامي فحسب ، انها تتعامل بحس انساني وعاطفي جياش مع مهمتها ، حتى لتشعر انها صارت جزءاً من الناس في معاناتهم وخوفهم وجوعهم وعطشهم ومآسيهم ومصائبهم وترحالهم بحثًا عن الأمان ، تستمع اليهم كأنها صديقة قديمة لهم ، تراقب عاداتهم ، تتعرف على لهجتهم ، تنصت الى أحلامهم وهذياناتهم ، وتغور في أساطيرهم المحلية ، لتنسج من ذلك كله رواية ممتعة وكأنها واحدة منهم .

(إبحار عكس النيل ) سياحة عاطفية جغرافية انثربولوجية تبدأ من جزيرة توتي التي تتوسط المدن الثلاث المكونة للعاصمة السودانية ، الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان ، حيث بدأت قصة حب بين المحامي والاستاذ الجامعي السوداني الشمالي العربي المسلم كرم الله ولوشيا السودانية الجنوبية الافريقية المسيحية المحامية المتدربة في مكتبه التي ولدت في الخرطوم بعد هجرة اسرتها من جنوب السودان على أثر مقتل والدها في نزاع قبلي وبعد أن طالت الأسرة هموم الحرب الأهلية ومصاعبها ، انها تبدو قصة مستحيلة ، وهي فعلا كذلك ، غير ان سير الرواية يجعل من هذه القصة نهراً دافقاً من الخرطوم الى مدينة واو في جنوب السودان، حين تبدأ الأسرة رحلة العودة للاستفتاء على انفصال الجنوب ، وفي هذه الرحلة الطويلة تشعر انك مع هذه الاسرة المسيحية التي تننازعها هواجس الثأر القبلي ، وهواجس الانفصال بين مؤيد له ومتحمس الى حد كبير مثل جوزيف شقيق لوشيا وشقيقتها جوانا التي تتلهف للرحيل استعداداً ليوم زفافها ، وبين قلق الأم التي مازالت تعيش مخاوف الثأر القبلي يوم اضطرت للرحيل مع أطفالها الصغار الى الشمال في رحلة مليئة بالمصاعب والمخاطر والرعب ، وهاهي اليوم تبدأ موسم الهجرة الى الجنوب ، بحثاً عن هوية جديدة في دولة جديدة منسلخة عن الوطن الواحد .

في رحلة العزي السودانية تجد الاساطير والحقائق ووقائع الحرب الأهلية ومآسيها ، وتجد الحب العنيف بين لوشيا المسيحية الجنوبية وكرم الله المسلم الشمالي الذي يقف على ضفاف النيل في الخرطوم ليشم رائحة هام بها حباً ، رائحة لوشيا التي انتحرت على ضفاف نهر جنوبي لتصبح جزءاً من نداء الطبيعة التي تجري من الجنوب الى الشمال !

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز