عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الشخصيات الإلكترونية

الشخصيات الإلكترونية

بقلم : طارق العكاري

قبل ظهور وسائل التواصل الإجتماعي، كان الشيء الوحيد للتعارف على شخص هو مقابلته حتى وإن كان التليفون هو بداية التعارف ولم يكن يعطيك أكثر من عشره بالمائه من التصور للشخص. ففي المقابلة الأولى لابد وأن تكون باقي المائه بالمائة من الصورة اكتملت ، كيف يبدو هذا الشخص؟ كيف يظهر ؟ ماذا يرتدي؟ هل تتطابق الصورة مع التي تم تكوينها في الخيال أم لا؟ وبالتالي لم يكن الاهتمام بالمظهر مهماً آنذاك ولم تكن الماركات العالميه والصور فى أوروبا وخلف تمثال الحريه هم المعيار للحكم على الاشخاص. ولم تكن نسبة عدم تطابق الخيال مع الواقع عالية لعدم وجود أي مؤشرات في التليفون دالة على الشخص الذي ستتم مقابلته فكل الاحتمالات كانت متاحه. أما بعد ظهور مواقع التواصل الإجتماعي لم يعد هناك شغف لرؤية الشخص وقلت نسبة التسعون بالمائة عند المقابلة إن لم تكن اختفت فالمظهر بات مرئياً بالصور والشخصية معروفة من الأراء والتعليقات وحتى الحالة الإجتماعية فهي من أوائل المعلومات المتاحة.



من منا لم يصطدم عند المقابلة الاولى بشخصيات مختلفة تماماً عن التي تظهر في مواقع التواصل الإجتماعي؟ إن ما نعيشه هذه الأيام يفيد بأن كل منا له شخصيتان: شخصية إلكترونية وشخصية حقيقية، وقلما تتفق الشخصيتان. فتجد أحياناً من يتعطر فيس بوكه بذكر الله دائماً ويبهرنا يومياً بالأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية ولا يصلي إذا جلست معه وقتاً يتعدى وقت فريضة من الصلاة، وأيضاً الشخص التصادمي الذي يتحدى الجميع رافعاً راية الحق أحق أن يُتبع والصح المطلق هو دائماً سيد موقفه أما فى الواقع تجده متسامحاً غير متصادم. وتجد من تتحلى هى الأخرى بذكر أن الحجاب هو سر جمال المرأة وطالما تنشر أزياء للمحجبات تظهر فيها الشياكة والمظهر البديع وهى أول من يخلع الحجاب بعد الزواج. والأكثر من ذلك هم من يقصون ويلصقون أراء لغيرهم في مواقع تواصل أخرى لهم، فيأخذ رأيك أو ما نشرته على الفيس بوك وينشره هو على تويتر على أنه لنفسه. وتجد أيضاً من هو جالس طوال اليوم لنشر ملصقات وأخبار و تعليقات على  كل ما يتم نشره ويدلو بدلوه في معظم المنشورات. وتجد من السيدات من تعرف عنها ماذا تطبخ اليوم وكيف فعلت كذا وكذا. وتجد الشخص التصادمي الذي يحتوي على داعش صغير بداخله فلا توجد عنده مشكلة ليخسر صديقه أو قريبه نتيجة اصطدامه به في نقاش لا لشيء إلا إنه تمت المناقشة على الملأ ولم تتم بينهم منفردين. إسأل نفسك هل لو كنت جالساً مع هذا الشخص وجهاً لوجه بدون جمهور إلكتروني هل كنت لتصطدم به؟

الجزء الأخطر في هذا هم من يفهمون هذا ويلعبون دائماً على تحليل البروفايل الخاص بك ويبدأون في تدعيشك لاتفاقك مع وجهات نظرهم وما يرونه منك من تصادم وحِدة إلكترونية، ولن تستطيع تغيير جلدك في هذه الحالة وستوافق رغماً عن أنفك مع الوضع في الاعتبار ان هذا لا يتفق مع شخصيتك الحقيقية ستوافق لعدم إعطاء الفرصة لمن يتربصون بك من أصدقائك الإلكترونيين كى لا تُتهم بالازدواجيه فقد قمت بشر عكس ما تنشر من عدة أشهر أو أسابيع وتهرول لمسح التعليق المنشور.

إن بناء السيرة الذاتية على مدار حياتك أمر يمكن السؤال عنه من تصرفاتك ومن حولك بالتحري في محيط السكن أو العمل أما بناء السيرة الذاتية الإلكترونية أمر صعب التحري عنه لأن "الكلام معلهوش جمرك." لن أدفن رأسي في الرمال وأشكو من سوء استخدامنا لتطبيقات التكنولوجيا وأندم على الزمن الجميل الذي عشته بدون كل هذا الفضول الإلكتروني فهو أمر واقع ولابد من التعامل معه.

أدعو الجميع إلى مراجعة صفحاتهم على مواقع التواصل الإجتماعي ومقارنتها بواقعهم الحقيقي ومدى إتساقها مع شخصياتهم الواقعية وإن كنت معجبا بما تظهر به على صفحاتك يتعين عليه تغيير نفسك في الواقع لتصبح متسقا متصالحا مع ما تنشره حتى تصير سيرتك الذاتية الإلكترونية عطره وكفوا عن التصادم واللطم، فالحياة أجمل بواقعيتها.     

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز