عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الإسلام دين ورؤية

الإسلام دين ورؤية

بقلم : د. أحمد الديب

لقد تغير العالم في عقد واحد من الزمن تغيرات جوهرية لم يسبق لها مثيل ، لا صوت يعلو فوق صوت المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات وغيرهما من تقنيات الحداثة .



هذا وما كانت الأفكار والذهنيات بمنأي عن هذه التغيرات الكبيرة مع التوافر المذهل للمعلومات والانفتاح الشديد علي العالم الكبير فلا شيء بعيد ولا شيء مستحيل ولا شيء ممنوع .

منذ عقد تقريباً ، كنا نسمع عن حالات إلحادية فردية استثنائية هنا او هناك ، حتي تطوت الأمور إلي ما يشبه الظاهرة وأصبح الملحدون يعيشون بيننا أصدقاء وزملاء وذوي قربي .

ولأنك في مكان وزمان لا يهتمان بالظواهر وتحليلها وتشخيصها ووضع الخطط الموضوعية للتعامل معها ، اللهم إلا التنديد والقدح وغيرهما من وسائل الهجوم والتي لا تحل المشكلة بل تزيد الطينة بلة .

لسنا بصدد التنديد بظواهر الإلحاد إن جاز لنا أن نسميها بالظواهر ، لكننا في أمس الحاجة إلي أن نفكر خارج الصندوق في طريقة معالجتها ، غير أن المعضلة الكبري تكمن في وجود المؤسسات التي يتوجب عليها التعامل مع مثل هذه الظواهر ، هل هذه المؤسسات موجودة ؟ ، وإن كانت موجودة فما هي ؟ ، وما هي الآليات التي تستخدمها هذه المؤسسات في المعالجات؟.

تتكاثر الأسئلة وتتواتر وتتحول من كونها أسئلة عارضة هامشية إلي أسئلة ملحة وجوهرية ، بما يستلزم جودة الإجابات كماً وكيفاً  ، و أكاد أجزم بأن رجل الدين التقليدي لن ينجح في تقديم الحد الأدني من منطقية الإجابات واتساع رؤيتها وتماهي لغتها مع لغة العصر التي يستخدمها الشباب في تعاملاتهم اليومية وإن اجتهد .  

عندما لا يجد الشاب إجابة شافية منطقية تتسق مع منهجيته في التفكير ولغته التي دأب علي التواصل بها ، فإنه سيقع ولا محالة فريسة لمواقع اليكترونية يديرها الهواه وربما المتطرفون ويلقي بقضيته في وعاء من يزيدها تعقيداً وضبابية .

ربما يستطيع أئمة المنابر التقليديون مع كامل التقدير لهم أن يتصدوا إلي التعامل مع البسطاء الذين لا يستطيعون إلي الأسئلة سبيلاً .

هؤلاء البسطاء يكفيهم الدليل النقلي والذي يجد إلي عقولهم سبيل .

أما المجادلون فلا يكتفون بالأدلة النقلية ، ويعرجون إلي الغوص في الأدلة العقلية والحجج والبراهين والمنهج العلمي في معالجة القضايا .

غير أن مخاطبة العقل والتواصل مع الفكر لا يستقيم ولا يؤتي أكله دون أن يكون رجل الدين ذا ثقافة عامة واسعة وعلي إطلاع علي الفلسفة والمنطق والفن والسياسة وعلم الاجتماع والتاريخ وغيرها من العلوم.

 لا مفر من التدريب علي الإجتهاد و الاستنباط ورد الحجة بالحجة والدليل بالدليل والفكرة بالفكرة  ، بالطبع لا أعني ان يصبح رجل الدين موسوعياً رغم ان رجال الدين كانوا كذلك ، لكن الحد الادني ربما يتمثل في القدرة علي البحث وأن لا يجد حرجاً ليقول " دعني أبحث في الامر وأوافيك" بدلاً من التحدث بغير علم من باب فض المجالس.

ليس من المعقول أن يكون الدين عائقاً أمام التقدم والتطور ولم يكن أبداً ، ولكن أي تقدم نريد وأي تطور نقصد ؟ ، إن كنا نقصد بالتقدم والتطور ، تطور وتقدم العلوم والفنون والصناعات ووسائل الإنتاج والسبق والمنافسة في الاقتصاد والتسلح ورفاهة المواطنين ، فما دعا الإسلام إلي غير هذا وذاك .

أما إن كان التقدم والتطور يرمزان إلي الإباحية والحرية الجنسية وفك الارتباط بين أفراد الأسرة وتغييب كامل للقيم مع طغيان المادة والمنفعة والمصلحة علي القيم الروحية فإن ذلك يصطدم مع جوهر الاديان وشرائعها لا محالة.

في كتابه الأروع " الإسلام بين الشرق والغرب " للرئيس المفكر "علي عزت بيجوفيتش " ، يقدم لنا ما يجوز لنا أن نسميه "رؤية عصرية للإسلام" ، فيقدم "بيجوفيتش" الإسلام" ثنائي القطب الذي يعني بالروح والمادة ويعني بالثقافة والحضارة ، والقيم السامية والعمل ، وبالنظرية والتطبيق والذي جمع مميزات الدين المجرد جنباً إلي جنب مع مميزات كل الأطروحات الإنسانية كالشيوعية والرأسمالية ، غير أن الإسلام عالج عيوب هذه الأطروحات والتي لا تخلو من العيوب التي أصبحت لا تخفي علي كل ذي عين.

لم يفعل "بيجوفيتش" إلا أن جدد خطاب الإسلام للعالم شرقه وغربه ، فيقدم الإسلام علي أنه دين الواقع لا دين الأساطير ، ما ألهم المرحوم الدكتور عبد الوهاب المسيري ليصف الكتاب بأنه قدم للعالم الإسلام علي أنه "دين ورؤية".

يبدأ "بيجوفيتش " الفيلسوف كتابه بالتفكر في ماهية الإنسان وودوره ووظيفته وهدف وجوده وأصله ، مجيباً علي الأسئلة الشائكة والتي لا يستطيع رجل الدين التقليدي أن يجيب عليها ، فيتكلم عن الزواج والعفة ، العمل والإنتاج ، الدنيا والآخرة ، الروح والنفس والمادة ، مجتهداً في أن يربط الإسلام من حيث الجوهر باليهودية والمسيحية ، وأن يقارن الفكر الإسلامي بالفكر المادي دون تحيز أو جنوح.

لقد انفتح "بيجوفيتش" علي الفلسفات الغربية جميعها وقرأ لكبار كتابها ، كما تابع حركات  الأدب والتقدم العلمي و التكنولوجي ، وتعامل مع الفنون علي أنها أعظم الدلائل علي أصل الإنسان الحقيقي ، مستخدماً الفن والطقوس العبادية والروحية في تدليله علي فشل النظرية الدارونية في أن تفسر بعض الظواهر كالفن والتضحية والفداء والتأمل والتعبد الفطري .

يبدأ الخطاب بالفكرة ، فلا يمكن أن نجدد الخطاب حول قضية ما دون أن نغير الفكرة بتغيير الطريقة التي ننظر بها إلي الأشياء .

غير أن مصطلح "تجديد الخطاب الديني قد أصابه الكثير من الضبابية من فرط ما لاكته الألسن علي علم تارة وعلي غير علم تارات كثيرة أخري ، أري أن فكر "علي عزت بيجوفيتش" يمكن أن يكون نموذجاً لربط الإسلام مع واقعه المعاصر من صميم المباديء الإسلامية ومن ثم تطوير وسائل ومضامين الرسالة .  

اقتباس
"إن الفن ابن الدين، وإذا أراد الفن أن يبقى حيا فعليه أن يستقي دائمًا من المصدر الذي جاء منه"”
علي عزت بيجوفيتش
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز