عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"أم ملك" حاضنة مع ايقاف التنفيذ

"أم ملك" حاضنة مع ايقاف التنفيذ

بقلم : د.إيمان بيبرس

" الخطف" بالتحديد " خطف الأبناء" .. هذه الكلمات وحدها كفيلة أن تشعل نارًا وقودها قلوب الأمهات، ويزداد لهيب النار وبركان الحرقة اشتعالًا إذا كان الخاطف هو "الأب" الذي يفعل كل ما بوسعه لخطف الأبناء من حضن أمهم، نكاية فيها أو المساومة عليهم مقابل الشقة أو ممتلكاتها وكل هذا لطلب الأم حقها الشرعي في الطلاق وحضانة الأولاد والحصول على نفقتهم، ودائمًا ينسى الزوج والمجتمع أن بوصول الأم لهذه المرحلة وطلبها الطلاق قد تكون وصلت لنهاية مفترق الطريق مع زوجها ولا تستطيع تحمله بعد.



وأعتقد من يقرأ هذه الكلمات لن يصدقني، كما لم يصدق هذا المجتمع الذكورى المرأة والأم المصرية، ولكن خير برهان هو المشهد المأساوي الذي مزق شرايين قلوب الحاضرين شريان تلو الأخر، مع نزف كل دمعة ألم وعذاب تنهمر من عيون هؤلاء الأمهات وهن يحكن رحلتهن في المعاناة بخطف أزواجهن للأبناء، وأيضا تجربتهن مع قوانين الأحوال الشخصية أثناء الحوار المجتمعي "صوت أمهات مصر" الذي نظمته جمعية نهوض وتنمية المرأة والتي أتشرف برئاستها والاتحاد العام لنساء مصر وذلك في إطار المسئولية المكبلة على عاتقهما بنصرة ومساندة الأم المصرية في كافة قضاياها، وليس هذا فقط بل توصيل صرخات وآلام واستغاثات أمهات مصر للقيادة السياسية وصناع القرار، وذلك لتخوفهن من أي تعديلات تطرأ في قوانين الأحوال الشخصية تمس أمن وسلامة أطفالهن!.

ويا عزيزي القارئ، لم أستطع أن أصف لك سيل دموع " أم ريناد" وبكائها الشديد المستمر لتهز قلوب جميع الحاضرين للحوار المجتمعي وتسيل بكائهم ، لتحكي لنا:"جوزي رماني في الشارع وخطف بنتي بمساعدة إبنه من زوجته الأولى وهى لسه طفلة رضيعة عندها 6 شهور وحرق قلبي عليها، وكل ده عشان رفعت عليه قضية طلاق لما مراته الأولانية اتهجمت عليا في الشارع وهو مدفعش عني ولغاية دلوقتي معرفش بنتى فين ولا عايشة إزاى، وهل هي عايشة ولا ميتة، طب قولولي أعمل إيه وأروح لمين؟! أنا عايزة حضن بنتي، مش كفاية أنه سوأ سمعتي عشان يأخد حضانة بنتي ولما كسبت القضية خطفها والغريب إن مفيش قانون بيجرم الأب اللي بيخطف إبنه أو بنته!، كل ده وعايزين تطبقوا الاستضافة طب إزاي؟! وهو خطف بنتي دلوقتي والقانون مش عارف يرجعها لحضني تاني، بالمحضر اللي عملته ضده هو وإبنه بالخطف في يناير2017، قولوا بقى هيعمل فيا إيه لما يبقى من حقه الاستضافة بالقانون! أرحموا قلوبنا.

وما نكاد أن نسيطر على أنفسنا من البكاء والحزن، إلا روت لنا "أم ملك" رحلتها المأساوية مع طليقها وأهله اللي خطفوا بنتها، لتهز أركان القاعة ببكائها ولوعة قلبها وصرخاتها التي كوت قلوب الحاضرين واقشعرت أبدانهم من حدة ألمها وضعف حالها وحيرة أعينها في الاستغاثة بالرئيس السيسي لرجوع طفلتها لحضنها مرة أخرى، فتقول:"عامان مشفتش فيهم طعم الراحة ولا غمض ليا جفن، أبحث في كل مكان في الشوارع والمساجد والمحلات عن ابنتي الوحيدة اللي عمرها 5 سنوات خطفها أبوها وحرمني من حضنها، عشان كنت رافضة تحكم أهله في حياتنا وحياة بنتا اللي كانوا بيرغموني على أن البنت تعيش معهم طول الأسبوع وأخدها يوم الأجازة فقط، بنتي ياناس وعايزين يخدوها من حضني؛ عدل مين ده يارب!، ولما اعترضت خطفوا بنتي والزوج اللي ساعدته ووقفت جنبه واستحملت كتير، بكل سهولة طلقني".

 وتستكمل بانهيار حديثها: "من وقتها بنتي كان عندها 3 سنين مش عارفة أنفذ حكم المحامي العام بتسليمي البنت باستخدام القوة الجبرية، لأنهم كل شوية بيهربوا بنتي من مكان لمكان تاني بعيد، وأنا ألف أدور لغاية منتصف الليل لوحدي وفي صيام  شهر رمضان وعز الحر كنت بدور وقلبي مفطور على بنتي، لغاية لما عرفت مكانها وأخدت أخصائية اجتماعية ومحُضر وأمين شرطة من قسم أول مدينة نصر ورحنا عشان أستلم بنتي ، رفضوا تسليم البنت وعملت جنحة لطليقي وجاله حكم سجن 6 شهور بس للأسف في آخر درجة في القضية تم تحويل الجنحة إلى جنح قسم حدائق المعادي وده عشان إن بطاقته عنوانها الحدائق، وبكده أعيد إجراءات القضية اللي ظلت سنة في المحكمة مرة أخرى".

وتصرخ لتقول: "بعدها هربوا بالبنت ومعرفتش أوصلها لغاية ما في يوم شوفتها مع عمتها في الشارع  انهرت وصرخت والعمة الأستاذة الجامعية خطفت بنتي وطلعت شقتها وهنا طلبت النجدة أكتر من 23 مرة من صلاة العصر لغاية الساعة 11 بالليل لغاية ما بعتوا لي اثنين أمناء شرطة قالوا: "هما نايمين مفيش حد بيفتح الباب " وبعد كل ده تقولوا ضمانات وشروط للاستضافة وأنا مش عارفة أنفذ حكم القانون بتسليمي بنتي!".

وهنا حتى لا أطيل عليكم وأوجع قلوبكم، فقصص الأمهات تحتاج لمجلدات فهذه ليست إلا نموذجين فقط لآلاف الأمهات المنكويات بنار فراق فلذة أكبادهن ، فكم من أزواج قاموا بخطف أبنائهم داخل وخارج البلاد، رغم حكم القانون لصالح الأمهات بحضانة أبنائهن ، ولكن كل هذا يجعلنا نتساءل "هل من المعقول أن تخرج بعض الأصوات مطالبة بخفض سن الحضانة أو تعديل قانون الرؤية ليتحول إلى استضافة بعد كل المعاناة التي تواجهها الأم من خطف طليقها لأبنائها، ولا تعرف شئ عنهن، وحتى عند اللجوء للقانون الذي يحكم لصالحها فلا تستطيع الأم تنفيذ هذا الحكم لتعيش باقي حياتها في جحيم بعيدًا عن حضن أطفالها؟!

وقد نرى أن كل جرائم الخطف يعاقب عليها القانون بشكل واضح، إلا القوانين الخاصة بالأسرة، فسيناريوهات وحالات خطف الآباء لأطفالهم ما هي إلا دوامة صراعات تشهدها محاكم الأسرة بسبب الخلافات على حضانة الأبناء، أو المساومة من قبل الزوج على الشقة وممتلكات الزوجة والنفقة، وعلى الرغم من أن القانون يمنح من لا تحق له حضانة الطفل حق رؤية أبنائه، لكن الخلافات والضغينة بين الطرفين تجعل الآباء يستخدمون الطفل فيها، فيلجأ إلى خطف الأولاد وإخفائهم عن الطرف الآخر، ضاربين بالقوانين عرض الحائط.

وكل هذا لأن ببساطة لا يوجد في القانون عقوبة واضحة ومباشرة تقع على الأب الخاطف لأبناءه ، إعمالاً بمبدأ سلامة النية في هذا الأمر، على أساس الغرض من الخطف الرؤية فقط وليس الإيذاء، فالقانون الحالي ينص على أنه إذا ثبت حالة خطف الأب لأبناءه فتكون العقوبة هي " الحبس مدة لا تتجاوز سنة، أو بغرامة لا تزيد على خمسمائة جنيه مصري وفقًا للمادة " ٢٩٢" من قانون العقوبات وعلى الرغم من أن هذه العقوبة غير رادعة وهزيلة، ومع ذلك لا يتم تطبيقها بجدية في جميع الأحوال ، كما أنه لا يمكن للأم أن تحرر محضراً للأب إذا كانت على ذمته، وكل ما تستطيع أن تقوم به في هذه الحالة هو اللجوء للنيابة العامة لتسليم الطفل للأم الحاضنة وذلك قد يستغرق شهورًا يتاح من خلاله للأب خطف الطفل بعيدًا، ناهيك عن بطء إجراءات التقاضي وتنفيذ الأحكام، وأيضاً حتى مع معرفة الأم مكان الطفل لا تستطيع أن تنفذ الحكم باسترداد طفلها مما يتسبب دائماً في ضياع حقوق الأمهات وتنكوي قلوبهن على فلذاتهن.

أما المضحك المبكي المنبثق عن هذه المشاكل القضائية، أننا سندمر جيلًا كاملًا من الأطفال بتخريجهم غير أسوياء نفسيًا ومعنويًا للمجتمع، نتيجة حرمانهم من أحضان ورعاية أمهاتهم، ونتيجة نشأتهم في بيئة مغايرة نفسيًا عن بيئة الأم، وما سيتعرض له الأبناء في الكثير من الأحيان من حالات الإهمال والتعذيب من قبل الأب ذاته أو مرات الأب كما نسمع من الأمهات المنفطرة قلوبهن على أطفالهن.

لذا أحمل على عاتقي رسالة نقل آلاف الاستغاثات والصرخات لأمهات مصر لسيادة الرئيس ولوزير الداخلية ولوزير العدل ولصناع القرار، بأن يقفوا بجوارهن جراء تخوفهن من تعديلات قوانين الأسرة التي تكون حلبة الصراع بين الآباء والعذاب المستمر للأبناء، فتسمح هذه التعديلات المقترحة أن تفتح الباب بخطف أولادهن! وحرقة قلوبهن في قاعات المحاكم دون جدوى.

ومن ثم فبإسمي وبإسم جميع أمهات مصر، نناشد ونطالب بسرعة تنفيذ الأحكام وتطبيق القوانين التي تجرم الخطف وأضع تحت كلمة تطبيق القوانين ألف خط ، كما نطالب بتغليظ عقوبة الخطف حتى تكون رادعة لكل أب يفكر في لوعة قلب أي أم، وذلك لحماية أمن وسلامة أمهات وأطفال مصر.

ويا عزيزي القارئ للحديث بقية .. فلن أصمت أبداً عن حقوق أطفال وأمهات مصر ، ولكي تشعر بمدى معاناة تلك الأمهات أرجوك أن تقوم بزيارة قناة جمعية نهوض وتنمية المرأة على "اليوتيوب" لتجد عشرات القصص بلسان الأمهات أنفسهنّ وترى وتسمع بنفسك دموعهنّ ولهفتهنّ على سلامة أبنائهنّ، وأنا على ثقة بأنك كقارئ ومواطن مصري مخلص دائما تسعى لمصلحة وطنك ومصلحة أبنائه وسوف تساعدنا في الوقوف في وجه أي تغييرات تمس قوانين الأحوال الشخصية والتي ستؤذي الطفل والأم المصرية.

#صوت_أمهات_مصر

 

*خبيرة دولية في قضايا النوع الاجتماعي والتنمية الاجتماعية

* وخبيرة في تطبيق التنمية المستدامة في المناطق العشوائية

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز