عاجل
الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
وارد السالم يعزف على نايات الحلوة !

وارد السالم يعزف على نايات الحلوة !

بقلم : د. طه جزاع

بمقدمات صوفية على غرار توجهات الرواية الحديثة كما نجدها عند الروائية التركية أليف شافاك في روايتها عن سيرة جلال الدين الرومي " قواعد العشق الأربعون " وكما سار على دربها الروائي السعودي محمد حسن علوان الذي فازت روايته عن سيرة ابن عربي " موت صغير " بجائزة البوكر لعام 2017 يبدأ القاص والروائي العراقي وارد بدر السالم روايته الجديدة " الحلوة " بمقتطفات صوفية للرومي والسري السقطي ، بل انه يضع سؤال الرومي " لماذا يئن الناي ؟" سؤالاً محورياً للرواية الذي تجيب عليه الضحية الشابة طالبة الموسيقى ريحانة " الحلوة " في صفيرها على ناياتها المتنوعة منذ فقدانها لوالدها المختطف لتبقى وحيدة مع امها والكلب روني ، حتى لحظة دخول خالها طارق الى حياتها ليقلبها الى مأساة وآلام ودموع ، وهو الهارب من العراق قبل ثلاثين عاما والقادم بصفة مترجم مع الأميركان بدين جديد ، وعقدة خيانة الزوجة الاميركية ، وأسم جديد هو مارك ليرتكب معها اثماً عظيماً وجريمة من جرائم الزنا بالمحارم !



مارك هذا ، الستيني الشيطاني البهلواني المتصابي ، متحرر الى حد البذاءة من اسمه القديم ومن الدين والقرية والنسب وصلة القربى ، وقد ازداد شراسة لالتهام الصبايا وشراهة للمال بعد ان عمل موظفاً في السفارة الاميركية وتعامل مع جنرالاتها في صفقات نهب الثروات كوسيط لعوب بين السياسيين اللصوص و " هلافيت " السلطة الجدد ، يجد في ريحانة التي تجذب الرجال والنساء برائحة غريبة فاتنة بسبب تمشيط شعرها بمشط " شمشار " صغير بحجم الكف ورثته من احدى جداتها وتحكى عنه خالاتها في القرية مرويات شعبية مختلفة ومثيرة " صبية حلوة وجذابة برائحة غريبة ومهيجة ومغرية .. انها ناي عراقي مغرٍ ولحن صغير ينمو بين ذراعي وعلى نبضي المضطرب " مثلما يجد في شقيقته بديعة ام الحلوة ضداً موضوعياً في التزامها بقيمها وقريتها واقاربها واخلاصها لزوجها المخطوف مجهول المصير، وعندما يرتكب مارك جريمته البشعة أثناء سفره مع الحلوة الى جونية في لبنان ، وحينما يسافر معها لاحقاً الى اسطنبول لمعالجة وضعها ، فأنه يعود بشعور الذنب والندم ليكون خالها الحنون ، قبل ان تغتاله رصاصة في مطار بغداد اثناء عودتهما بسبب جريمة اخرى كان قد أرتكبها قبل سفره مع صبية لديها والد من سكنة المنطقة الخضراء يدافع عنها بشراسة بالعكس من ريحانة التي فقدت والدها المخطوف ولم تجد أحدا يرد اعتبارها من مارك.

مجموعة معادلات وأضداد نوعية في رواية الحلوة ، مارك ( طارق ) وشقيقته بديعة ، ريحانة التي لا أحد يدافع عن شرفها المهدور والصبية زهور التي لها أب يرد اعتبارها الى حد اغتيال من اعتدى عليها ، والموظفة المنقبة الغامضة ومعها سراب غير المنضبطة وضدهما النوعي الموظفة أم عادل ، والملازم أول في مكافحة الارهاب عادل الضد النوعي لمارك ، والذي يتقدم من خلال والدته لخطبة ريحانة الحلوة ، لكنه يفقد ساقيه في احدى المعارك ضد الارهاب ، ومع ذلك فأن ريحانة بعد عودتها من اسطنبول تذهب لزيارته في المستشفى لتطمئنه بقبولها له ( أنا معك ) .

في تجربته السردية الجديدة ، الموسيقية الرقمية العمودية ، ينغمس وارد بدر السالم وهو يعزف على نايات الحلوة الى حد بعيد في جرأته وشجاعته الانتحارية في كشف عوالم تجار السياسة والدين مابعد الاحتلال الاميركي ، وجذورهم ونمط حياتهم وعلاقاتهم المصلحية وعقلياتهم الطائفية وتسابقهم على نهب ثروات الوطن ، مثلما ينغمس كثيراً في تفاصيل ماحدث بين مارك والصبيتين ريحانة وزهور في بيروت وبغداد ، وتجربة ريحانة مع الطبيبة النسائية التي اجرت لها العملية في اسطنبول ، ثم قيامها خلال جولة بحرية سياحية بقذف مشطها الابيض في مياه البسفور ( مشط اللعنة ومشط الخطيئة الكبرى التي أحملها في جسدي ) .

وارد في عزفه على نايات الحلوة ، يطلق صفيراً متواصلاً ، ويئن مثلما يئن الناي الموجوع المفجوع، لا تعيقه حواجز اللغة ولا الاسلوب ولا التقنية الروائية في سرد سوءات طبقة هجينة تسلطت بالأمية والطائفية على مقدرات البلاد والعباد ، ومجتمع غذاه الطائفيون ( حتى أينع وأثمر وصار شجراً يطال الجميع .... ألله فوق الجميع ) .. ولهذا يئن الناي !

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز