سلاح الذكريات
بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى
لا أعرف سبب اعتيادي على استنشاق الكثير من الأشياء ، كالكتب والملابس ، وقطعًا العطور ، وكأنني أشعر أن رائحة الأشياء عندما تدخل إلى الأنف ، وتصعد إلى المخ ، تترك عظيم الأثر في القلب والنفس .
فحينما تمر سنوات ، وأجدني أستنشق ذات الرائحة مرة أخرى ، وتُعيدني إلى ذكرى معينـة في حياتي ، وكأن العقـل ظلت فيه هذه الرائحة مخزونة لتعبر عن مرحلة معينة أو لحظة معينة في الحياة ، وهنا ، نعود بالذاكرة للخلف ، ونشعر وكأننا نستعيد اللحظة من جديد ، وكأن السنوات لم تمر أو تمضي ، فهناك ترابط غير عادي بين أعضاء جسم الإنسان والأشياء ، مثل الجرح الذي يترك أثره على الجلد ، وكأنه يُذَكِّرُ صاحبه بسببه أو بذكراه .
فالإنسان كالإسفنجة ، تمتص كل ما يمر عليه في حياته ، من ذكريات حُلوة أو مُرة ، فقلبه يمتص المشاعر ، وعقله يُخزن المواقف ، وأنفه يستنشق رائحة الأيام والذكريات ، ويكتمها بداخله حتى لا تخرج ثانية ، وتظل عالقة في وجدانه ، تُذكره بما نجحت الأيام في تنسيته إياها ، فالذكرى ترفض أن تموت ، تظل تجول حول صاحبها ، تُطارده إما بكلمة ، أو بأثر ، أو برائحة ، أو بأي وسيلة ، ولكنها ترفض أن تُلقى في قاع التـاريخ ، فهي تُصر على أن تكون البطلة ، حتى ولو توارت عن الأنظار ، فهي الماضي الذي وَلَّدَ الحاضر .
والتساؤل الآن الذي يطرح نفسه ، هل نحن بالفعل ننسى ذكرياتنا ، أما نتناساها ؟! الواقع أنه لا يمكن وضع إجابة مُحددة على هذا السؤال ، ولكن علينا أن نعلم جميعًا أن كل أعضاء جسدنا تصرخ بذكرياتنا ، ومهما حاولنا التناسي ، فالذكرى تملك كل الأسلحة التي تجعلها موجودة إلى الأبد ؛ لأن أسلحتها تكمن في أعضائنا ، ولن تموت إلا بموت هذا الجسد .