عاجل
الإثنين 23 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
الإدارة.. بنظام المرجيحة!
بقلم
محمد نجم

الإدارة.. بنظام المرجيحة!

بقلم : محمد نجم

مرة أخرى، وثالثة، ورابعة.. مشكلة مصر الأساسية فى غياب الإدارة الكفء لدولاب العمل اليومى بالدولة، وقد سمعنا وقرأنا كثيرًا عن شعارات “حوكمة الإدارة” والإدارة بالأهداف، والإدارة الرشيدة.. إلخ.



ولكن لم تترجم تلك الشعارات إلى قواعد ونظم وخطط على أرض الواقع، ومازلنا نعمل بنظام المرجيحة التى ترتفع فى الهواء ثم تنخفض للأسفل مرة أخرى حسب قوة الدفع التى تتوفر لها.

أى أحيانًا ما نحسن اختيار الشخص المناسب لقيادة مؤسسة أو شركة فيصعد بها ويحول خسائرها إلى أرباح، بينما قد يأت شخص آخر لقيادة ذات المؤسسة أو الشركة فينزل بها إلى الحضيض!

وبالطبع لا يمكن الاستمرار فى الإدارة بهذا الأسلوب “المرجيحة”.. مرة فوق.. وأخرى تحت!

و«الإدارة» ببساطة شديدة هى فكرة وقدرة على القيادة الرشيدة، وحسن استخدام الموارد لإنتاج «مخرجات» مطلوبة بحجم مناسب وبتكلفة معقولة، وسواء كانت تلك المخرجات.. سلعًا أو خدمات.

وليس سرًا أن مصر لديها كفاءات عديدة وفى كل المجالات، وأن بعضهم يحقق نجاحات مبهرة عندما تتوفر الظروف الملائمة سواء فى الداخل أو الخارج، والكل يعلم أن مصر بها قصص نجاح ملحوظة فى القطاع الخاص، كما أن هناك العديد من المصريين فى الخارج يشار لهم بالبنان.

إذن.. ماهى المشكلة! هل هى طريقة «الاختيار»، أم فى ضيق دائرة الاختيار؟ أم فى عزوف البعض عن العمل العام زهدًا أو خوفًا من المسئولية أو بعدا عن وجع الدماغ! أم أن البعض ينطبق عليه المثل القائل «إن.. من على البر عوام!» تمامًا مثل مشجعى كرة القدم فى المدرجات أو أمام الشاشات.

وبهذه المناسبة أتذكر أنه عندما سُئل مسئول سابق لماذا اخترت فلانًا مستشارًا لك؟ فكانت إجابته: لقد سمعته يتحدث بشكل جيد فى أحد البرامج التليفزيونية. وبالطبع لست بصدد تقييم هذا «المدعى» الذى ملأ الدنيا ضجيجًا حول نفسه وزاحم غيره فى مهام ليست من اختصاصاته، ثم اكتشف المجتمع والمسئول الذى اختاره فيما بعد أنه «أبيض» ومجرد حشو من القش فى كيس من الخيش!

ما سبق كان عن طريقة «الاختيار» للمناصب العليا، ولكن ماذا عن تضخم الهيكل الإدارى للدولة وكثرة عدد الوزارات «33 وزارة و3 آلاف وحدة حكومية»، ثم 6 ملايين و600 ألف موظف، وماينتج عن ذلك من ارتفاع التكلفة «240 مليار جنيه أجور ومرتبات»، وانخفاض فى الإنتاجية.

وماذا أيضًا عن غياب الشفافية والمساءلة ثم المركزية الشديدة وسوء حالة الخدمات العامة.. وكذلك.. كثرة التشريعات وتضاربها «54 ألف تشريع» بخلاف اللوائح والقرارات الإدارية.. ثم ماذا عن غياب التلكيفات للقيادات الجديدة وعدم جدية المحاسبة على الإنجاز من عدمه؟.

وماذا أخيرًا عن إصلاح النظام القضائى لتحقيق العدالة الناجزة ورد الحقوق لأصحابها بعد أن رفعنا شعار: يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء.

نعم.. هناك «صحوة» إدارية فى الدولة والمجتمع.. ومحاولات جادة للإصلاح ومكافحة الفساد، وكلنا شاهدنا وسمعنا رئيس الجمهورية وهو يطالب جميع المسئولين - كل حسب اختصاصه - بحماية أملاك الدولة واسترداد ما تم الاستيلاء عليه منها دون وجه حق، وهو ما يحدث حاليًا على أرض الواقع وسوف تظهر نتائجه بنهاية الأسبوع القادم إن شاء الله.

ولكن.. لماذا لا يكون الإصلاح طبقًا لرؤية واضحة وخطة مستقبلية بتوقيتات زمنية أى إصلاح مستديم؟!

لقد أعجبتنى فكرة «السفينة» التى أشار إليها د. صالح عبد الرحمن نائب وزيرة التخطيط فى ندوة المركز المصرى للدرسات الاقتصادية الأسبوع الماضى حيث أشار إلى أن كلنا على ظهر سفينة تلاطم الأمواج فى بحر هائج، وإلم لم نتعاون فسوف تغرق السفينة، وقد أراد بهذا التشبيه أن الإصلاح الإدارى مسئولية الجميع: حكومة، وقطاع خاص، ومجتمع مدنى، لأن الإصلاح وببساطة شديدة سوف تنعكس نتائجه على الجميع أيضًا.

فالإدارة الرشيدة والكفء سوف تحسن استخدام الموارد وبشفافية وفاعلية وتقدم للمواطن خدمات جيدة وبتكلفة معقولة.

لقد كشفت الندوة أن هناك عملًا جادًا يتم، ولكنه  مازال فى مرحلة البلورة، مثل إعادة هيكلة مكاتب الوزراء والمحافظين، ومنظومة جديدة لتقويم الأداء وبرامج مختلفة لميكنة الخدمات الحكومية مع مراعاة الشمول والتدرج والمصارحة وسوف يكون هناك دور أكبر للمواطنين فى تحديد الأولويات وتقييم الخدمات.

وأعتقد حسب ما فهمت - من مناقشات تلك الندوة التى أدارتها باقتدار د. عبلة عبد اللطيف مدير المركز وشارك فيها الصديق مهندس طارق توفيق نائب رئيس اتحاد الصناعات المصرية، أن هناك محاولات جادة «للوقاية» من انتشار الفساد فى الجهاز الحكومى من خلال تقليل الاحتكاك اليومى بين المواطن طالب الخدمة وموظف الحكومة المكلف بتقديمها، من خلال التوسع فى التعامل الإلكترونى ونشر المنافذ التى تقدم الخدمات الحكومية من قبل القطاع لخاص، وهناك حاليًا حوالى 650 مكتبًا يقدم نوعيات معينة من الخدمات على مستوى الجمهورية مثل استخراج رخص قيادة السيارات أو سداد فواتير التليفونات.. الخ.

ولكن لم يعجبنى ما قيل عن الإصلاح التشريعى، لأن التجارب السابقة لبعض الوزراء والمسئولين تثير التخوف، فقد لاحظنا أنه عندما يحدث تغيير وزارى يلتف كبار الموظفين حول الوزير الجديد ويوهموه أن الحل فى تعديل التشريعات القائمة والمنظمة لنشاط الوزارة أو إصدار قانون جديد، وبدلًا من أن يركز الوزير فى تنفيذ رؤيته ويتفرغ للتخطيط ومراقبة التنفيذ، ينشغل فى تشكيل لجان للنظر فى التشريعات القائمة ثم يغرق فى تفاصيل المناقشات بين تلك اللجان وتكون محصلة الأداء صفر وتضطر القيادة السياسية لتغييره بعد أن أضاع على الوزارة والمجتمع والناس وقتًا ثمينًا!

والخلاصة أن الإصلاح الإدارى أصبح ضرورة ملحة حيث لدينا الكثير من الموارد البشرية والطبيعية وينقصنا - فقط - حسن استغلالها..، وتلك «المهمة» لن يقوم بها إلا قيادات إدارية مؤهلة وشجاعة أحسن اختيارها من خلال دائرة واسعة.

وكفاية.. «اتمرجحنا كتير»..

وتعب الكلام من الكلام

ومل الحديث من الحديث

حفظ الله مصر.. وألهم أهلها الرشد والصواب.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز