عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
أين ذهبت بهجة رمضان؟

أين ذهبت بهجة رمضان؟

بقلم : د. شريف درويش اللبان

زمان كان لشهر رمضان بهجةٌ لا توصف؛ فقد كنا نستعد لقدوم رمضان قبلها بشهرين، فبمجرد بداية شهر رجب تشعر أن روائح رمضان تهب على وادينا الطيب الأخضر الجميل الذي يحتفي بالمناسبات والمواسم والأعياد، يحتفي بها بالفرحة والمعايدات والولائم والعزومات والملابس الجديدة والكعك والبسكويت والغريبة والياميش والمكسرات وكل ما لذ وطاب من الطعام، ولكل مناسبة طقوسها الخاصة وطعامها الخاص.




وقبل رمضان بشهر كانت المكسرات والياميش والبلح وحاجات رمضان الأخرى يتم عرضها في شوادر كبيرة تقام خصيصًا لذلك، كما أنه قبل قدوم الشهر الفضيل بأيام كانت تُقام أفران خاصة بالطوب اللبن لعمل الكنافة والقطايف طوال شهر رمضان، ولا تهدم هذه الأفران إلا بعد انتهاء الشهر الفضيل وثبوت رؤية هلال شوال.


وكانت ليلة رؤية هلال رمضان احتفالية مستقلة وحدها، يأتي فيها مسحراتية رمضان مجتمعين يهللون ويكبرون ووراءهم أطفال البلدة أو القرية معلنين أن الليلة الرؤية لهلال رمضان، احتفاءً بالشهر الكريم، ولتجسيد فرحة الأطفال به لتشجيعهم وحثهم على الصيام. وتزدان المساجد بالأنوار على المآذن والقباب، وتعلو الأصوات بالقرآن والدعاء في كل مكان، وتبدأ صلاة القيام مع إعلان رؤية الهلال في أول ليلة من ليالي رمضان.


كنا نرتبط بالمسلسل الديني، حيث شاهدنا أهم المسلسلات الدينية في رمضان بدايةً من "على هامش السيرة" ومرورًا بمسلسل "محمد رسول الله" بأجزائه المختلفة وانتهاءً بمسلسل "الكعبة المشرفة".. وغيرها. كانت هذه المسلسلات الدينية التي كنا نشاهدها قبل الغفطار تمنح رمضان طعمًا خاصًا، كما كان حديث الشيخ الشعراوي "اليومي" أحد أهم علامات شهر رمضان.


ولا أعلم لماذا افتقدنا بهجة شهر رمضان في السنوات الأخيرة؟، هل السبب هو كل ما مر على وادينا الأخضر من سفكٍ لدماء الأبرياء سواء من الجيش أو الشرطة أو الأقباط أو الشعب، لم نسلم منذ سنوات من الإرهابيين الذين سمموا إحساسنا بالبهجة، ونشروا الموت والخراب والعنف والتطرف في أرجاء البلاد. لم يجعلوا حرمةً للدماء فسفكوها، ولم يجعلوا حرمة لرمضان فأهانوه، ولم يجعلوا حرمة للدين فأهدروه.


لم تكن الحادث الإرهابي الذي ارتكبته تلك العصابة الباغية في حق أشقائنا الأقباط ليلة أول أيام شهر رمضان هو الأول من نوعه.. فكم دماء الجنود البواسل سالت والأبطال يستعدون للإفطار فيصعدون لبارئهم ليتناولوا الإفطار في جنة الفردوس. ولكن يوم الجمعة الماضية كان موجعًا لكل الأقباط الذين فقدوا ذويهم، وللمسلمين الذين تألموا لما حدث لإخوانهم المسيحيين بشكل أفقدهم الإحساس بمقدم شهر رمضان.. لعنة الله على الإرهاب والإرهابيين الذين تحولوا إلى صُناعٍ للبؤس والألم والشقاء والتعاسة وقضوا على بهجة الشهر الفضيل التي كان يتشاركها الوطن بمسلميه ومسيحييه.


وربما إحساس الكبار ببهجة رمضان لم تعد كما هى مثل الصغار، لأن الكبار كان إحساسهم بالبهجة بالشهر الفضيل كانت أكبر عندما كانوا صغارًا بلا مسئوليات أو ضغوط حياة وعمل أو أكثر من عمل وإرهاق وتوفير تكاليف المعيشة للأبناء والزوجة والبيت، ورما تكون بهجة الصغار الآن برمضان مختلفة عن الزمن الذي كنا نحياه ونحن صغار، فلكلٍ زمانه، ولكل زمنٍ بهجته الخاصة به، ويبدو أن بهجة هذا الزمان هى في المولات والكافيهات والمطاعم والمتنزهات واقتناء الجديد في عالم الموبيلات التي يصل ثمن الواحد فيها إلى آلاف الجنيهات، لقد كنا أجيلاً قنوعة وكانت بهجتنا بريئة لا تكلف الأهل كل هذه الأموال، ويبدو الآن أن البهجة أصبحت صناعة تدر على أصحابها مليارات الجنيهات ممن يطلبون أدوات البهجة في عصرنا الحديث.


وربما إحساس الكثيرين بالبهجة قل إلى حدٍ كبير بموجة الغلاء التي تشهدها الأسواق ولم تترك غنيًا أو فقيرًا إلا وطالت جيبه ومدخراته وبعض ما كان يوفره درءًا لغدر الزمان، والبهجة تزدهر في رمضان إذا كانت أحوال الناس الاقتصادية ميسرة، وهو ما نرى عكسه في شهر رمضان الحالي، وندعو الله أن تخرج مصر من عثرتها الاقتصادية الحالية، وتعود إلى سابق بهجتها التي كان يقبل عليها كل المصريين، بل وكان يبحث عنها العرب من كل الوطن العربي من المحيط إلى الخليج ليشاركونا بهجتنا الرمضانية التي لا يوجد مثلها في أي مكان.


ورغم كل الصعاب التي نواجهها، فلن نشعر بالإحباط أو الاكتئاب، لن نقطب الجبين، لن نعبس في وجه بعضنا البعض، لن نغضب أو نلعن الأيام، بل سنظل محتفظين ببهجتنا في رمضان وغير رمضان؛ فهذه البهجة وحدها هى صناعة خالصة للمصريين، وبها سوف ننتصر على الإرهاب، ونعيد لرمضان بهجته المفقودة.


كل سنة ومصر طيبة وحنينة على أهلها وناسها ومبهجة وصبورة ومتفائلة.. كل سنة ومصر تفضل زي ماهى .. زي ما احنا عارفينها .. مش زي ما غيرنا عايز يغيرها ويخليها على مقاسه.. مصر كبيرة قوي .. ومفيش حد يقدر عليها.

 

د. شريف درويش اللبان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز