عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
«اغضب يا ريس واحنا معاك»
بقلم
محمد نجم

«اغضب يا ريس واحنا معاك»

بقلم : محمد نجم

لم تكن غضبة الرئيس بشأن الأراضى المنهوبة معبرة عن شخصه فقط، ولكنها كانت لسان حال أغلبية الشعب المطحون الذين وعدوا على مدى الثلاثين عامًا الماضية بجنى ثمار الإصلاح الاقتصادى، ثم فوجئوا بأنهم خرجوا من المولد بلا حمص، ولم يحصلوا على بلح الشام ولا عنب اليمن.



لقد حزن المصريون كثيرًا على ما بناه أجدادهم من ثروات متراكمة فى صورة شركات القطاع العام التى بيعت لقلة من المحظوظين بأبخس الأثمان، بينما يشرد أباؤهم العاملون فيها تحت شعار “التقاعد الإجبارى”!

وبعد أن اضطروا للتعايش مع “النهب المنظم” للثروات القومية بحجة الخصخصة، فوجئوا.. مرة أخرى بذات القلة المحظوظة تستولى على مساحات شاسعة من الأراضى بحجج مختلفة وواهية، وأنهم عزلوا أنفسهم فى “كومبوندات” خاصة بأسوار عالية تعزلهم عن “الرعاع” من الشعب الغلبان.

فى الفم ماء كثير.. ولكننا فى شهر العبادات والروحانيات، ولذلك لن نذكر أسماء وإنما بعض «الحواديت» المسلية للصيام.

فقد تصادف أننى كنت أحضر مؤتمرا للمستثمرين بإحدى المدن الصناعية وكان حاضرًا فيه وزير إسكان أسبق، وبدى الرجل فظًا فى تعامله مع الحاضرين وعندما تحدث عن سياسة الوزارة كانت رسالته الرئيسية «أن الدولة مش بابا ولا ماما واللى عايز حاجة يدفع ثمنها، ومفيش حاجة اسمها مساكن شعبية أو تعاونية ولا هذا الكلام الفاضى تانى.. «خلاص بح»!

وعندما حاول بعض الصحفيين مناقشته بأن الدولة مسئولة عن رعاياها ولا مانع من ستر الناس فى مساكن قليلة التكلفة يسدد مقابلها على أقساط مريحة تتناسب مع قدراتهم المالية، هاج الرجل غاضبًا وطلب إخراج الصحفيين من قاعة المؤتمر وهو ما تعذر تنفيذه فاضطر لإنهاء كلمته سريعًا والإنسحاب غير مأسوف عليه!

ثم دارت الأيام وفوجئنا بهذا «المغرور» يبنى مساكن اقتصادية مميزة بناء على تعليمات عليا، ولكن الأهم من ذلك وهو ما تم اكتشافه مؤخرًا - بعد 25 يناير 2011 - أنه كان أداة الدولة فى توزيع الأراضى - شبه مجانًا - على المحظوظين من القيادات فى جميع المؤسسات وقتها وأبنائهم وأصهارهم ومن والاهم.

بعد ذلك بعدة سنوات تعرفت على أحد الاشخاص ثم التقينا أكثر من مرة فى مناسبات مختلفة وصارت بيننا «صداقة عامة» وفوجئت به يدعونى لحضور جمعية عمومية للمنظمة التى يترأسها، وعندما ذهبت لمكان الانعقاد هالنى ما رأيت حيث عدد ضخم من قيادات الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد - وقتها - وقد حصل أغلبهم على مئات الأفدنة وبعضهم يطلب مساحات إضافية لأنه  ناوى يتوسع فى الاستصلاح والاستزراع والاستعباط!

وبعد ساعة من الحضور سارعت بالخروج «لاستفرغ» ما فى معدتى بعد أن انقلبت من هول ما سمعت ولسانى يردد.. لك الله يا مصر.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد، فقد طلبنى الصديق إياه معاتبا على خروجى من الاجتماع، ثم أخبرنى أنه خصص لى خمسة أفدنة بإجمالى 5 آلاف جنيه، ومطلوب منى أن أدفع ألف جنيه وأسدد الباقى على أربع سنوات.

واعتذرت بأدب شديد.. حتى لا أحرجه بالأسباب الحقيقة لرفض هذا العرض الحرام، ولكنه كان مصرًا على تنفيذ العرض واعدا إياى بأننى لن أدفع أى أموال أخرى بخلاف الألف جنيه، وأنه بعد عام واحد سوف يتولى هو بنفسه بيع الأرض المخصصة لى بمبالغ ضخمة لتأمين مستقبل أبنائى! ولم أجد مفرًا غير قطع الاتصال وإنهاء العلاقة.

هكذا كانت توزع أراضى المصريين وحقوق الأجيال القادمة فيها على حفنة قليلة من المحظوظين وكأن الزمن قد عاد بنا إلى عصر محمد على الذى كان يوزع الأبعديات على أفراد أسرته وبعض قادة البلاد الذين ساندوه فى الاستيلاء على حكم مصر.

ومع ذلك من حق الرجل أن نشهد له أنه بانى مصر الحديثة فى القرن التاسع عشر، وأن تلك الأراضى كانت عبارة عن صحراء جرداء أو مستنقعات من الخوص والماء الراكد، وكلفت من حصلوا عليها الكثير من الأموال لكى يحولوها إلى أرضٍ زراعية منتجة، ولم يتاجروا فيها.. بل ظلوا يعملون على تنميتها حتى أعيد توزيعها على المطحونين من الشعب طبقًا لقانون الإصلاح الزراعى فى الستينيات من القرن الماضى.

وعليك عزيزى القارئ أن تقارن بين ما فعله أفراد الأسرة العلوية وباشاوات مصر القدامى وبين ما فعله ويفعله الأثرياء الجدد.. أغنياء النهب المنظم الذين استأثروا بما حصلوا عليه من أراض لأنفسهم بل أحاطوها بأسلاك شائكة وأسوار تعزلهم عن بقية أبناء جلدتهم.

مرة أخرى لك الله يا مصر.

ولذلك نحن مع الرئيس السيسى فى الضرب بيد من حديد على كل من حصل على أراضى أو مال دون أى سند قانونى أو بأى وجه من وجوه الحق المعروفة مثل الميراث أو الشراء..إلخ.

فالأرض أرضنا.. أرض أبونا وجدنا وهى لأبنائنا ولأحفادنا من بعدنا.. ولكن بالأصول وبالطرق المشروعة وأن يكون هناك عدالة فى التوزيع على الجميع وبمقابل معقول مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة.

وبهذه المناسبة أتذكر قول مأثور للمرحوم الكاتب جلال عامر وهو أن أثرياء البلد كانوا يعزموننا فى رمضان على موائد الرحمن، واكتشفنا فيما بعد «أننا نحن المعزومين اللى كنا بنحاسب على الأكل».

وأعتقد أن كل ذلك قد انتهى ونحن الآن نعيش فى «دولة القانون» الواجب التطبيق على الجميع وبدون استثناء.

ومرة أخيرة.. اغضب ياريس.. واضرب بيد من حديد.. ونحن معك وخلفك فقد انتهى عصر «الاستنطاع»!

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز