عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
«الجماعة 2» يعيد «المحظورة» إلى الأضواء

«الجماعة 2» يعيد «المحظورة» إلى الأضواء

بقلم : محمد مصطفي أبوشامة

قدم مسلسل «الجماعة 2» الذي تذيعه إحدى القنوات الفضائية المصرية الخاصة، خدمةً جليلةً لجماعة الإخوان المحظورة، ليس فقط بأنه أعاد سيرتها إلى النور، ولكن بأنه طرح من جديد السؤال الصعب: هل يمكن أن تعود الجماعة من جديد إلى الأضواء؟ أو بصيغة أكثر وضوحاً: هل تحدث مصالحة بين النظام السياسي الحالي في مصر وجماعة الإخوان المسلمين؟



أُقدِّر نيَّةَ صُنّاع العمل الدرامي «الجماعة 2»، وفي مقدمتهم كاتبنا القدير وحيد حامد، وأظنّ كما هو واضح من دراما المسلسل أن نيَّتَهم كانت مواجهة الفكر بالفن، من خلال عرض كاشف لتاريخ هذه الجماعة المزيفة، خصوصًا الجانب الدموي منه، وفضح عوراتها (أهدافها وعلاقاتها) التي نجحت في إخفائها تحت ظلال الدين.

وهنا يقفز سؤال أصعب: هل نجح الجزء الأول من المسلسل الذي أُذيع عام 2010 في أن يحقق هَدَف مواجهة الفكر الظلامي بالفن الجيد؟

إجابتي على السؤال السابق هي (لا) بالطبع، وهي إجابة تلخِّص أيضا آراء عدد من أهل السياسة والإعلام والدراما ناقشتُهُم كثيرًا حول المسلسل، وعن توقيت عرضه قبل ثورة يناير 2011، فقد لعب المسلسل (دون قصد) دورًا مهمًّا للجماعة، بل إنه ربما يكون أحد الأسباب التي يَسَّرَت وصولها إلى حكم مصر، والرأي لا يحمل مبالغة، لا سيما إذا أدركنا أن جيلًا كاملًا عرف «الإخوان» من هذا المسلسل، كما أنعش المسلسل لأجيال سابقة ذكرياتها، وأجَّجَ مشاعر حنينها للماضي وسحره، فسقطت الدولة كلها بفعل هذه المعرفة وهذا السحر، كثمرة سهلة في حجر الجماعة، ونعلم جميعًا ما حدث بعد ذلك من وقائع وكوارث حفظها كتاب التاريخ، بينما نحن نسدِّد ومعنا الأجيال القادمة فواتير الخسائر.

«الإخوان دول شياطين حمر.. لهم عفريت في كل حتة.. الظاهر إحنا مش هانعرف نخلص منهم يا حسن»، جدد حوار الملك فاروق السابق مع رئيس ديوانه المخاوف من عرض الجزء الثاني من «الجماعة»، و قد جرى هذا الحوار بينهما عقب محاولة الاغتيال الفاشلة والخاطئة لرئيس مجلس النواب، التي كان مستهدفًا منها إبراهيم باشا عبد الهادي رئيس الوزراء، الذي يتهمه «الإخوان» حتى اليوم بأنه مدبِّر عملية اغتيال مرشدهم الأول حسن البنا في 12 فبراير عام 1949.

والحوار ليس وحده الذي يمكن أن يدوِّي أثره السلبي في نفوس المصريين، فتتابع الأحداث يربك العقل، خاصة بعد رد فعل الملك فاروق وقبوله عودة «الإخوان» إلى الحياة العامة، بهدف إعادة الاستقرار للبلاد، وهو ما يستدعي على الفور اللحظة التي نعيشها، والأجواء المشابهة لحالة عدم الاستقرار بسبب تزايد حوادث الإرهاب التي يحملها الجميع لـ«الإخوان» ولجماعات وُلِدَت من رحم جماعتهم (الأم)، ومن وحي أفكارهم السياسية الطامعة.

كما لا يمكن توقع شَكْل تفاعل الجمهور، ولا أثر الأحداث والوقائع التاريخية التالية من أحداث المسلسل، والتي قرأها بعضنا، ويجهلها الكثيرون، وهي أحداث تتعلق بأعنف مواجهة تمت بين الدولة و«الإخوان» وكانت في عهد الرئيس عبد الناصر، التي وصلت ذُروَتِها عام 1965 بإعدام سيد قطب، المفكر الإخواني المعروف والأب الروحي لفكر التكفير عند تيارات الدين السياسي.

ربما تتهمني بالتعجُّل في الحكم خصوصًا أن المسلسل لا يزال في حلقاته الأولى، ولم يُثَرْ عنه أيُّ جدل باستثناء قصة انتماء جمال عبد الناصر للجماعة (وهي مربكة أيضاً لأجيال لا تعرف كواليس الأحداث ولا خلفياتها الكاملة)، وقد تفجرت القصة (الأزمة) في الحلقة الثالثة من المسلسل وفشل المؤلف أن يثبتها في الحلقات التالية، برغم إصراره وثقته في المراجع التي روت (حدوتة) قسم عبد الناصر أمام حسن البنا على (المصحف والمسدس) وفق العقيدة الإخوانية، وهو القسم الذي يمثل مبايعة للمرشد وعهد قاطع بالانتماء الكامل للجماعة، وهو عكس كل تصرفات ناصر التالية لهذا القسم، سواء في رفضه تبعية تنظيم «الضباط الأحرار» للجماعة قبل ثورة يوليو، أو الإجراءات العنيفة التي اتخذها ضد «الإخوان» بعد الثورة بداية من حل الجماعة ثم في أحداث عامي 1954 و1965، وكلها تؤكد مواقفه الصارمة ضد الجماعة، وفي ظني أن قسم ناصر كان جزءًا من مَكْرِه السياسي، وكان قسم (شكلياً) لا يعني انتماءً عقائديًّا لـ«الإخوان» سواء فكريًّا أو تنظيميًّا.

وأخيرًا، لستُ بحاجة لأن أستعرض دراسات تحدثت عن أثر الدراما في التكوين الفكري والنفسي للمجتمعات لإثبات وجهة نظري السابقة، وحقيقة لا عِلمَ لي بمدى تأثير عرض تاريخ الجماعة (أيًّا كانت موضوعيته) دراميًّا على المصريين، فالأمر يحتاج إلى استطلاعات رأي جادة ودراسات علمية متخصصة تعطينا نتائج علمية ومؤكدة. وأتمنى أن تكون هذه النتائج ناقوسًا ينذر الدولة لما تقدر عليه الدراما، فتنتبه... لا لتمنع، ولكن لتنتج أو تحفز على إنتاج دراما تسهم في تكوين وتشكيل عقول المصريين وفق أجندة تخدم أهدافًا وطنية واضحة ومتفق عليها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز