عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
قواعد العشق الأربعون
بقلم
محمد نجم

قواعد العشق الأربعون

بقلم : محمد نجم

 



هو الحب فاسلم بالحشا ما الهوى سهل

          فما اختــاره مضن به وله عقـل

وعش خاليا فالحب راحته عناء

            وأوله سقـــم وآخــــره قتــــل

هذه الأبيات الجميلة عميقة المعانى والإيحاءات شدى بها وبإحساس عالٍ المنشد سمير عزمى فى بداية أحداث مسرحية قواعد العشق الأربعين والتى تعرض على مسرح السلام بشارع قصر العينى.

لقد أسعدنى الحظ بمشاهدة تلك المسرحية مع صحبة أعتز بها وأرتاح إليها فى جو روحانى جميل ووسط حضور كثيف من جميع الأعمار ازدحمت بهم قاعة المسرح على غير عادة مسارح الدولة.

 بل كان هذا الحضور الكثيف هو “المعتاد” بشكل يومى من بداية عرض المسرحية منذ أبريل الماضى وحتى الآن، وهو ما كان سببا فى استمرار عرضها لعدة شهور أخرى.. إن شاء الله.

وأعتقد أن هذا الاقبال الكثيف رغم عدم وجود دعاية لها - سببه أن الجمهور الذى يشاهد العرض يتحول بعده مباشرة إلى «مندوب» للمسرحية والعاملين فيها حيث يسارع بدعوة أصدقائه وزملائه لمشاهدة هذا العرض الجميل.. وإلا سوف يفوتهم الكثير من المتعة الروحانية.. خاصة فى هذا الشهر الكريم.

وأعتقد أن أبرز وأوضح ما تلمسه بمجرد إزاحة الستار عن العرض هو حب الممثلين والمخرج والملحن للعمل ذاته، ثم الاحساس العالى للممثلين بالحوار الذى يقولونه والحركات التمثيلية التى يؤدونها.

كذلك ما يقوم به أعضاء فرقة المولوية للتراث الصوفى من رقصات فنية جميلة على صدى دقات الدفوف الممتعة، هذا الإحساس الصادق سرعان ما ينتقل للمشاهد فى صالة المسرح، أضف إليه متعة ما تراه عيناه من ديكور فى منتهى الشياكة والتعبير عن «جو» وزمان المسرحية، فقد استخدم خشبة المسرح كأنه منزل من دورين مفتوح الواجهة.. حيث ترى «اللوحة» كاملة أمامك، وتبدأ حركة كل جزء منها عندما تسلط عليه الأضواء سواء كان «الراوى» أو الراقصين، أو العازفين أو منزل مولانا.. إلخ، أما الأحداث الخارجية فقد استخدم المخرج الجزء الأمامى من خشبة المسرح باتساعه الملحوظ.

هذا الجو العام.. من «الصورة المجمعة»، و«النظرة المريحة» بسبب حسن الديكور وجمال الملابس، ثم الموسيقى الناعمة المصاحبة للإنشاد الحالم، يجعل المتفرج ينفصل عما حوله تمامًا، ويكاد يندمج فى العرض مشاهدًا ومستمعًا بكامل إحساسه، متابعًا بلهفة.. وكأنه سوف يتلقى جائزة.

qqq

والحكاية نفسها بسيطة سلسة فى أحداثها وطريقة عرضها بسبب الأداء الممتع والجميل للممثلين، وهى تحكى قصة الفقيه والصوفى جلال الدين الرومى نجل الإمام علاء الدين الملقب بسلطان العارفين، ولقائه بالشاعر الصوفى الفارسى شمس الدين التبريزى والذى يقال إنه «قلب» حياة جلال الدين رأسا على عقب.

وجلال الدين كان من أسرة كبيرة ترتبط بعلاقات قرابة ومصاهرة بالحكام والسلاطين فى منطقة آسيا الوسطى وخاصة أفغانستان حيث ولد الرومى الذى لقب فيما بعد بمولانا بسبب براعته فى علوم الفقه والعلوم الإسلامية، فضلًا عن أنه صاحب طريقة صوفية أخذت منها الرقصة المشهورة «المولوية» والتى جاءت من مولانا، والتى تتم من خلال راقصين فى دائرة بملابس بيضاء تجدهم منفصلين تمامًا عن من حولهم، متوحدين مع أنفسهم رافعين إحدى أيديهم إلى السماء بالدعاء والأخرى وكأنه ترفع الذنوب من الأرض طلبا للعفو والمغفرة.

أما شمس الدين التبريزى فقد كان أيضًا رجلًا متدينًا ومتصوفًا يجوب البلاد بدون كلل ولا ملل حتى قيل إنه لم ينم فى مكان أكثر من ليلة واحدة، وكان يكتسب عيشه من تفسير الأحلام وقراءة الكفوف.

 وعندما التقى هذان القطبان وقع كل منهما فى غرام الآخر.. عقلا وفكرا وإحساسا وقيل إنهما اعتكفا لمدة أربعين يومًا فى منزل الرومى فى بلدة قونية بأفغانستان، وأنتجا معا الديوان الكبير المعروف بقواعد العشق الأربعين المنسوب لشمس الدين التبريزى.

وتحكى المسرحية - كما حدث فى الواقع - أن التبريزى سيطر تمامًا على عقل جلال الدين الرومى وأخذه بعيدًا عن مريديه الذين كان يخطب فيهم ويعلمهم كيفية الوصول إلى مرحلة التصوف الكامل.. وكان من أقواله:

- إنك قد رأيت الصورة ولكنك غفلت عن المعنى.

- ارتق بمستوى حديثك لا بمستوى صوتك،

   فالمطر هو الذى ينمى الأزهار وليس الرعد.

- هكذا أود أن أموت فى العشق الذى أكنه لك كقطع سحب تذوب فى ضوء الشمس.

هذه العلاقة بين القطبين أغضبت أسرة الرومى ومريديه على التبريزى، ويقال إنهم قتلوه، ولكن التقاليد الصوفية تضع نهاية أخرى لحياة التبريزى.. حيث يقولون إنه فوجئ بمن يدق بابه ففتح الباب وخرج ولم يعد!

على أية حال، فالمسرحية مليئة بمشاهد التمثيل الرائعة، والابتهالات الجميلة التى شدت بها وبإحساس عالٍ المطربة أميرة أبو زيد والتى قامت بدور زوجة جلال الدين الرومى، الذى أداه باقتدار  الفنان عزت زين.

كما أبهرنا الممثل المعروف بهاء ثروت فى أدائه السلس لدور شمس الدين التبريزى، وكذلك الممثلة فوزية - ملكة جمال مصر - التى قامت بدور كريمة جلال الرومى، والتى هامت عشقًا بالتبريزى، وكذلك مهندس الديكور مصطفى حامد.

وكل التحية للمخرج الفنان عادل حسان والملحن الموهوب محمد حسنى ومدير المسرح الممثل المعروف أشرف طلبة.

أما المنشد سمير عزمى.. فقد كان فى أحسن حالاته وفى مود عالٍ.. وهو ينشد.. ياقلبى قد وعدتنى، وكذلك «قمرُُ سيدنا النبى»

والتى تبدأ بهذين البيتين:

وأحسن منك لم تر قط عينى

                 وأجمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرأ من كل عيب

                  كأنك قد خلقت كما تشاء

مرة أخرى.. كل الشكر لأسرة مسرحية «قواعد العشق الأربعون»س.. وأدعو الأصدقاء والزملاء لمشاهدتها حتى لا يفوتهم الكثير!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز