عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
جحا .. السفسطة بلا ضحالة

جحا .. السفسطة بلا ضحالة

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

لست أدري لماذا تتعانق كلا من الضحالة والسفسطة ، ولكن حقا طفح الكيل في رمضان حيث قفزت الضحالة لتطغى سريعا فوق أية سفسطة كلامية حتى أن البعض لا تجد بين حروف كلماته وتعبيراته الضخمة والرنانة خاصة في سيناريوهاته الرمضانية أية ملامح أو رائحة لفكر سواها فقط .. السفسطة .. وبمنتهى الضحالة والترنح الفكري ، بل ومن الغريب أنهم يمتلكون قدرة عجيبة على قول الشيء ومدحه وتبنيه ثم إنكاره ونفيه والتبرأ منه وربما أحيانا السخرية منه ، وهو ما يعتبر شذوذا فكريا غير مقبولا حتى لو اعتبرناه نوعا من (الزهايمر) ، أو ربما يفترضون أن المشاهد مصاب بالتخلف والعته وغير قادر على فهم عبقرياتهم المتفجرة على رؤوس البشر في رمضان وبأجور ممثلين استفزازية تجاوزت عشرات الملايين متزامنة مع إعلانات التبرعات الغير منطقية وبنفس النجوم الاستفزازية وهو ما يزيد من معاناة العامة ، فليس من العدل ولا الرحمة في رمضان أن يمارس البعض عدم اتزانه على المشاهدين دون رقابة أو حتى نقد وتفنيد خاصة وأن الإعلام يشكل ويتأثر مباشرة بالوعي والفكر والثقافة الشعبية للمجتمعات ، ويعيد صياغة أنماط تاريخية شهيرة في ثوب جديد .



ورغم أعداد ونوعيات الإنتاج الضخمة لبعض الأعمال أو قل معظمها ، فقد فشل الجميع بلا جدال في ارتداء عباءة (جحا المصري) وقد كان أحد أشهر السفاسطة في التاريخ وإن كان وجوده التاريخي والمجتمعي يصف عبقرية الشخصية المصرية في فن السخرية من سوء بعض العادات والأخلاقيات للعامة ، ثم السخرية من استبداد أو حماقة أصحاب السلطة في عصرهم وفي كل عصر ، غير أن جحا على المستوى الإنساني أبدا لم يكن يعاني مطلقا من ضحالة الفكر كالبشر في زماننا ، بل على العكس فقد رسم جحا المصري أروع صور الذكاء الفردي ، وهو ما جعل السفسطة المسجلة عنه عبقرية ببساطتها وخالدة الذكر وتمثل تاريخا لا ينسى ، بل وتقلده كثير من الأمم في أساطيرها ، حتى أصبحت حقيقة شخصية (جحا) تنافسية بين الدولة الأموية والعباسية والتركية وأخيرا المصرية ، وما استطاع أحد أن يجزم هل هو أبو الغصن دجين الفزاري أم هو نصر الدين خوجة الرومي أم هو الحسن بن هانيء الحكمي الدمشقي أم واحدا من العديد من الشخصيات التي عاشت بالقرب من البلاط السلطاني أو الملكي في العصور الوسطى .

وليس من الغريب ملاحظة أن ضحالة الفكر في زمننا الحالي ومنذ عقود مضت قد أصبحت تتناسب طرديا مع الشهادات العلمية التي تمنحها جامعاتنا المبجلة بمختلف كلياتها العملية والنظرية ، ولا عجب فهؤلاء وأمثالهم من يتزعمون حركة تلقين العلم في المستوى الجامعي لأبنائنا وفلذات أكبادنا الذين نشكو اليوم من تمتعهم بالسطحية والضحالة والجهل المتباهي والمتنطع دائما ومطلقا ، ولذلك لا يجب أن نلوم أحدا سوانا على سوء أحوال وأخلاقيات ابناءنا ، فنحن وأقراننا من صنع لهم شخصياتهم ونبوغ فكرهم ورقي أخلاقياتهم العبقرية ، خاصة ما يتعلق بالضمير الإنساني والذي رغم اهتزازه بعنف في السنوات الخمسة الأخيرة ، إلا أنه ما زال الإنسان المصري في أعلى وأرقى المستويات عالميا رغم أنف أي معارض أو مدعي أو كاره لهذا الوطن وأهله ، وهو كذلك ما يزعج بعض السفاسطة المنحازين للغرب قلبا وقالبا لجهلهم بجوهر الإنسان المصري وعراقة جذوره النفسية والمجتمعية ، والتي أورثته قدرات إنسانية مذهلة وراسخة وقادرة على تجاوز سلبياتها المختلفة في أوقات الأزمات والمحن .

ولا شك أن نتائج سنوات الفوضى أو (الثورة) المصرية قد أفرزت أيضا الكثير من الإيجابية ، وعلى رأسها التحول الجذري في فكر الأجيال الجديدة من الشباب والتي تسعى لدخول سوق العمل وهي ما زالت في سنوات التعليم ، بالاعتماد على العلم المتجدد بنظم الكورسات الحرة ، ثم مرونتهم العالية في تقبل مختلف أنواع العلوم واستيعابها والعمل بها مهما كانت مخالفة أو متعارضة مع نوعيات العلوم التي يدرسونها للحصول على شهادة عالية أو جامعية ، وهو ما يعلن عمليا وفاة ذلك الجيل الأنتوخ من بقايا مبارك وعلى رأسهم تنابلة الدكتوراة والماجستير من منازلهم ، ويؤكد على استمرار سقوط جيل الكافيه والتواصل الاجتماعي والمعترضين والرافضين دائما وأبدا وأشباه النشطاء ومناصريهم والباحثين عن مظاهرة ووجبة وسهرة وبياتة في أي ميدان أو على سلم نقابة الصحفيين مع كوادر أو ناشطات إبريل أو المعهد الديمقراطي ، وبعيدا عن تجار الدين المنقسمون اليوم بين حالمون بالعودة لمرحلة الدعوة ولم الشمل والتوغل بين فئات المجتمع مرة أخرى ، ومن آخرين مختلين نفسيا وعصبيا وقرروا أن يقتلوا هذا الشعب الكافر ويحملوه مسئولية سقوطهم ولفظهم للأبد .

وأخيرا بلا سفسطة ... أو حتى الضحالة .. ننقل تحياتنا لتراثنا النفسي المتأصل في أعماق تراثنا والملقب بجحا المصري ، ونحيي خطوات إصلاح مجتمعية مصرية بدأت نتائجها في الظهور كسلوكيات لكثير من شبابنا ، ونشجب وندين بشدة ونعترض على جميع مسلسلات القنوات الفضائية وبرامجها التافهة عديمة الأهداف أو المعنى إلا الجذب والإثارة ورفع معدلات العائد المادي ، وتحية قومية أكثر احتراما واعترافا باحترافية أساليب إدارة الموضوعات الحساسة والشائكة من أجل مستقبل أفضل لهذا الوطن ...

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز