عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
رمضان .. بين الواقع والاستيلات

رمضان .. بين الواقع والاستيلات

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

لا شك أن رمضان في مصر خاصة في قاهرة المعز له رونق مختلف تماما كما استعرضنا من قبل كثيرا ، ولكن من إبداعات رونق رمضان في مصر هو وجود اختلافات شديدة بين صور ممارسة عادات رمضان بين بيئة وأخرى ، ولعل أقرب صور رمضان لأذهاننا هي صورة رمضان في قرانا العامرة ، حتى وإن كان المسلسلات والبرامج قد غزت بيوت وسهرات القرى إلا أن القرى ما زالت تحتفظ بكثير من عراقة عاداتها من التواصل واللقاء في الصلوات اليومية خاصة في العشاء والقيام ثم الفجر ، وهو ما يحفر في نفوس صغارنا وشبابنا قدسية مراقبة النفس مع الله دوما ويحافظ على يقظة الضمائر التي أصبحنا نجيد إفسادها وتدمير ما تبقى منها بتعاملاتنا اليومية المليئة بالواسطة والرشوة والسير في الممنوع وخطف المصلحة والتي تحاول الدولة وبعض مؤسساتها جادة ومشكورة إحياؤه في النفوس .



ولعلنا جميعا نتناسى أو نتغافل عن شكل (استايل) مختلف لرمضان يكاد يكون لكل بيت مصري مندوبا فيه ، وهو رمضان في القوات المسلحة ، وبعيدا عن وحدات المناطق العسكرية ومن يمارسون العودة لبيوتهم يوميا أو يمارسون حياتهم على احتكاك بالحياة المدنية القريبة منهم بكل رفاهياتها ، فهناك شكل آخر ومستوى مختلف من رمضان في الصحراء وعلى الحدود حيث درجة الحرارة تتعدى الخمسين بكثير ، واليوم مليئ بالعمل والكد والكدح والاجتهاد والمثابرة والتحمل لأقسى ظروف الحياة في الصحراء وفوق الجبال وفي الوديان والقفار ، حيث الحياة قاسية حتى على الحيوانات والنباتات حتى تكاد الصحراء تخلو منهما ، بل وفي مواقع قد يخشى بعض الشباب حتى مجرد المرور عليها في خياله خاصة من حرمه القدر من شرف الخدمة في القوات المسلحة أو بعض شباب التواصل وأباطرة الحياة الافتراضية ، ولا أنكر أنه رغم قسوة الحياة وخطورة التزامات العمل الحتمية في هذه المواقع إلا أن الصيام له روعة خاصة في النفوس ، وللإفطار مع آذان المغرب في أجواء الصحراء وهدوءها وموسيقاها الصامتة إحساس شجي رائع يهذب النفوس ويصهرها ويعيد تشكيلها في قوالب أكثر قوة وصلابة واتزانا وربما حكمة ، خاصة لو اعتدت التمتع بهذا الانصهار اللامحدود .

وأخيرا هنا .. وما ادراك ما هنا .. هنا أحد مواقع العمل في سيناء .. في محور قناة السويس .. ومن أحد مواقع إنشاء قلعة تصنيعية متطورة بأيدي مصرية تعمل في ورديات ثلاث بالتبادل حتى في رمضان ولا تتوقف الوردية العاملة إلا لدقائق للإفطار والسحور ، ورغم أن الاختلاف عن قسوة الحياة في الصحراء الجرداء كمقاتل ليست كثيرة في مجملها ، إلا أن حجم الأعمال والالتزامات ومعدلات تنفيذها التي يحققها العاملون في هذا الموقع مذهلة وتفوق خيالات الكثيرين من الكتاب والإعلاميين ، فالقيادات هنا لا تعرف أعذارا لشهر الصيام بل تعتبر رمضان فرصة للتفرغ للعمل وإنجاز ما لم يتم إنجازه من قبل ، والعاملون هنا تشعر وكأنهم يعملون وقلوبهم عامرة بسعادة حقيقية وعشق لهذا الوطن ، ولا يزيد هذا عن موقع واحد من عشرات أو مئات المواقع التي تديرها القوات المسلحة في صمت المجهول وبعيدا عن أعين أهل الشر لصالح هذا الوطن .

ومن الصحراء رأسا وعبر ذكريات مطبخنا العامر بذكر الله ثم بما لذ وطاب طوال رمضان وما أصابه من زلزال رمضاني في أخريات أيام الكريم رمضان ببعض محاولات كحك العيد وبيتي فور فلانة وروعة بسكويت علانة يصل بنا المطاف إلى صفحات التواصل الاجتماعي قفزا ، حيث المسافة عبر (اللاب) أو (التاب) و (آي الباد) أقصر وأسرع من بعض (تاتشات) أو (كليكات) أصابع نانسي عجرم ، حيث يلعب الإدمان الفيسبوكي دوره ببراعة ، فلم أستطع الصمود دون المرور على بعض الصفحات بعينها ، بداية بصفحات الإخوان ولجانهم الإلكترونية المفضوحة برائحتها العفنة ، والمعروفة مهما كان مسمياتها حتى ولو كانت (السيسي حبي وعشق عمري) ، حيث يمارسون تركيز غير مسبوق على الوصول لاتهام القوات المسلحة بكل جرائم الخيانة التي يمارسها الاخوان ومرسي وفرق الإرهاب التابعة لهم ، بداية من بيع جزء من سيناء لليهود ، وتغيير العقيدة العسكرية ، حتى الانقسام والتمرد بين صفوف القوات المسلحة ، وتهريب المخدرات والإتجار بالبشر وتيران وصنافير مصرية وعواد باع أرضه ، ولاشك هم معذورون لأنهم عبيد أوامر وتعليمات من أسيادهم سواء من التنظيم الدولي الخاضع للمخابرات البريطانية أو الكلاب الهاربة والضالة ، فهم من يملكون ذلهم ويتمتعون بخنوعهم ، ولا حيلة لهم فقد فقدوا الكرامة والنخوة وقبلها العقل والفهم والتدبر منذ زمن بعيد ، ثم مرورا عابرا ببعض المتنحنحات بلا سبب سوى أنها تشعر بـ (الحنين)0و(الشوق) وربما (العشق) حتى ولو قبل آذان الفجر بأقل من ربع ساعة ، وتيتا اعتماد .. بتقول (نفسي غامة عليا) ودايخة ، وموناليزا الدرب الاحمر تشكو (قرف غسيل المواعين) والمدهول اللي اتسحر وحتى ما قالش تصبحي على خير ، وبالطبع لابد أن يكون لجميع المتنحنحات جماهير رجالي مقززة ومشجعة وموافقة ومصفقة ومهللة لأي حرف حريمي ، ولا يخلو الأمر من بعض من سقطوا ضحايا كيد النساء ، وعباراتهم وألفاظهم المريرة والمتبوعة بمواساة رجالي على استحياء أو استهجان حريمي بلا حياء ، فعالم التواصل الاجتماعي الافتراضي قد احتل النفوس وأصبح بديلا سهلا عن الأهل والأسرة والجيران وما يمثلونه من علاقات حقيقية ، خاصة وأنك تستطيع في لحظة بـ (وان كليك) الهروب من كل هذه العلاقات ونسيانها لساعات أو أيام وربما شهور أو حتى للأبد ..

وما بين أشكال الاستايلات الرمضانية المتباينة يظل رمضان بكل اختلافاته في بلادنا الغالية ووطننا الواحد الفريد مصر .. رائعا ومتميزا وله عبقه وعبيره ورائحة ساعاته ، وتظل النفس عاشقة لرمضان مصرنا الحبيبة ، خاصة في مصر العتيقة ، والتي لا يعرف معان حروفها (العتيقة) ، إلا من تشربت طفولته من تاريخها وذكريات أصالتها وعراقة دروبها وعادات شعبها ، حاملة لنا معها رائحة أحضان من رحلوا عنا من والدين وأعمام وأخوال وأجداد وجيران ومعارف كانوا علامات وشهود فأصبحوا بعضا من نسمات في الشوارع أو الدور أو المساجد والحوانيت والتي ما زالت تذكر خطواتهم وأصداء أصواتهم ، تماما مثلما يوما ما سوف نصبح مثلهم .. أجمل ذكريات تحملها نفحات رمضان عبر أريجها ،  {.. وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ .. }آل عمران140، وتهنئة قلبية لكل مسلم ومصري وعربي بعيد الفطر المبارك والقادم سريعا ، أعاده الله علينا جميعا بكل الخير والصحة والرضا والسعادة ..

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز