عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
لعلنا لسنا .. كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً

لعلنا لسنا .. كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

لست ألوم أحدا على عدم فهمه لما يدور حوله في إطار ناموس الكون وحقائق الخلق التي يتجاهلها كثير من البشر خاصة المسلمين أو المتأسلمين وراثة وعاشقي الإنزلاق سواء خلف موروثاتنا من المعتقدات الدينية أو خلف قيم ومباديء الغرب دون تدبر في محاولة للحاق بركب الحضارة التي تخلى عنها المسلمون طواعية في زخم استعذابهم للدروشة وتكرارهم للإدعاء بأنهم أهل الله وأولياءه وأصحاب الجنة دون سواهم ، والغريب أن هذين النقيضين قد التقوا وتوافقوا في مسألة دقيقة مثل مسألة الإنجاب وتحديد النسل والعجيب أنه قد جمعتهم أيدولوجية واحدة من الأرض واللغة والدين ، ولكنهم بمختلف انتماءاتهم وثقافاتهم قد انزلقوا خلف الضلال والبهتان بمنتهى البساطة ووركنوا للاستسلام دون محاولة للفهم أو استخدام العقل والفؤاد خاصة وأن مثل هذه المسائل قد حكم الله فيها وأمرنا أن نعقلها ونتدبرها كقيم حياة نحيا في إطارها ولا حيلة لنا فيها .



بل ومن العجيب أن المنزلقين خلف الغرب والصارخين بتجريم من ينجب الكثير من الأبناء ويستحق الإعدام عند بعضهم لم يسألوا أو يبحثوا ماذا يقول العلم عند الغرب في هذه المسألة بل وماذا قال الأمريكان تحديدا وهم من يدفعون لنا (لنساء المصريين) ومنذ خمسون عاما تقريبا ثمن وسائل منع الحمل كمعونة مجانية لدرجة أن اللولب مثلا يباع في صيدليات نيويورك اليوم بأكثر من اربعين دولارا أمريكيا ولكنه مجانيا أو بثمن رمزي وعلى حساب الحكومة الأمريكية في وحدات التأمين الصحي المصرية ، وعجبا ما تقوله محاضر الكونجرس الأمريكي عام 1931م في ختام مناقشة وضع الحلول للأزمة الاقتصادية العالمية في حينها ، يقولون في المحضر .. {إن استخدام أساليب تحديد النسل للخروج من الأزمات الاقتصادية يعد أسوأ أنواع الحلول وأخطرها على مستقبل الأمة الأمريكية ، لأن القوة البشرية هي أساس التنمية الشاملة ، ومحاولة اقناع المجتمع بتغيير تقاليده ومعتقداته الاجتماعية تجاه الإنجاب بتحديد النسل هي محاولة خاطئة وخطيرة كما أنها بطيئة ولن تؤتي ثمارها قبل مرور جيل (30 سنة) على الأقل ، بينما لا تستغرق أي أزمة اقتصادية في أسوأ صورها أكثر من 20 سنة ، وساعتها سوف تكون الأمة في أمس الحاجة لمعدلات تزايد سكان عالية لتنفيذ التنمية الشاملة ، ومن الصعب بل ومن المستحيل ساعتها إقناع أفراد المجتمع بزيادة تحملهم لأعباء زيادة النسل قبل مرور جيلين (60 سنة) على الأقل ، وبالتالي فإن مجرد التفكير في استخدام أسلوب تحديد النسل يعد غباءا وخيانة للوطن ومستقبله الواعد} ، وقد صدقت أمريكا في تقديرها وقرارها ، وهو ما أثبتته الأيام واقعا مريرا في الدول الاسكندنافية (شمال أوروبا) والتي استخدمت أسلوب الحد الإجباري من النسل لشعوبها حتى أصبحت معدلات التزايد السكاني في أفضل الأحوال أقل من (2%) ، ولم يجدوا حلولا لانقراض السكان إلا الدعوة لاستقدام مهاجرين من دول آخرى ، حتى وصل عدد السكان الأصليين في السويد وهولندا والنرويج مؤخرا لأقل من 30% كتقدير عام 2005م وما زال معدلات التناقص متزايدة سنويا ، ويمثل المهاجرين فيها حاليا أكثر من 70% من السكان ، رغم كل الحوافز التي تدفعها حكومات هذه الدول لتشجيع الإنجاب منذ أكثر من ربع قرن .

ومن الغريب أن مستشار التخطيط القومي المصري لرئيس الجمهورية في عهد السادات الدكتور (دكتور حنا متى توما) قد أورد محتوى قرارات محاضر الكونجرس الأمريكي برفض استخدام تحديد النسل كحل للأزمات الاقتصادية في تقريره الخاص للسادات بشأن تحديد النسل كخطر على مستقبل مصر ، وذكره في كتابه الخاص (تحديد النسل والتنمية الشاملة) ، ولم يلتفت له أحد حتى اليوم في زخم سياسة التجهيل والانبطاح للغرب ، خاصة لو علمنا أن حرص الغرب وأمريكا على تحديد السكان في مصر كان بناء على أن شكوى إسرائيل الملحة للغرب وأمريكا بعد حرب اكتوبر73 قد تركزت على خطورة تصاعد معدلات تزايد السكان للشعب المصري كتهديد متصاعد لبقاء وأمن إسرائيل ، مما دفع أمريكا للتركيز في عهد السادات وما تلاه على دفع مصر لتحديد النسل وإقرار معونة سنوية متزايدة للحد من التزايد السكاني المصري .

ومن المحزن أن كثير من شيوخ الحاكم قد تم استخدامهم لتحليل ونشر الفكرة والترويج لها دينيا ، حتى أصبحت مقولتهم الغريبة نقلا عن بعض الصحابة { كنا نعزل والقرآن ينزل} أكثر شهرة من آيات القرآن على ألسنة الدعاة ، وكأنهم تناسوا أو تجاهلوا أن ميلاد إنسان هو قدر موقوت لنفس أن تحيا ولا يملك بشرا أن يكون له فيها قرار أو رأي ، ولن أسوق لهم آيات تثبت ما أقول لأنها أكثر من أن تذكر في مقالة وأبسطها قوله تعالى (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) ، فهل يملك بشرا أن يضع كتابا لأجل بشر جديد في الدنيا يا أصحاب الإيمان بالله وقدره وقضاءه ، بل وفي آيات الرفث (الجماع) للنساء في ليل رمضان يقول المولى عز وجل {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ} ، ولم يقل ما تمنيتم أو أردتم فما ترجونه من الجماع هو قدر مكتوب بيد الله لمخلوق جديد مقدر له ساعة الميلاد وساعة موت ورزاق مكفول ومحسوم ، بل وتجاهلنا قوله تعالى (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم) و (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) ، بل وأبسط الأدلة هو عقم الكثيرين وعدم قدرتهم على الإنجاب رغم كل التقدم العلمي والمادي ، بل ومن العجيب أن جهود الدولة المصرية منذ الإعلان التليفزيوني الشهير (حسنين ومحمدين) ، ومرورا بـ (أسرة صغيرة تساوي حياة أفضل) ، و (حاجة ببلاش كده) بتمويل ورعاية المعونة الأمريكية الهائلة والمستمرة والمتزايدة منذ أكثر من أربعين سنة قد أتت بثمارها العكسية لدرجة الانفجار السكاني (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ليظل التزايد السكاني في مصر هو مصدر الرعب الحقيقي للغرب وإسرائيل ، حتى أننا ونحن وفي زخم فوضى الربيع العربي وفي إطار الإعجاز المصري بالخروج دون تقسيم أو حروب أهلية مثل غيرنا ، إضطرت معاهد الدراسات الاستراتيجية الغربية وعلى رأسها الأمريكية أن تذكر في أسباب نجاح المصريين في تجاوز الأزمات أن الشباب في تعداد الشعب المصري يمثل أكثر من 65% وهو مؤشر يؤكد أنها أمة شابة وواعدة .

وأخيرا فمسألة الإنجاب هي أحد المفاهيم الكثيرة التي ركز المولى عز وجل في كتابه العزيز على اختصاصها لنفسه وقدره وإرادته وحده بل وشرحها تفصيلا ولكننا في زخم حالة البهتان وهجر الفهم والتدبر لكل ما هو علم وفهم للعقول وعلى رأسها القرآن والذي حصرنا مفاهيمه في فهم وتفسيرات من ماتوا منذ أكثر من عشرة قرون ، واستمرأنا حالة التخبط بين مفاهيم البشر في الغرب والشرق ونسينا أن بين أيدينا دستور حياة متكامل هو القرآن الكريم والذي يمثل فيه العلم البحت وعلوم الخلق والكون أكثر من 40% من آياته ، أنزلها الله لنعقلها ونفهمها ونبحث فيها وفي حدودها لنعمر الأرض بالعلم والعمل ، ولكننا اعتبرنا آيات العلم والخلق والكون من الآيات المتشابهات ولا نقربها إلا في المناسبات لنقول لعلماء الغرب كلما اكتشفوا شيئا جديدا أن لدينا القرآن يقول هذا ، مما دفع الغرب الكافر بالقرآن لإنشاء معاهدا وأقساما لدراسة علوم القرآن وهو ما لم يفعله المسلمون بقرآنهم وهم أصحابه وحملته تكليفا من الله ، ليحق علينا قوله سبحانه وتعالى (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً) ، والتي ذكرها سبحانه وتعالى في وصف بني إسرائيل لهجرهم التوراة ، والتي بلا شك قد أصابتنا في صميم هجرنا للقرآن وهو في الحقيقة كتاب علوم الدنيا الذي أنزله الخالق ليحيا به البشر فهجره حملته والمكلفين به ، وراحوا يتخبطون في الدنيا بين خيالات وبهتان البشر ، وكفاهم أنهم قد ألفوا ملايين الكتب في آيات الفروض والحدود وهي لا تمثل أكثر من (3%) من آيات القرآن وأسموها بالعلم الشرعي ، بينما لم يهتموا بحقيقة تكوين وخلق الإنسان والنفس البشرية والمذكورة في قرآنهم في أكثر من (15%) من آياته ، بل ويقدسون علم النفس لبشر ملحدين أو موتورين كصاحب النظرية الجنسية (سيجموند فرويد) ، وهو ما يدعو للحسرة قبل العجب من أصحاب كتاب علوم الدنيا والآخرة المسمى بالقرآن ، ولكننا أخيرا لسنا أكثر من أصحاب رأي وكلمة نقولها بأمانة وأمل متجدد أن يفيق المسلمون لما بين أيديهم من كنوز العلم وأسفاره التي تستحق منا الاهتمام والدراسة علها تكون عونا لنا في حياتنا وإعمارنا لوطننا ، علها تكون حجة لنا لا علينا بين يدي رب العالمين .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز