عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
طبيب في رئاسة الوزراء

طبيب في رئاسة الوزراء

بقلم : د. طه جزاع

في مذكراتهِ التي حملت عنوان " طبيب في رئاسة الوزراء " يتحدث الدكتور مَهاتير محمد (92) عاماً عن كفاحهِ الشخصي وتجربته السياسية والاقتصادية المثيرة على امتداد 22 عاماً قضاها رئيساً لوزراء ماليزيا ، وعن  " تجربته النضالية الصعبة لتحويل وطنه من بلد زراعي مهمش وفقير الى بلد صناعي متقدم وفاعل اقليمياً ومتحرر سياسياً واقتصادياً من الهيمنة الغربية " . وكم تمنيت أن يتمكن كل من أحترف السياسة في بلداننا النامية – التي لم تكن فقيرة مثل ماليزيا في بدايات استقلالها – من الاطلاع على هذه المذكرات المهمة لرجلٍ فقيرٍ عصامي ، ولد في حي فقير يوم 10 يوليو 1925 ( يصادف غداً الأثنين 10 يوليو عيد ميلاده الثاني والتسعين )  وبدأ حياته بائعاً للموز ، ثم يواصل كفاحه وتحصيله العلمي ليتخرج من كلية الطب في جامعة ملايا " وهذا وحده يجعلني في وضع غير مؤاتٍ، لأن مهنة الطب ليستْ المؤهل الأفضل لطامح الى تولي منصب رئيس الوزراء ، فالمحامون هم الأنسب لتولي هذا المنصب بسبب الوظائف التشريعية التي ينطوي عليها الحكم ، وساد اعتقاد بأن الأطباء ليسوا متمرسين بدقائق القانون والادارة "  . هذا مايقولهُ مهاتير محمد ، غير أنه تمكن في واحدة من أعظم التجارب في القرن العشرين أن يحول ماليزيا من بلدٍ زراعي مُهمش الى احدى الدول الاقتصادية والصناعية المرموقة في عالمنا اليوم ، وان يرفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 350  دولاراً الى 8000  دولار ، وليثبت للعالم أجمع ان طبيباً في رئاسة الوزراء ممكن أن يعالج وينقذ بلداً مريضاً بأسره !



لكن .. من أين لساسة بلداننا النامية الوقت والمزاج ليقرأوا هذه المذكرات قراءة متأنية ، وهي تقع بما يقرب من ألف صفحة من القطع الكبير ؟ فلو اتيحت لهم مثل هذه الفرصة لاستنتجوا دروساً يمكن أن تكون عوناً لهم في عملهم السياسي في بلدان قريبة التشابه في مشكلاتها وتحدياتها مع ماليزيا من حيث التعدد العرقي والديني، والصعوبات الاقتصادية ، والمعارك الانتخابية ، والتدخلات الأجنبية ، والمصاعب في ادارة الحكم .  

"من خلال التواضع الذي علمتني اياه امي ، أورثتني أيضاً قيمتي التسامح والاحترام ، وعندما أصبحت مساعد رئيس الوزراء ورئيساً للوزراء ، لم أنقل أي موظف من فريقي لسوء عمله كما هي الممارسة المتبعة ، وسعيت عوضاً عن ذلك لحملهم على فعل ما أتوقعه منهم بكسب ولائهم" .

وفي حكاية طريفة عن ردود الأفعال التي تصدر عن  الأقرباء والمعارف الذين يتوقعون انهم سيحصلون على عقود وتراخيص من وجود قريبهم في منصب رئيس الوزراء يقول مهاتير " لايزال بعض اقربائي الذين فشلوا في الحصول على شيء يقاطعونني ، وفي احدى الحالات ، سعى ابن اختي أحمد مصطفى ، وهو صحافي ، دخول قطاع الاعمال وحاول اقناعي بشراء ماقال انه طائرة سوخوي - 35 ، وقلت له ان اي قرار بالشراء سيعتمد على مدى جودة الطائرة ، وعندما استعلمت عن المسألة مستعيناً بأحد الروس ، قال انه لا يوجد طائرة سوخوي -35  ، ولكن هناك سوخوي -30  ، التي اشترتها الهند فقط ، ولم يتم صنيع النموذج 35 وقتذاك ، حتى اني سألت الرئيس الروسي فلاديمير بوتن عن هذه الطائرة بما أنني أرغب في تأمين الأفضل لسلاحنا الجوي ، واكد لي انه ليس لديهم طائرة اسمها سوخوي – 35  ولذلك قررت حكومتنا شراء سوخوي -30 . شعر مصطفى انني خذلته شخصياً ولايزال كذلك الى اليوم وهو لا يكلمني ، هذه هي مخاطر تولي منصب عام ، ويتعين عليّ تحمل استياء أقاربي مني " !

 عندما دخلت معترك السياسة  - يقول مهاتير محمد - تعلمت درساً مصيريا ً نفعني كثيراً في السنين اللاحقة : إياك ان تضيف الى معسكر خصومك مزيداً من الأعداء ، واذا توجب عليك مواجهة خصم آخر ، فلا تفعل إلا بعد فراغك من خصمك الأول !

 

[email protected]

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز