عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
دماء الرجال .. في رقابنا جميعا

دماء الرجال .. في رقابنا جميعا

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

عادة لا يقدر حجم الفاجعة إلا من تصيبه مصيبة الموت في أحبائه وذويه ، وتتضاعف حجم المصيبة كلما أصابت الشباب ، وتصبح المصيبة فاجعة أمة لو أصابت زهرة شبابها الساهرين على حمايتها وصيانة أرضها وعرضها وحاضرها ومستقبلها ، ولكن يبدو أن هذا المعنى لم يصل لمن يجب أن يكونوا أول المعنيين به أيا كانت الأسباب ، واعني بهم المسئولين عن توجيه وتطوير الفكر والثقافة وعلى رأسهم القائمين على شئون الإسلام كدين أصبح رمزا للإرهاب وتفريخ التطرف ، ولن يكون لنزيف الدم باسم الدين حدا ونهاية فقط بالمواجهة الأمنية والردع ، ولابد من مواجهة فكرية جادة وواعية وأمينة ، ولست أدري لماذا يقف رئيس الدولة (وهو المسئول الأول والأخير عن هذه الدماء أمام الله والتاريخ والشعب إلى يوم الدين) متفرجا ومكتوف اليدين والعقل والفكر وعاجزا عن تحريك ودفع هؤلاء المسئولين ومن وصل به الحال أن يشكوهم ويشكوا منهم علانية لعدم استجابتهم وتقاعسهم المشين المدان عن تصحيح المفاهيم وتعديل المناهج وتطوير الخطاب الديني .



ولذلك .. لا أجد بديلا عن مواجهة المسئولين من رجال الدين وعلى رأسهم رئيس الدولة ، فأنتم مسئولون مسئولية مباشرة ومطلقة عن كل الدماء أريقت في عهدكم والتي سوف تراق باسم الإسلام علمتم أو جهلتم وشئتم أم أبيتم ، وبيننا وبينكم علام الغيوب ، وكفاكم أنكم تمتلكون الفرصة والأدوات والقدرات التي يمكن أن تحد من إراقة الدماء حتى ولو كان دم شهيد أو بريء واحد ، ولديكم من القدرات والإمكانيات والصلاحيات والوقت ما تصلحون به ما فسد من الفكر والثقافة ومفاهيم الدين الرئيسية التي تم تدميرها ، ولم يتبقى من الدين إلا مراسم ومناسك وشعائر للمناسبات والمظاهر الاجتماعية ، بل وفسدت أخلاق الشعوب المسلمة وأهمها المصريين وأنتم لا تحركون ساكنا ولا يشعركم هذا بأدنى مسئولية لإعادة التفكر وتقدير الأمور وتحمل مسئولياتكم ومواجهة التحديات ، أو حتى الشعور بأن هناك أخطاء جسيمة في المفاهيم نتج عنها ما نحن فيه من كوارث ، واكتفيتم فقط بما كان ينادي به أجدادكم منذ ألف سنة ، بالدعوة لزيادة المناسك والشعائر والأخلاقيات والتقرب إلى لله والتي رغم تزايدها وتجاوزها لأضعاف ما كان المسلمون الأوائل يفعلونه منها ، إلا أنها لم تمنع انهيار المجتمعات المسلمة ، التي استمرأت تزوير المفاهيم والتشرذم والاختلاف بين الفرق والجماعات.

ولن أناقش مناهجكم ولن أدخل في صراعات مع المدافعين بالفطرة والانتماء دون فهم عن الأزهر ومناهجه ، ولكن يكفي منكم وفيكم أن تكون الفرق متوغلة ومسيطرة بينكم على معاقل الدين والعلم وكل ما يخص الشئون الإسلامية فنرى شيخا للإسلام صوفيا ومساعديه من الإخوان ورئيس الجامعة سلفيا ووزير الأوقاف سنيا أو سلفيا ، والجميع يعرف ويحفظ حكم الله في كل من انتمى لفرقة أو جماعة بأنه من المشركين لقوله تعالى في سورة الروم { .. وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} وقوله تعالى في الأنعام  {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ، ومع ذلك فكل منهم ينتمي لفرقة أو جماعة ولا يستحون أن يعلنوا هذا ويتفاخرون به ، ولا يجرمون من ينتمي للمتطرفين مطلقا حتى أن مفتي الإرهاب الغربي وعميل الموساد المسجل الملقب بالقرضاوي كان عضوا بكبار العلماء في الأزهر ومعظمهم لا يعاديه في الله ، بل وما زال بعضهم على علاقة به مستمرة ، وبعضهم يعتبر ما يفعله هذا المسيلمة الكذاب اختلافا في الرأي ، ولا يجدون فيما يراق من دماء الأبرياء والمسلمين باسم الإسلام ما يدفعهم لتحمر الوجوه فيستحون لوجه الله تعالى ، رغم أنهم يعلمون جيدا أن تعدد الفرق واختلافاتهم هي الأساس والحاضن لكل أنواع التطرف والإرهاب ولكنهم يبدو أن بعضهم أبدا لن يضحي بخسارة كهنوت الدين ومناصب الدنيا من أجل مجرد كلمة حق لوجه الله.

ولا أنكر أنه كثيرا ما يجتاحني شعور بأنهم لا يفهمون معنى الدين الحقيقي على أنه (أسلوب حياة) ، ويؤكد ذلك أنهم يؤكدون دوما بأنهم قد اكتفوا بحصرهم الدين في مظاهر الفروض والحدود وأسموه العلم الشرعي ليسبغوا على علوم الفقه (علوم فهم الأحكام) قدسية إلهية ، وتناسوا أو ربما جهلوا أن القرآن هو كتاب علوم الدنيا الأوحد والأصدق وتحتل آيات العلم البحت والخلق أكثر من (40%) من آياته منها ألف آية في خلق البشر والنفس البشرية فقط ، ولكنهم كما يؤكدون دوما للدنيا كلها بأنهم ليسوا أكثر من حفظة ، يرددون ما هو منقول لهم عبر علماء ماتوا منذ أكثر من عشرة قرون ، وكأنهم غير مكلفين بتعقل ما يقرأون ، فهم فقط يقولون به ولا يعرضونه على عقولهم ولا قلوبهم وأحسنهم فهما يتبرءون دوما من تحمل مسئولية أمانته ، رغم أنهم أول من يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد لام وعاتب المسلمين (لو كانوا مسلمين) في كتابه العزيز بقوله (يعقلون - يتفكرون - يفقهون - يتدبرن) في أكثر من مائة موضعا في القرآن الكريم ، وبالتالي فهم أبدا لن يتصدوا لمئات المدارس ودور الحضانة الإخوانية والسلفية والتي تحفر التطرف في عقول وقلوب ابنائنا وهم لا يحركون ساكنا ، وكيف يواجهونه ولديهم في معاقلهم مرتعا لأصول التطرف والتفرق ، وكفاهم أنهم متفرغون تماما للسفسطة وتسفيه بعضهم للبعض ، والصراعات الداخلية بين أصحاب الفرق والجماعات والرد المفحم والحاد على من لا يعجبهم كلامه ، بل ومقاضاة وملاحقة كل صاحب فكر أو من يفكر أو يحاول أن ينتقد أو حتى يقترب من إظهار بعضا من كوارث تقاعسهم أو أخطاء من ينقلون عنهم من علماء السلف ، وكأننا أمام نقابة الأزهريين المتفرغة للصراعات الكلامية ، وليست قلعة العلم ومعقل الفكر في الإسلام ، أو ربما يبدو أن القلعة هي الأخرى قد أصابها ما أصاب هذا الوطن عبر العقود بل والقرون السابقة من فقدان الوعي والاتجاه ، ولا ننسى أن من بنى الأزهر والقاهرة هم الفاطميون (أصل الشيعة) ، وكانوا يعلمون أنهم ينشئونه في دولة ليست شيعية ، وبالتالي كان لابد لهم أن يفرضوا فيه ناموسا غير مكتوب بعدم منع أي فكر لأية فرقة أو جماعة مهما كانت متطرفة أو شاردة فكانوا أول من زرع فتنة الفرقة والتشتت والأخطر بذور الشرك في الإسلام بتفريق أتباعه لفرق وجماعات مختلفة في تحدي صارخ لما نهانا الله عنه في سورة الروم ، أو هذا ما يفهمه عقلي وقلبي المتواضع القدر والوعي ، ولعلي أجد من يصحح لي مفاهيمي من علمائنا الأفاضل ممن يدركون أننا متحملون ثمن دماء شبابنا الأطهار السابقون واللاحقون ونحن ما زلنا في صراعاتنا الفكرية وليست الألهية المقدسة كما يدعي المضللون .

وأخير .. يبقى التساؤل الأهم والذي لا يجد إجابة شافية حتى الآن ، إذا لم يقم الأزهر بحقن الدماء ومنع إراقتها بقيادة هذه الأمة لتصحيح المفاهيم الرئيسية وبالتالي مسار الدعوة التي انحرفت بالتطرف عبر القرون الماضية حتى وصلت للإرهاب والإلحاد والشذوذ ، وكانت سببا رئيسيا في إسقاط المسلمين وتشرذمهم ، فمن سيعيد توحيد المسلمين ويمحو فكرة التشتت لفرق وجماعات ؟؟ ، ومن يستطيع غيرهم أن يصحح المفاهيم ومتى وكيف ؟؟ ، وهل يحتاج الأزهر لثورة فكرية كبرى ، خاصة وأنه كما يبدو قد فقد مصداقيته المطلقة والتاريخية بين العامة ، وربما يفقد أهميته الحقيقية وقيمته العلمية بل وربما وجوده الفاعل تدريجيا عبر السنوات القادمة والمليئة بالفتن المتسارعة الفكر والأحداث ، والتي هي كفيلة بإسقاط كل من لا يواكبها ويستطيع إقناع أجيالها بما يتوافق مع حقائق العلم في كتاب الله والمتوافقة مع العصر ومعدلات تطور البشرية والتي تجاهلها المسلمون الضعفاء بتفرقهم وتزويرهم للمفاهيم ، ولعل الكلمة تصلح بإذن الله أو توقظ نواما وغفلة ، فلا يملك بشر لبشر أو حتى لنفسه شيئا بين يدي الله وقدره ، فمن شاء رضا الله ورضوانه فليكن لله نصيرا لعله يصبح من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وإلا .. فالله غني عن العالمين وقادر على أن يبدل كل من فرط في أمانته بقوم يحبهم ويحبونه .. ، { ... وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز