عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الشوكومون .. ودين أم ليلى

الشوكومون .. ودين أم ليلى

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

ربما يكون العنوان غريبا ولكنه ليس من اختراعي الشخصي بل هي عبارات سمعتها من الدكتور مبروك عطية في كثير من حلقات برامجه على أحد الفضائيات ، ولا أنكر أن الرجل في حد ذاته يمثل كاريزما خاصة (حالة شخصية متفردة) ، حيث يتميز تواجده وأسلوبه وكلماته بطعم ومذاق ومزاج مختلف ، يحمل الكثير من خفة الدم والمروءة والرجولة والأمانة فضلا عن أصالة المصريين وتمسكهم بأصولهم مختلطا بكثير من العلم في مجال الفروض والحدود والأخلاق والمعاملات وهما فرعين من علوم القرآن السبعة تخصص الرجل فيهما خاصة علوم الفروض والحدود والتي يسمونها حقيقة بالفقه (الفهم) ، ويسميها كذبا بعض (الشوكومون) كذبا وادعاءا بـ (العلم الشرعي) ليسبغوا على أرائهم وشخوصهم (كمتحدثين به) كثير من القدسية الزائفة .



فالشوكومون كما يعنيها صاحبها تصف بسخرية أحوال من يتبعون أهواءهم وشهواتهم ليحلوا ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله ويدعون أنه الفقه في دين الله ، أو من يقيسون أحوالهم وحياتهم تبعا للأهواء ، فإذا كان مستفيدا من حكم فقهي فهو يتمسك به ويردده  وإلا فلديه من اختراعه ما لا حصر له من الأراء الفقهية الزائفة التي تعطيه هوى نفسه وشهواته ، وهنا لابد وأن نراعي أن الرأي الفقهي ليس هو الدين ولا الشرع ولكنه في النهاية فهم توصل له بشر بأدلة وبراهين من كتاب الله والسنة والأيدولوجية التاريخية ، وهو أيضا قابل للخطأ أو عدم توافقه عند تغير الزمان والمكان والبشر والظروف ، استنادا في النهاية على قول الله تعالى  {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ } القيامة 14 ، 15، فكل إنسان بصير على نفسه ومسئول وحده أمام الله عن نواياه وقراراته وأفعاله ولا أحد سواه استنادا إلى قول الله تعالى  {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38 ، ولكن ما يوصف بـ (الشوكومون) من فهم وتصرفات الناس فهو ما كان منحرفا ومتجاوزا ، إما بالتشديد على النفس والغير بمنطق أن صاحبه يفهم وحريص على دين الله أكثر من الله ورسوله ، وإما بالتفريط والتهاون واتباع المصلحة والشهوات والمزاج ، وفي كلاهما تماديا واعتداء على حدود الله تبعا لأهواء النفوس حتى اعتاد الكثيرون أن يبتدعوا فقها يرضى أهواءهم .

أما دين أم ليلى .. فهي عبارة تقول .. أن كثير من أحكامنا الفقهية تبتدعها النساء في جلسات النميمة اليومية أو الدورية وتفرض وتنفذ في البيوت وعلى الأزواج والأبناء ، ولا أساس لما يفعلونه في الفقه ولا في في أصول الدين ، ولا عجب في ذلك حتى أننا مثلا ندعي وندرس لأبنائنا وأجيالنا عبر أكثر من ألف سنة أن علم أصول الدين هو المختص بالتوحيد والعقيدة في إطار الفروض فقط وبالتالي أصول الدين لا تمس إلا نوعين من سبعة أنواع من العلوم التي يزخر بها القرآن الكريم ولا تزيد آياتهما عن 10% من القرآن الكريم ، ونتغافل وننسى أن العلوم البحتة وعلوم الخلق والكون هو العلم الأساسي في كتاب الله ولذلك فهو العلم الوحيد في كتاب الله الذي تمثل آياته أكثر من (40%) من آيات القرآن ، ولكنك لن تجد كتابا مسلما واحدا في هذه العلوم ، لأن مفاهيم الإسلام تم تزويرها بمنتهى البساطة وصدق المسلمون أكذوبة أن أي علم بخلاف الفروض والحدود هو علم ثانوي (فرض كفاية) والعلم الوحيد الأصلي هو (فرض عين على كل مسلم) هو علم الفروض والحدود وتلك هي الكذبة الكبرى وأهم أسرار تخلف المسلمين الذين سادوا الدنيا بالعلم ثم تحولوا بهذا البهتان لدراويش متخلفين يجيدون الشعوذة والدجل والتواكل والكسل والاختلاف والصراعات ولا علاقة لهم بالعلم .

فإذا كنا كمسلمين رسميا ودينيا وتاريخيا أنكرنا وتجاهلنا علوما أنزلها الله لنعمر الأرض بها ولذلك جعلها تحتل أكثر من 40% من قرآنه العظيم وأثبت صدقها أن كثير من الكافرين بالقرآن والإسلام أنشأوا معاهدا لدراسة علوم القرآن البحتة رغم أنهم ليسوا بمسلمين ، فكيف نتعجب لو تفشى بين العامة والجهلاء مباديء الشوكومون ودين أم ليلى ، ولا عجب أيضا أن يكون حالة { الشوكومون ودين أم ليلى } قد تفشت لدرجة أننا جميعا من ضحاياه ، حتى محدثي صاحب هذين التعبيرين كثيرا ما ينفعل وتصدر منه عبارات وألفاظ لا توصف إلا بالشوكومون ، فلا ناج مما تورطنا فيه إلا ما رحم ربي ، فكلنا خطاء وكلنا قد تأخذه العزة بالإثم والغرور والكبر فضلا عن الشهوات والأهواء في ظل فتن الدنيا ووسوسة الشياطين حتى أن معظمنا أحيانا قد تجبره الدنيا على ما يرفضه قلبا وقالبا ، ولكن في النهاية يبقى للإنسان قدرته على مراجعة نفسه واكتشاف أخطائه والإصرار على إصلاحها وتقويم نفسه أملا في رضا الله وكرمه طبقا لمنطق الإبرار والملتزمون مع الله ، أو بمنطق الحكماء والعلماء طمعا في حياة طيبة وممتعة في الدنيا ، لأن ناموس وقوانين الحياة والخلق بكل علومها البحتة تثبت أن الانحراف الأخلاقي والجسدي يدمر حياة الإنسان علميا وعمليا ويحولها لرحلة عذاب في جحيم أرضي متصل ومستمر حتى الموت .

أخيرا .. لا أعتقد أن الشوكومون ودين أم ليلى .. هي حالة عابرة أو منتهية بل هي حالة مستمرة ومتجددة بين البشر طالما ابن آدم مصرا أن يبتدع ويأتي بالجديد في كل شيء من منطلق حرية الإبداع ولا حدود عنده حتى فيما يعلم تماما أن ربه الذي خلقه (وهو أعلم منه بما يصلح حاله) له فيه حكما وقرارا ، ويكفي ما نراه في شوارعنا وبيوتنا وعلى صفحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والفضائيات من فوضى الابتداع وتخريب القيم والمباديء تحت مسميات وشعارات الحرية والرأي والاستمتاع بالحياة بل والفقه والعلم الشرعي ، وهو ما يدفعنا جميعا أن نسأل ونتسائل عن دور الدولة الذي ما زال متخبطا فكريا وثقافيا ولم يدقق استراتيجيته الفكرية كما ينبغي ليتوافق مع المستهدف الاستراتيجي لهذه الدولة التي تحتاج لتوحيد الاستراتيجية الفكرية والنفسية لشعبها بتنقيح دينها وتدقيق مفاهيمه المضللة والمزورة عبر قرون طويلة ، وهي مهمة لا ولن يستطيع من نسميهم رجال الدين القيام بها وحدهم لأنهم هم أيضا ضحايا لما وقع فيه العامة ، ولا يملكون فكرا يستطيعون به تقويم ما انحرف مفاهيمه خاصة وأن فيهم من هم أساس لكثير من ضلال المفاهيم على اعتبار أنه فكر وعلم وهم مصرون عليه رغم يقينهم أن ضلال المفاهيم قد فرق وقسم أمة واحدة لأكثر من سبعين فرقة ، ولذلك تبقى المسئولية كاملة على عاتق من يديرون هذه الدولة لو أرادوا حقا تحقيق النجاح فيما يحلمون به ويسعون له ... والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز