عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الشباب والكراسي والبرنامج الرئاسي

الشباب والكراسي والبرنامج الرئاسي

بقلم : د. عصمت نصار

منذ قرابة عامين وبالتحديد 16/9/2015 كتبت مقالاً بعنوان "أكاديمية لتربية الرأي العام القائد" وذلك على صفحات بوابة روز اليوسف، وجاء فيه أن إعداد النخب وصناعة العقول وتدريب القيادات من الأمور التي شغلت المخططون للأمم الناهضة، لذا حرص الرأي العام القائد على بناء المدارس كخطوة أولى لتخليص المجتمع من قيود الجهالة وسجن الأمية وتهيئة العقول لاستيعاب شتى المعارف للاستفادة منها في تدبير شئون المجتمع، ثم تشييد المنابر الثقافية والمنتديات الأدبية التي عكفت بدورها على تشكيل المجالس العلمية والحلقات البحثية والصالونات الأدبية، وذلك لإعداد الطبقة الوسطى المستنيرة لتصبح حركة الوصل وحجر الزاوية بين السلطة الحاكمة والرأي العام التابع، ذلك فضلا عن دورها التوجيهي والتربوي لخرق ما نطلق عليه الروح الجمعي والذوق السائد وتوحيد الولاءات وتحديد الثوابت والمتغيرات في العادات والتقاليد والقيم والأخلاق والموروث والوافد.  



نعم ذكرنا ذلك واستعرضنا تطور جهود الدولة وقادة الرأي من المصلحين لإعداد ظهير سياسي وطني من الشباب لقيادة المجتمع وذلك منذ برنامج محمد عبده في العقد الأخير من القرن التاسع عشر إلى أخريات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك للتأكيد على أن البرنامج الرئاسي الذي أزمع السيسي تنفيذه -آن ذاك- من أعظم المشروعات الإصلاحية التي ترمي إلى إعادة بناء الطبقة الوسطى التي أعياها التشتت وأقعدها اليأس وحال الجهل والتطرف بينها والقيام بوظيفتها في إنهاض المجتمع. كما بينا أن الغرض الرئيسي من الإسراع لتفعيل هذا المشروع هو خلو الأحزاب المصرية من الكوادر التي يمكنها حمل المسئولية والمشاركة الإيجابية في التخطيط والقيادة، الأمر الذي يضطره في معظم الأحايين إسناد الكثير من الأمور للمؤسسة العسكرية، وذلك ليس تحزبا أو المضي في ما يطلقون عليه عسكرة الدولة بل غيبة الكوادر أو إن شئت قل غيابها عن مسرح الأحداث أو بعدها عن المشهد السياسي والعمل العام، وأعتقد أن الواقع المعيش خير دليل على ما أزعم.

وقد سعدت كثيرًا ببدء مشروع السيسي تحت عنوان "البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة" في 6 فبراير 2016 وقد تخرجت الدفعة الأولى منه في نوفمبر من نفس العام، بعد تثقيف المشاركين بالعديد من المعارف السياسية والإدارية والاجتماعية عقب الاستعانة ببيوت الخبرة الخاصة بإعداد الكوادر الشبابية في الداخل والخارج، وذلك في وضع المحتوى المعرفي والعلمي والتدريبي الذي استغرق ثمانية أشهر.

ولا ريب في أن البدايات مبشرة إلى حد كبير وقد تابعت ذلك من خلال ما كُتب وما شوهد من وقائع في الدورات واللقاءات التي كان السيد الرئيس أحرص ما يكون على حضورها للتحاور مع الشباب حول قضايا الساعة. ولعل قلة المعلومات والبيانات عن مضمون المعارف التي وضعت في البرنامج هي التي أقعدتني عن نقد البنية المعرفية والمنهجية للبرنامج، أما ما كُتب عن مصير الخريجين هو الذي جعلني أشعر بأن هناك ازدواجية في إستراتيجية البرنامج الرئاسي وعدم وضوح الغايات أو إن شئت قل تحديد المرامي منه، فبعض خريجي الدورة الأولى قد عادوا إلى وظائفهم وأعمالهم، والبعض الأخر عُين في أجهزة الدولة (مساعدين للوزراء أو محافظين)، مع العلم بأن الصفحة الرئيسية الخاصة بالبرنامج أكدت على أن ليس من مهام هذا المشروع إيجاد فرص عمل للشباب وتوظيفهم، ولا تشكيل منظمة شبابية تكون بمثابة ظهير سياسي لينمو فيصبح حزبًا يدافع عن القيادة العسكرية للدولة.

وأعتقد في ضوء المعلومات التي وقفت عليها يجب إعادة النظر في إستراتيجية المشروع لتحديد وجهته. هل يرمي إلى إعادة بناء الطبقة الوسطى على أسس حديثة تمكنها من محاربة الفساد وكل مظاهر التطرف في المجتمع، أو أن البرنامج يهدف إلى إعداد كوادر شبابية لإدارة شئون الدولة والمشاركة الإيجابية في الحياة الحزبية والإشراف على المؤسسات الحكومية والجمعيات الأهلية وحل المشكلات والأزمات الحياتية للمجتمع.

وبموجب تحديد الهدف والغاية تتمكن الهيئة الرئاسية من وضع البرنامج المناسب، فثمانية أشهر من الدورات التثقيفية لا يمكنها أن تصنع قيادة، كما أن معايير اجتياز هذه الدورات غير معلنة، هل هو النجاح على غرار الدورات التي تعقدها المؤسسات والهيئات الحكومية أم هو شيء أخر، وهل من ضمن البرنامج الذي يريد تخريج قيادات دورة تدريبية على التفكير الناقد واتخاذ القرار، الأمر الذي يمكن الطلاب من اجتياز الاختبار الرئيسي الذي يلزمهم بوضع تصورات لإدارة الأزمات وحل المشكلات المختلفة التي تعوق المجتمع عن تقدمه أم لا؛ ويتراءى لي ضرورة الفصل في البرنامج الرئاسي بين شعبتين أولهما تعمد إلى تثقيف الشباب وإعادة بناء الطبقة الوسطى على أن تتسع قاعدتها لتشمل كل المحافظات ويشيد في كل منها مقرًا لهذا الغرض، وذلك لاستيعاب 500 طالب في كل دورة بالشروط والقواعد السابقة؛ وثانيها تنصرف جهودها لإعداد القيادات وهي تحتاج بطبيعة الحال إلى مدة أكبر وبرنامج مغاير للشعبة الأولى، ولجان بحثية تعمد إلى:- وضع خطط لإدارة الأزمات، واستطلاع الرأي والتقصي لمد القيادات بنبض الشارع، والإعلام والإشراف على هيئة الاستعلامات ومحاربة الشائعات، والارتقاء بالذوق العام وذلك لإصلاح ما فسد في أجهزة التواصل الاجتماعي والأغاني والمسلسلات والمطبوعات.

وحسبي أن أكرر إن هذا المشروع الرئاسي سوف يساهم مساهمة فعالة في حل معظم مشكلاتنا وعلى رأسها قضية الولاء والانتماء وإعادة المجتمع إلى تصالحه وتماسكه والحد من ظاهرة التطرف والقضاء تدريجيا على ظاهرة العنف.

وإذا ما تم ذلك سوف نبارك للشباب لأنه اعتلى موقعه من الوظائف ونجح في احتلال موضعه على الكراسي دون واسطة ولا محسوبية بل بمقتضى اجتيازه الدورات والاختبارات في البرنامج الرئاسي.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز