طارق حبيب وملفاته عن ثورة يوليو!

بقلم : رشاد كامل

لن ينتهى الكلام عن ثورة 23 يوليو سنة 1952 التى أتمت اليوم الأحد عامها الخامس والستين، ولن ينتهى الجدل حولها.. سواء بالاتفاق والتأييد التام أو الاختلاف والهجوم عليها.

وما أكثر البرامج سواء الإذاعية أو التليفزيونية التى تحدثت عن ثورة 23 يوليو على مدى سنوات طويلة، لكن يبقى أهم عمل توثيقى وتاريخى عن الثورة هو ما قام به المذيع اللامع «طارق حبيب» رحمه الله، تحت عنوان: «ملفات ثورة يوليو» وهو حصيلة حوارات تليفزيونية أجراها مع 122 شخصية من صناعة ومعاصرى ثورة يوليو.

أذكر أننى شاهدت هذه الحلقات منذ نحو ربع قرن أو أقل على إحدى الفضائيات الخاصة، وسرعان ما أصدرها «طارق حبيب» فى كتاب مهم عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، والكتاب تفريغ للحوارات التليفزيونية التى أجراها مع هذه الشخصيات!

خمس سنوات كاملة استغرقها طارق حبيب فى تسجيل هذه الحوارات التى تم طرحها بعد ذلك فى شرائط فيديو، وللتدليل على أهمية هذا العمل التاريخى التليفزيونى بادر الدكتور يونان لبيب رزق بكتابة مقدمة رائعة، كتبها بقلم وعين المؤرخ النزيه والموضوعى، وصفه بأنه «عمل غير مألوف من خلال حوارات غير تقليدية أن يستخرج من سرائر من حاورهم كثيراً مما يرقى إلى مرتبة الأسرار، فقد نجح فى المزج بين الشهادات على نحو غير مسبوق، وهو المزج الذى أفرز صورة تعجز كل شهادة على حدة عن تقديمها، وهو بذلك أدخل بعض تقنيات الأفلام السينمائية والتليفزيونية فى الكتابة التاريخية!!

ويعترف الأستاذ طارق حبيب بأن هذه الحوارات التليفزيونية أو هذا العمل التليفزيونى لم يكن القصد منه هو التأريخ أو القيام بدور المؤرخ وإنما كان تسجيل مختلف الروايات من أفواه أصحابها قبل أن يمضوا ونمضى فتضيع الحقيقة وتتوه الوقائع وتتشوه بمرور الزمن!

فى هذه الحوارات رأينا لأول مرة على شاشة التليفزيون الملكة السابقة «ناريمان» الزوجة الثانية للملك فاروق وجيهان السادات ود.هدى جمال عبدالناصر، والملكة دينا ملكة الأردن السابقة ومن أعضاء مجلس قيادة الثورة خالد محيى الدين وكمال الدين حسين وعبداللطيف البغدادى وحسين الشافعى، ومن الضباط الأحرار د.محسن عبدالخالق، إبراهيم بغدادى، توفيق عبده إسماعيل، ثروت عكاشة، عباس رضوان، عبدالمحسن أبوالنور، والمفاجأة أن تجد فى هذه الحوارات وزير الحربية فى زمن عبدالناصر «شمس بدران» يتكلم لأول مرة ــ وربما آخر مرة ــ! وكذلك سترى اعترافات «مأمون الهضيبى» نائب المرشد لجماعة الإخوان وعشرات الأسماء المهمة ومنها المهندس عزيز صدقى وعثمان أحمد عثمان وحسن عباس زكى «وجمال عامر» نجل المشير «عبدالحكيم عامر» وغيرهم.

هذه الحوارات التليفزيونية المهمة والمثيرة تروى تاريخ مصر خلال السنوات السابقة على الثورة ثم فترة جمال عبدالناصر وتولى أنور السادات مقاليد الحكم بعد ذلك!

نجح «طارق حبيب» من خلال ضيوفه أن يلقى الأضواء من جديد على أحداث ووقائع بها من نقاط الخلاف أكثر من نقاط الاتفاق مثل العلاقة بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، وعما إذا كانوا جميعاً قد ارتبطوا بصلة أو بأخرى بهذه الجماعة، وعلاقة بعض هؤلاء بالشيوعيين والعدوان الثلاثى سنة 1956 وحرب يونيو 1967 وفاة جمال عبدالناصر وتولى أنور السادات من بعده.. إلخ.

باختصار شديد هذا عمل تليفزيونى شديد الاحترام والرقى، أنجزه فرد واحد أحب مهنته وأخلص لها وهو جهد كان ينبغى أن تقوم به وزارة الإعلام ــ قبل إلغائها ــ أو وزارة الثقافة.

تحية لطارق حبيب ــ رحمه الله ــ ولعل التليفزيون المصرى يتحمس لعرض هذه الحلقات فى قناة «ماسبيرو زمان».. أتمنى ذلك.