عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الموت الرحيم

الموت الرحيم

بقلم : أمل حجازي

   عندما تعاندك الظروف، عندما تكبلك القيود، ويخنقك المفروض واللازم، قد تضطر لإجهاض حبك قبل أن يكتمل نموه. أكره كثيرا تلك الكلمة؛ " الإجهاض" فهي تحمل كل القسوة وكثيرا من الألم. فهي محاولة قد تكون مشروعة للأسف في بعض الأحيان عندما نتأكد تماما أن الآتي قد يكون مشوها ولن تكون به سعيدا أبدا، ومجيئه لن يجلب إلا الألم والعذاب. ولكن من أنت لتقرر ذلك؟ من أنت لتقتل؟ هل من حقك أن تقتل بأي من الاشكال؟




    تلك قصة صديقتي التي كانت تعيش قصة حب جميلة. كانت تحكي لي تفاصيل تلك الدقة الجديدة التي طرقت أبواب قلبها. كانت تحكي لي وكنت أرى أمامي فراشة محلقة تطير من الفرحة بتلك المشاعر الجديدة التي أصابت قلبها. كانت تحكي وكنت أخشى عليها من هذه السعادة المفاجئة التي غمرت حياتها...نعم كنت أخشى عليها من حلاوة الحلم الذي تعيشه؛ فمثلما ينسيك الحلم الجميل واقعك المزعج قليلا   فقد توقظك صفعة من الحياة. ولم تخيب ظنوني للأسف؛ فلم يكتب النجاح لهذه القصة. اعتذر البطل عن تكملة الرواية التي كانوا يشتركون معا في كتابتها. انسحب وترك أميرته الهائمة تعاني أعراض انسحاب الحب من دمها! ولأنها صديقتي فكنت قريبة منها في هذه الأيام الصعبة وكنت أشاهدها تعاني وتتألم ولم أستطع أن أحرك ساكنا.   


  عندما تقرر أن تمسح كل رسائلكما القديمة حتى لا تتذكر كلمات الحب التي كان يقولها لك يوما. عندما تحاول أن تنسى كيف كان يداعب قلبك بهمساته، كيف كانت تعليقاته تضحك، كيف كان يرقص قلبك فرحا عندما تعرف أنه يراقبك من بعيد، حتى ولم تتحدثا، فقد كان يكفي أن تشعر بأنفاسه التي يتشوق بها إليك.


  عندما تتحدث فجأة عنكما كل كلمات الأغاني...عندما تدغدغ مشاعرك كلمات أصالة لحبيبها وهي تقول له: " حبيبي...آه لو كنت تشوف...قلبي ازاي ملهوف...وأنت بعيد عنه...ده مالوش غير سيرتك وايايا...قول للبعد كفاية ...وارجع طمني". أو ربما تقتلك كلمات الست عندما يصيبها الشوق واللوعة فتقول لحبيبها الغائب: " غلبني الشوق وغلبني...وأنا البعد دوبني". أو ربما تستفزك كلمات أغنية     سميرة سعيد وهي تقول بكل قوة: " بالعكس حتى أنا حاسة مرتاحة وسعيدة... مطلعش أنها حاجة وحشة أني أعيش وحيدة" فتتذكر أن حبيبها ربما لا يستحق كل هذا العذاب!


  عندما تتذكر انه تركك وفضل حياته بعيدا عنك على أن تكملا سويا، فتعيد كل ذكرياتكما سويا ويتسرب الشك لكل شيء في قلبك؛ هل كان فعلا يحبك؟ هل يتعذب من أجلك فعلا؟ هل يشتاق إليك فعلا كما تموت أنت شوقا إليه؟ هل كان يشتهي حبك فعلا؟ كل تلك ال "هل" تتخلل مشاعرك وتبعثر حالك من جديد وكأنك بحاجة لمزيد من الفوضى في قلبك!


  شعرت بالأسى كثيرا وأنا أرى صديقتي تتعذب هكذا. شعرت بالعجز وأنا التي كلماتي تساعد الكثيرين وها أنا لا أستطيع أن أساعدها. فكيف أقل لها أن تنسى حبا ازدهرت ورود حياتها عندما عثرت عليه؟ كيف لها أن تسكت دقات قلبها عندما تتذكره؟ كيف لي أن انسيها كلمات الحب التي كان يقولها لها حتى أدمنتها؟ كيف لها أن تنسى صوته، ضحكته أو حتى ضحكتها معه؟ كيف لها أن تنسى كيف كانت هي عندما كان هو موجودا؟ هل ستستطيع العودة مرة أخرى إلى نفسها؟


كم يكون الفراق قاسيا عندما يتحتم عليك أن تودع من تحب. كم يكون الوقت مؤلما عندما يتعلق قلبك بحبيب غائب. وكم يكون الوداع قاتلا عندما تعرف أنك لا تودع فقط شخص أحببته يوما ما، بل أنك تودع معه قلبك وروحك التي مازالت عالقة به!


  آه من الحب ...ذلك العذاب الذي يحمل كل حلاوة الدنيا.  هو متعة كل الأشياء عندما تدب في قلبك الحياة. ولكن لماذا نتعذب كل هذا العذاب من أجل من نحب؟ لأي مدى مسموح لك أن تتحمل قدرك من العذاب؟ كان علي أن اساعد صديقتي على نسيان هذا الحب. كان علي أن اساعدها أن تطلق رصاصة الرحمة على هذا الحب حتى ترتاح، ولكنني كنت أخشى كثيرا على قلبها أن تصيبه هو أيضا تلك الرصاصة فلا يعود صالحا للحب ثانيا. لم أعد أعرف هل يمكن أن نعطي حبها فرصة أخيرة للحياة؛ فلا نقتل حبا كان الحياة لقلبين، هل علينا أن نلق له بطوق النجاة قبل أن يغرق؟ أما أن في بعض الحالات يكون الموت الرحيم هو الحل؟
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز