عاجل
الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
فتوى الـ«كشك» تصل إلى «ماري جرجس»

فتوى الـ«كشك» تصل إلى «ماري جرجس»

بقلم : محمد مصطفي أبوشامة

يُعرَف الـ«كُشْك» في معاجم اللغة بالكوخ أو الدكّان أو الحجرة، وجمعه «أكشاك». وقد وجد الـ«كشك» نفسه ذات صباح من نجوم الإعلام، بعد أن تعاوَنَ مجمعُ البحوث الإسلامية مع هيئة مترو الإنفاق لإنشاء خدمة جديدة للمواطنين، بتوفير حجرات مخصَّصَة لتزويدهم بالفتاوى الدينية عبرَ متخصصين من علماء ومشايخ الأزهر. وكانت محطة «الشهداء» (مبارك سابقاً) في ميدان رمسيس بالقاهرة أولى المحطات التي خُصِّصت بها حجرة لهذا الغرض تم افتتاحها قبل أيام، وأَطلَق عليها الإعلامُ «كشكَ الفتوى».



وكالعادة تباينت ردود الفعل، بين ترحيب من البسطاء وعموم الشعب، وسخط وتخويف من النخبة وبعض المثقفين، وأحترِم وأقدِّر كل الآراء وإن كنتُ أعتقد أن «المشروع» تجربة واجتهادٌ محمودٌ من مجمع البحوث التابع للأزهر، ويؤجَر عليه، مثلُه كمثلِ المجتهد في أمور الدين سواءً أخطأ أو أصاب، وأتمنى فقط من المعترضين أن يجربوا بأنفسهم ويزوروا «الكشك»، وألا يكتفوا بالمبالغة في خطورته على الدين وقُدُسِيَّتِه وعلى الدولة ومدنيَّتِها.

وكالعادة أيضًا أَبْدَعَت القريحة المصرية في السخرية من الـ«كشك» لحدٍّ يسحر القلوب، ويُفجِّر الضحكاتِ التي تخفف آلام المخاض الذي تعيشه الدولة المصرية، ويضمِّد جراحَ المعارك التي تُدمِي قلوب المصريين يوميًّا، ويعتب البعض على هذه السخرية ويُحمِّلُها أكبر مما تحتمل، ويصفها آخرون بأنها عاملُ هدمٍ وضدَّ الدولة، وأراها إكسيرَ حياةٍ وسرًّا من أسرار البقاء ورثناها عن أجدادِنا، جيلًا وراء جيل، وأضفنا إليها مع كل عصر ما يناسب من «إيفيهات» تُبقِي البسمة خالدة على وجه شعب النيل الذي لا يعرف المستحيل.

لهذا لم أتمالَكْ نفسي من الضحك، عندما قرأتُ إحدى «القلشات» الصحافِيَّة التي ادَّعت أن مواطنًا دخل على «كشك الفتوى» بالمترو يسأله: هل يجوز للمسلم النزول في «ماري جرجس»؟.. ولمن لا يعلم فإن محطة «ماري جرجس» هي واحدة من محطات الخط الأول لمترو الأنفاق خط (حلوان – المرج).

وهذه «القلشة» تُشبِه أخرى لطبيب ومثقف مصري أحترمه وأقدِّرُه، ولكنه وصل إلى حدٍّ من المبالغة  في مهاجمة مشروع «الفتوى في المترو» اقترب من الهزل، حيث وصفه بأنه خطوة على الطريق لظهور جماعة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الشهيرة في السعودية)، وهي مبالغة حارقة لا أتفق معها، ولا يمكن لعاقل تصوُّرُها.

ويمثل خروج المشايخ إلى الناس لإرشادهم في أمور دينهم تطوُّرًا مهمًّا قاده الأزهر مؤخرًا، فقدَّم نماذج مهمة ومؤثرة، منها تجربة «فِرَق الوَعْظ» التي انتشرت وخرجت لتوعية رواد المقاهي قبل شهور، وهو خروج فَرَضَتْه الضرورات والمخاطر التي تحيط بمجتمعنا، وليس خطر الإرهاب فقط هو الداعي لذلك، يكفي ما يُحاصِرُنا من دعوات تحَلُّلٍ وتفكُّك وانهيار أخلاقي، حتى أصبح العقل المصري بين شقَّيْ رحى الإرهاب والإلحاد، يطحنان ثوابِتَه وقِيمَه ومعتقداتِه ويدمِّران ما بقي من إنسانيَّتِه.

إننا أمام ضرورات تستدعي أن نشجع على أيِّ خروج عن التقليدية، ونحفِّز كلَّ تطور حتى لو حمل قدرًا من الخروج عن المألوف، والعجيب أنه في الوقت الذي تصرخ فيه أصوات تطلب التجديد، تُطِلُّ علينا وجوه تسخر وتزوم وتثبِّط العزم وتلوم.

وإلى هؤلاءِ وغيرِهِم أقول: إن النزول في «ماري جرجس» حلال، ومحبَّتها تُغني عن أيِّ سؤال.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز