عاجل
الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الإنسان قبل القانون .. يا سادة

الإنسان قبل القانون .. يا سادة

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

عذرا لو كانت كلماتي هذه قد تمس فكر الكثيرين فلست (حاشا لله) مسفها ولا معترضا على رأي أحد ، فالاختلاف لا يفسد للإنسانية قيمة ، وليس غريبا أننا اعتدنا البحث وإيجاد الشماعات المستساغة والخادعة للتغاضي عن الحقيقة لمجرد التخلص أو إخفاء الحقيقة سواء لعدم الإدراك أو لغيره من الأسباب ، فالخالق العظيم قال في محكم تنزيله  {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54 ، فالإنسان محترف للجدال بفطرته خاصة لو سقط أسيرا مشتتا بين رغبات وشهوات نفسه وفتن الدنيا من حوله ووسوسة شياطينه ثم قيم دينية ومجتمعية على الطرف الآخر ، فتختلط عليه الأمور وتغشى عنه الحقائق وتستوي عنده الأسباب والنتائج ،  {.. وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة251.



ولعلنا خلال السنوات الأخيرة رأينا ومارسنا وعشنا قمة السقوط الأخلاقي والمجتمعي التي لم نعهد مثلها من قبل ، إلا في بعض سنوات ما بعد نكسة يونيو 1967م ، والتي كانت تداعيات منطقية للنكسة والفقدان الجزئي للثقة ، والتي ساهم في استعادتها سريعا عدم وجود هذا الزخم الإعلامي والتواصل الاجتماعي المفسد بكل معان الكلمة والذي نعاني منه كشعب منذ أكثر من عقد كامل تفاقم في السنوات الستة الماضية خلال فوضى الربيع العربي ، والتي صنعت من عبده موتة والألماني وحبيشة واللمبي ونجوم { ذا فويس والبيلي دانسر والراب والآراب أيدول وخمسة مواه} ونجوم كرة القدم وهوليود وبوليود رموزا شعبية وقدوة متفجرة بين شبابنا ، والتي لا ننكر ولا نتنصل كجيل الآباء والأمهات من تحمل مسئولية الوصول لهذا المستوى ، فنحن الجيل الذي مهد الطريق لحدوث كل هذا فلولا الصمت على إفساد مبارك المجتمعي أكثر من 30 سنة واستمراء تفشي ممارسة الرشوة والاختلاس والنهب والواسطة والعهر النفسي في ظلال غيوم وضباب الفن والإبداع والتسلية ولتفريغ الطاقات والمكبوتات النفسية ، ما وصل الحال لتصبح مستويات القيم الأخلاقية بهذا التدني ، وما احترفنا الهروب من الحقائق وتصديق أكاذيبنا واحترافنا ابتداع الشماعات لتعليق أخطائنا عليها مثلما نفعل يوميا فإلقاء اللوم والعويل واتهام الحكومة والدولة حاليا بالفشل في إصلاح المجتمع وسلبياته ، وأخطرها سلبيات أبنائنا فنحن أيضا من اعتنق أفكار عدم السماح لأبناءنا بالتعرض لمصاعب الحياة وضرورة توفير كل سبل الحياة السهلة والمريحة فأخرجنا أجيال كسولة بلا قدرات أو إمكانيات نفسية أو عملية ولا يجيدون سوى الشكوى والانتقاد والتنطع والبحث عن واسطة أو فرصة والتظاهر لطلب الحق في الوظيفة الحكومية والحوافز والزيادات بلا عمل مقابل أو ضمير ، حتى أصبح لدينا أكثر من نصف مليون شاب مصري يعملون عمالا في أكثر من 140 ألف مشروعا وشركة سورية أنشأها ويمتلكها الشباب السوري والذين دخلوا مصر هاربين من ويلات الحرب في بلادهم فأصبحوا في سنوات قلائل أصحاب أعمال بجهدهم وعرقهم وكدحهم المشكور .

والأمثلة على شماعاتنا التي لا تنتهي كثيرة ، وربما كان أبرزها وأكثرها شهرة حملة (التاء المربوطة) وهي كلمة حق يراد بها باطل ، ومحاولة لدفن الرؤوس في الرمال وتعليق فشلنا في التربية المجتمعية والحفاظ على تقاليدنا وقيمنا الدينية والفكرية على شماعات أخرى عكس الحقيقة حتى رأينا البعض يرى أن العري والملابس الفاضحة التي تصف مفاتن جسد الأنثى في فضائياتنا وشوارعنا لا علاقة له بما يحدث وليست من أهم وأبرز أسباب التحرش والاغتصاب وتفشي العلاقات المحرمة ، مما يجعلني أن أتخيل أحيانا أن الراقصات وفتيات النوادي الليلية يمارسون أعمالهم  مرتديات للحجاب والملابس المحتشمة ، أو أن هؤلاء الصارخون يحقوق حرية العري لا يغلقون أبواب منازلهم ليلا أو عند خروجهم ولا يضعون أموالهم وثرواتهم في البنوك أو في مكان أمين ، واثقين أن عرضها بلا حارس لن يكون سببا في إهدارها وسرقتها ، وإلا فكيف سادتي الكرام تحمون ثرواتكم وممتلكاتكم المادية الجامدة بإخفائها وحراستها ، ولكنكم تريدون أن تعرضوا ثرواتكم البشرية المتمثلة في مفاتن نساءكم وبناتكم نهبا للعيون ثم تعلقون الاعتداء عليها ومحاولة سرقتها على شماعات التربية والأخلاق المهدرة باستنفار وإثارة الغرائز والشهوات بالعري .

ثم على سبيل المثال لا الحصر ذلك السؤال المقدم لرئيس الجمهورية من أحد الشباب عن عجز الرئيس والدولة عن تحقيق القضاء الكامل على الإرهاب رغم التفويض الشعبي الذي طلبه الرئيس وناله من الشعب في 2013م ، وهو سؤال تردده قنوات الجزيرة ورصد الإخوانية في محاولة للنيل من مصداقية الدولة المصرية والرئيس السيسي ، ولكن الأخطر أن كثير من العامة يستسيغه ويردده بلا وعي في محاولة لتعليق الفشل المجتمعي في مقاومة الفكر الإرهابي محليا وإقليميا بل ودوليا على شماعة الرئيس والدولة ، وكان الرد عليهم صادقا ومنطقيا وشفافا بقدر لا يقبل الجدال ، إلا ممن يتعمدون الهدم والتخريب الفكري للمجتمع ، وكان أولى أن نتذكر أننا كشعب من منحنا تجار الدين الفرصة كاملة لينمو فكرهم وبهتانهم بيننا ، بل ومنحناهم فرصة أن يحكموا مصر في غفلة من وعينا المجتمعي ، وأولى بنا أن ندرك جيدا أننا ما زلنا نتستر على فلولهم الفكرية بيننا ، وكثير منا ما زال يصدق أن هؤلاء قد يمثلون الدين ويقع ضحية لهم بعضا من شبابنا الذي نفاجئ به يفجر نفسه ليقتل غيره باسم الدين .

ثم مثال آخر يتكرر كثيرا في الفترة الأخيرة خاصة بعد مساحة الرأي الفسيحة التي يتمتع بها المصريون وفي ظل فشل رجال الأعمال في الفوز كسابق عهدهم بكثير من المناقصات الحكومية كنتيجة مباشرة للنشاط الغير مسبوق للجهات الرقابية ، فتعالت الأصوات المطالبة للحكومة والمجالس النيابية بتصحيح حزمة كبيرة من القوانين بحجة أن بعضها منذ العصر العثماني وتعوق التطور والإجاز ، خاصة قوانين التعامل المالي والتجاري لمؤسسات الدولة مثل قوانين المناقصات والممارسات ، ولا شك أن هناك مشكلة لا تنكر في المناقصات والممارسات تحديدا ، ولكن المشكلة الحقيقية التي يتناسها الكثيرون ليست في القوانين ، بل من العجيب أن القوانين المصرية التجارية بلوائحها التنفيذية تحديدا تعتبر أفضل كثيرا من مثيلاتها من القوانين واللوائح في دول عظمى وفي معظم الدول النامية ، فليس لدينا مشكلة في التشريع أو اللوائح التنفيذية ، فالمشكلة الرئيسية في الإنسان المنفذ والمتعامل مع القوانين ، المشكلة في الضمائر التي احترفت إيجاد وابتداع الثغرات في القوانين لاختراقها ، حتى وصل بنا المطاف لاختراع ثغرات في القوانين الإلهية لنقتل بعضنا البعض ، ونمارس الفواحش في الشوارع في نهار رمضان تحت شعارات إلهية ، ومن ثم فتحميل حكومة أو مجالس النيابية المسئولية الكاملة ليست إلا محاولة احترفنا ممارستها بامتياز لإيجاد شماعة مناسبة ومستساغة ظاهريا ونفسيا لتعليق الأخطاء دون مواجهة جريئة للأسباب الحقيقية ، خاصة وأن الحكومة والسلطة التشريعية هم نخبة منتقاة بنفس الضمائر والممارسات من نفس نوعيات الإنسان المحترف لاختراق القوانين والمحترف حتى لاختراق قوانين إلهية ، وبالتالي فالأولى هو التركيز على إصلاح نفوس البشر قبل تعديل القوانين بقوانين أخرى ستجد من يحترف اختراقها .

أخيرا .. لن تصلح القوانين ولا الجهود الحكومية والتشريعية من أخلاقيات مجتمع ما لم يكن هذا المجتمع مدركا لسلبيات أخلاقياته الحقيقية ، ومعترفا بوجودها ، وقادر على تصحيح مسارها ، فالمسئولية مشتركة للمجتمع كاملا بداية من إيضاح السلبيات الأخلاقية والنفسية وأسبابها الحقيقية بواسطة المسئولين عن الفكر والثقافة والدين والإعلام بالاشتراك والتعاون البناء مع أصحاب الفكر الواعي والأمين ، ثم الأساليب العلمية والعملية لعلاج المشكلة نفسيا ومجتمعيا والتي تبدأ من التربية في البيوت للأطفال والصغار قبل أن يصبحوا شبابا يحمل كل سلبياتنا التي نحاول إخفاء معالمها بنكران علاقاتنا بها وشجبها والتعجب من وجودها ، والبحث الدءوب عن شماعات تنجينا من تحمل المسئولية بأمانة .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز