عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
قميص البحر

قميص البحر

بقلم : د. عزة بدر

يقولون إن قلبك مساحة واسعة تتسع لألف مربع من الكاروهات الملونة، وإنك سوف تفاجئنى فى كل مربع بلون مختلف، وبامرأة ما تختزنها لوقت الحاجة!



تنام كل امرأة فى مربع خاص بها حتى تمد يديك وتنفض عنها التراب كتمثال قديم، فترقص رقصا ملتاتا مكهربا بعد أن تعانق يديك، ترقص حتى تسأم أنت فتنتقل إلى مربع آخر!

كل الناس تفضل الألوان الواضحة، الأسود أسود، والأبيض أبيض، وقد كنت مثلهم يوما ما، لكننى بعد أن عرفتك أحببت الكاروهات.. هذه المربعات الملونة العامرة بما لا أعرف، وبما لا يخطر لى على بال، هذه المفاجآت التى تنتظرنى، أدخل مربعا فأبكى، وأدخل آخر فأضحك، وآخر فأهيم على وجهى مجنونة بك فى شوارع لم تعرف غير السواد أو غير البياض.

يخاف الناس من تعدد الألوان، من تداخل البياض والسواد، يخفون أعينهم بأيديهم ويشعرون بالدوار عندما يطالعون لوحة لفازريلى، لكنى أنا أحب لوحاته وأصعد مدوَّخة على مهلى لرؤيتها، وعندما يصيبنى الدوار أنزل على قدمى وأمشى على المسامير، وأرى كل اللوحات المجروحة بأضلاع من خشب، والُمشوَّكة بالدبابيس والمسامير، والملطخة بألوان دامية فأستند إلى جذع شجرة، وأرفع عينىَّ إلى السماء فأجدها أيضا، ولحسن حظى مساحة واسعة من الكاروهات.. سحابات بيضاء فى مربعات، وغيمات تتداخل وتتحاضن فى مربعات، وأقمار تفرد نفسها، وتدق أضلاعها فى الأفق، وتملأ أصابعها بالصمغ، وتلتصق بمربعات الأنجم التى تصنع من نفسها أطرا لهالات من ضوء.

مُدوَّخة أنظر إليك وأهمس..

شكرا لك لأنك أريتنى لوحات فازريلى، دوختنى فرأيت السماء بشكل مختلف، والأقمار والسحابات والغيمات والأنجم.. كلها.. كلها رأيتها بشكل مختلف.
.. لم أعد أبصر يا حبى.. لا بنظارة طبية ولا بعدسة مكبرة، أسير فى العتمة وحدى، لكنى أعرف الطريق إليك.

يصف لى الناس دائما طرقا مختلفة لأبصر الحقيقة.. لأعرف حقيقة قلبى وقلبك.

قلبك الكاروهات!.. وقلبى الأبيض!

يصفون لى أنواعا مختلفة من العدسات المرققة والناعمة والمشطوفة والمقعرة والمحدبة والمغبشة والصافية فأقول:

لا أبصر إلا فى البحر، ولا أفتح عينيّ إلا إذا ألقى البحر قميصه على وجهى وعينيّ وقلبى فأبصر.

أبدد العتمة كما فعلت أول عاشقة فى التاريخ.. كما فعلت « إيزادورا».

نائمة هى منذ آلاف السنين فى مرقد من الزجاج، فى «بنى مزار» يشيرون إليها بالبنان.

- شهيدة العشق الفرعونية التى ألقت بنفسها فى البحر لأنها تصوّرت غرق الحبيب.

كانت تصعد بفانوسها يُضوَّئ، ويطفئ فيعرف حبيبها إشارتها، وعلامتها فيأتى.

لم يبق من قصتها تلك سوى الفانوس نفسه وهو يُضوَّئ وينطفئ فى أغنية لفيروز.. «جايبلى سلام عصفور الجناين من عند الحبايب.. جايبلى سلام..»

«قنديلك ضَوَّيه

قَوَّى الضوء شوية

وارجعى وطيه!

بيعرفها علامة

جايبلى سلام.. عصفور الجناين.. جايبلى سلام من عند الحبايب»

.. لم يبق من القصة تلك سوى فوانيس للنساء تضوئ وتطفئ فى الليل.

وعندما لا يأتى الرجال فى مواعيد الحب تلقى النساء بأنفسهن إلى البحر الأحن، البحر الذى يرضى بنا مدوخات بمساحات واسعة من الكاروهات نفصَّلها قمصانا

وفساتين.. كاروهات وجدت قلبك فأحببت العالم، ورأيته بشكل مختلف ! .
 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز