عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
عدو عاقل خير من .. صديق أحمق

عدو عاقل خير من .. صديق أحمق

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

(عدو عاقل خير من صديق جاهل) هو أصل المثل الإنساني والذي بالقطع يصف أحد أهم المباديء الإنسانية المتوارثة وهو مثل منتشر في كل لغات الأرض منذ آلاف السنين ويقولونها في اللغة الإنجليزية (Better have a wise enemy than a foolish friend.) ، من الأفضل أن يكون لك عدو حكيم خير من صديق غبي ، وهو مثل ينطبق بكل صوره ومفاهيمه على الواقع المصري الحالي المتفاقم عبر سنوات طويلة مضت ، ولا شك أنه عندما يصر أرباب الجهل أنه يعلمون كل شيء فسوف يتحول الجهل لحماقة مفسدة ، وهو حقيقة ما نعايشه ونعانيه خلال المرحلة الشديدة الحرج التي نمر بها حاليا ، فكوني أجهل ما كانت عليه الأمور من قبل في أي دولة ليس عذرا لي أن أتحامل على كل من يديرها وأتهمهم جميعا بالفشل ، خاصة عندما أن أكون أنا أحد أهم أسباب ما تمر به هذه البلد من مشكلات ومصاعب وفي كل مشكلة ادعي أنني مندوب ومبعوث كوكب الأطهار لأنتقد وأسب وألعن كل ما في هذا البلد من السلبيات والمشكلات ، وأحترف تعليق الفشل على أية شماعات حكومية ، فتلك هي قمة الحماقة وهذا لو كنت جاهلا بما أفعله وأمتلك عقلا مغيبا لا يعي ولا يفهم ما يقول ، ولكن لو كنت أعي جيدا حقائق الأمور ولكنني مخادع أو متآمر موجه ومسير بيد الغير أو حتى كارها ورافضا أو حالما بتدمير وطن أحيا فيه وهو في أشد الاحتياج لجهدي وإخلاصي فإنني بذلك أكون قد أضفت للحماقة ما هو أكثر فداحة وفحشا وهو نجاسة الخيانة .



وليس غريبا أننا في كل مشكلة يتكالب المتربصين سواء من الجهلة أو الحمقى أو الخونة على الحكومة والدولة وكأن هذه الحكومة جئنا بها من كوكب المجرمين لتتحمل نتاج فشلنا كشعب في تقويم أنفسنا ، فأولا  .. هل من واجب الوزير تتبع سائق القطار المحترف التسبب في الحوادث والكوارث والتأكد من منعه من قيادة أي قطار ، أم هناك بشرا تعمدت أو أهلمت ونتج عن ذلك تكرار تسبب هذا السائق بعينه في حوادث متكررة ومتقاربة ، وثانيا .. هل نملك رفاهية توفير 140 مليار لتطوير السكك الحديدية ، وفي نفس الوقت ضعفها لتطوير التعليم وخمسة أضعافها لتطوير الصحة ومئات أضعافها لتطوير كل منشأة أو هيئة من الممكن أن يسبب تهالكها وسلبياتها في مشكلة قومية كبرى ، وهل توجد دولة في العالم تملك القدرة على هذا حتى ولو كانت دولة عظمى ، أم أننا قد احترفنا سن السكاكين للبقرة التي تقع فقط ، وثالثا .. هل نعلم جيدا أنه في زمن النهب المباركي تم اعتماد أكثر من ضعف هذا المبلغ للتطوير وتم نهبه على مدى العقود المبروكة ولاحسيب ولا رقيب ، رابعا .. هل نعلم أننا لو قررنا محاسبة كل المجرمين في العهد المباركي فنحن في حاجة لأكثر من ثلاثة ملايين مكان في السجون وهو ضعف قدرة أية دولة عظمى ، وهل نعلم أن إدارة شئون الدول شيئا مختلفا عن إدارة قناة فضائية أو سوبر ماركت أو شركة استثمارية .

وحاش لله أن يكون الفكر هو الدفاع عن أخطاء أو كما يدعي البعض هو التطبيل للنظام أو الحكومة ، ولكنه بالفعل دعوة للتعقل وأحقاق الحق قبل الصراخ والعويل والاتهامات  ، فقبل التصدي للمحاسبة لابد وأن نتصف بالمصداقية في تقييم المشكلة بأمانة وواقعية حتى يمكن وضع الحلول المناسبة والحاسمة ، وإلا فسنظل أسرى لتكرار نفس الحوادث مرات ومرات وبلا قدرة حقيقية على التصدي لها ومنع تكرارها المؤلم والذي يهز ضمائر العالم قبل البلاد ، فالضحايا بشر وهم أبرياء ولا ناقة لهم ولا جمل سوى الحياة بصورة كريمة ومأمونة ، ولكن بنظرة سريعة ومتفحصة لأسباب الحوادث في العالم ، نجد أننا لا نجد حوادث الإهمال إلا في الدول صاحبة الشعوب العشوائية والفوضوية والتي لا تعرف معنى النظام والإلتزام واحترام المال العام والحرص على صيانته وتأمينه ، وأبسط مثال لما نحن فيه هو الاختفاء المتكرر لأغطية فتحات الصرف الصحي في الشوارع ، والتي فشلت جميع المحليات في وضع الحلول لها ، ولن تستطيع دولة أو حكومة أن تضع حلا لمثل هذه المشكلة ما دام هناك شعب يرى أن المال العام مستباح وإهداره شطارة ومهارة ويتسترون على من يسرقه ويهدره من أبواب (وانا مالي) ، و(حرام عنده عيال) ، و (خلي غيري يعملها) ، و (هيا الحكومة تستاهل) ، وكأننا نحيا في بلاد ليست ملكا لنا ، وخرابها هو انتصار لنا على أصحابها الأعداء ومن نسميهم الحكومة والذين احترفنا سبهم ولعنهم ومحاسبتهم على سوء أخلاقنا وإهمالنا وتغافلنا .

وليست السكك الحديدية هي الوحيدة التي تعاني من سوء استخدامنا وصمتنا الرهيب لعقود طويلة على نهبها ، بل ومشاركتنا الحمقاء لتخريبها ، ولكنها صاحبة النصيب الجاري والمشكلة المتربعة على سطح الأحداث ، والتي سوف تغطيها مشكلة أخرى قادمة حتى ولو كانت حادثة متعمدة بيد الخونة أصحاب فكر الإرهاب والخراب ، وسوف نترك تعمد المخربين ونتبارى في أكل لحوم أجساد من يمثلون الحكومة ، وهو ما حدث من قبل في المزرعة التي تحولت لمعسكر كامل لتصدير السلاح والمتفجرات والإرهابيين وكان يعرفها جميع سكان المنطقة دون أن يتجرأ واحدا منهم بالإبلاغ أو الإرشاد عنهم لسنوات ، إلا عندما قتل أحد أبناءهم ضحية هذا المعسكر فقرروا أن يتعاونوا مع جهات البحث الأمنية ، وقبلها شقة مفخخة في الهرم ويعرفها جيدا كل سكان العقار والشارع ولكنهم لم يبلغوا عنها وراح ضحيتها ضباط وجنود ومدنيين عند مداهمتها ، بل وبجوار كل منا كثير من الناس الذين يستغلهم تجار الدين لتخزين الأموال لديهم في صورة منقولات وسيارات وعقارات في مقابل استخدام منازلهم وعقاراتهم في تخزين الأسلحة والمتفجرات ولكننا لا نسأل ولا يسترعينا أن نتابع أمثال هؤلاء ، ولا نتكلم إلا بعد ضبطهم فتسمع قصصا تؤكد لك أن جيرانه كان يعلمون ولكنهم لا يبلغون ولا يتحركون إلا لو أصابهم ضررا مباشرا مؤلما أو قاتلا ، ومثل ذلك الكثير كأمثال هذا السائق الذي كان يتباهى علنا بما يرتكبه من جرائم في حق مهنته ، ولم يجرؤ واحد من زملائه أو جيرانه للإبلاغ عنه ، وأظنه حتى لو أبلغ فلن يهتم أحد بما يقوله أو هذا هو اعتقادي أنا والكثيرين ، فالعيب فينا جميعا قبل أن يكون في وزير أو حكومة أو نظام دولة ، وليكن لدينا الشجاعة أن نقولها واضحة وأمينة أن العيب الوحيد في نظام دولتنا هو شعبها ، فمنه تخرج الحكومة ومنه أيضا كل من يديرون مؤسساتنا فهم إخوتنا وأقاربنا وجيراننا ومعارفنا ، وفي وطننا هذا أيضا يسكن المتغافلون والمهملون والمتربصون والمتنعنتون والحمقى والجهلاء ، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فلا تستطيع أية دولة أو نظام في العالم أن يعيد تربية شعب ، ولكنها الشعوب هي التي تستطيع ذلك فقط عندما تريد أن تتغير للأفضل ، وأعتقد أن هذا الشعب قادر على تغيير نفسه وتقويم سلبيات أفراده في سنوات قلائل مقارنة بغيره من الشعوب ، ولكن هذا لن يأتي سلسا إلا عندما نواجه أنفسنا بالحقائق ونتوقف عن لعب دور الصديق الجاهل أو الأحمق

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز