عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حج «النافلة» أم صدقة «التطوع»؟

حج «النافلة» أم صدقة «التطوع»؟

بقلم : محمد مصطفي أبوشامة

يهلُّ علينا «ذو الحجة» كل عام، محمَّلًا بمشاعر الإيمان والأمل في القرب من المولى عز وجل، ويداعب الشوقُ قلوبَنا المتطلِّعَة إلى فيض خيرات الليالي العشر من هذا الشهر العظيم، التي يتوِّجُها «يوم عرفة»، أسعد أيام المسلمين، عندما يصطفُّ حجيجُهُمْ على جبل عرفة في اليوم التاسع ليؤدوا الركن الرئيسي من مناسك الحج، ويدعوا الله بقلوب خاشعة، آملين أن يصدق عليهم قول النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف: «الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّة»، بينما يكثِّف متابعوهم عبر شاشات التلفزيون من عموم المسلمين (الصائمين تطوُّعًا في هذا اليوم) دعاءهم وابتهالهم، لأن يكونوا من المحظوظين وتصل إليهم «دعوة ربانية» ليحجّوا في العام التالي.



ورغم الرغبة الجامحة لدى غالبية المسلمين في تأدية الحج أو العمرة وتكرارهما كلما أمكن ذلك، فإن الجدل يشتدّ سنويًّا قبل موسم الحج، حول أولوية التفضيل بين الحج والتصدق بالأموالِ على الفقراء، خصوصًا هذا العام الذي اشتدَّ فيه الفقر وتعاظَمَتْ معاناةُ المصريين بفعل قرارات اقتصادية رأى متخذوها حتميَّتَها لإصلاح اقتصاد البلاد، وبالَغَ البعض قبل شهور بمطالبةِ الدولة بمنعِ المصريين من الحج والعمرة هذا العام، وتقلَّصَتْ المبالغاتُ واستقرَّتْ عند «نافلة» الحج والعمرة، والنافلة هي تطوع ما بعد الفريضة.

ويختلف كثيرون مع ما وصل إليه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، وبعض علماء الإسلام في سائر بلاد الأرض، من أن كفاية الفقراء والمساكين والمحتاجين وعلاج المرضى وسدّ ديون الغارمين، وغير ذلك من وجوه تفريج كرب الناس وتخفيف آلامهم وسد حاجاتهم، التي يجمعها معنى «الصدقة»، تسبق في فضلها حج النافلة.

وفسرت «الإفتاء المصرية» ذلك بأنَّ أحب النفقة إلى الله تعالى هي ما كان أنفعَ للناس وأجدى في صلاح أحوالهم وإنعاش اقتصادهم، واستندَتْ إلى ترتيب الأولويات في التشريع الإسلامي، الذي أوصى عند التعارض بتقديم المصلحة المتعدية على القاصرة، والعامة على الخاصة، والناجزة على المتوقَّعَة، والمتيقَّنَة على الموهومة.

وفي المقابل، اتفق علماء كبار على مرِّ التاريخ على أن حج النافلة أفضل من التصدق بقيمة المال الذي سيُنفَق فيه، ومنهم ابن تيمية الذي قال: «الْحَجُّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً»، استنادًا لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سُئِل أي الأعمال أفضل؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: حَجٌّ مَبْرُورٌ. (رواه البخاري ومسلم).

وهناك أحاديث نبوية متعددة أيَّدَتْ المعنى السابق، وعَظَّمَت من قيمة الحج والعمرة وتكرارهما، وهو ما لا ينفيه أصحاب الرأي الأول، لكنهم يوضحون قائلين: «هذه الأحاديث الشريفة تتناول استحباب التطوع بالحج والعمرة عند انتفاء المعارض وعدم تزاحم الحقوق في أموال المكلَّفِين، ولم يكن تكرار الحج والعمرة متعارضًا مع كفاية الفقراء، وإنعاش الاقتصاد».

ولن يتوقف الجدل حول التفضيل بين الحج والصدقة، وظنِّي أن النوافل وأعمال التطوع في الإسلام يجب أن تخضع لقرار الشخص الذي سيقوم بها وقدرته ورغبته وحاجته الإنسانية، فهي أمور لا يصلح معها الفتاوى الجاهزة والموجَّهَة، طالما ما يقوم به من نوافل (سواء حج أو عمرة أو صدقة أو صوم) يأتي في إطار الحلال والمشروع.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز