عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المستشار عبد البارى شكرى .. القاضي الظاهرة

المستشار عبد البارى شكرى .. القاضي الظاهرة

بقلم : محمد عبد الوهاب خفاجى

رحل عن دنيانا منذ أيام بلا ضجة أو ضجيج المرحوم المستشار عبد البارى شكرى  نائب رئيس مجلس الدولة السابق , رحل أحد المجموعة الشمسية لسدنة العدالة التاريخيين , وقد شرفت بالعمل معه بمحكمة القضاء الاداري بالاسكندرية كمفوض للدولة أمام المحكمة في نهاية الثمانيات وبداية التسعينيات من القرن الماضى  .



وقد كانت أحكامه غرساً طيباً لإحقاق الحق للمواطنين الذين يلوذون بالقضاء لينصفهم من ظلم وعسف الإدارات , كما كانت تلك الأحكام تبعث الدفء في النفوس بل والحياة والأمل لغد مشرق , وقد رأيته إنساناً بكل معاني الكلمة وسخر علمه لصالح العدل , وكان مثالاً محصناً منيعاً ضد كل طغيان , كما كان يحيط نفسه بتواضع العلماء وصاحب مدرسة فريدة تقوم علي تحقيق العدالة قبل النصوص والقدرة علي الابداع والخلق الجديد الذى يزدان بطبيعته  القضاء الاداري بحسبانه قضاءاً انشائياً من نتاج الفكر الخالص للقاضى الإدارى .

وقد تولى المرحوم المستشار عبد البارى شكرى رئاسة المحكمة الإدارية العليا في بداية القرن الحادى والعشرين وأرسى العديد من المبادئ التى جعلت الأمل والنور لا ينقطع طالما ظل في الوجود عدلاً وإنصافاً خاصة لخريجى كليات الحقوق المتفوقين وأعلى من شأن المبادئ الدستورية وظل سيفاً بتاراً يعلى من شأن النبوغ العلمى كشرط للإلتحاق بكافة الهيئات القضائية ومازالت حيثياته التاريخية تقفز في أذهان تلاميذه فيقول في أحد أحكامه رفعاً لشأن العلم  " إذا كانت الصفات والقدرات الخاصة هي التي تؤهل المرشح لممارسة العمل القضائي  إلا أنه يجب ألا يتم اغفال الكفاءة العلمية  التي تنهض بمرفق القضاء وتعينه علي تحقيق العدالة المنشودة  ".

وها أنا استاذي الراحل اُقدم لروحك الطاهرة شهادة وفاء من تلميذ يعرف قدرك العظيم ، فأنت لست ظاهرة طارئة في المجتمع القضائى وتختفى لكنك ظاهرة راسخة نذكرها ونحتفى , فقد تعلمنا منك العلم والأدب والأخلاق , تعلمنا منك أن الرئيس القوى هو الذى يقوى بمرؤسيه الأقوياء من ذوى العلم والموهبة وأن الرئيس الضعيف هو الذى يضعف بمرؤسيه الضعفاء , الذين يقعون على شاكلتين الأولى صنف يفكر دون تنفيذ , وصنف ينفذ دون تفكير , تعلمنا من مدرستك أن الأستاذ العالم هو من يستجمع معه أهل العلم والفقه والبأس ليرتقى بهم بعيداً عن مدبرى الحرائق والدسائس  من سمات العالم الثالث ,  تعلمنا منك أن من لم يترك له تلاميذ وأحفاد لا يمكن أن يكون استاذاً في يوم ما , وسيكون بعد وقت قصير من الزمن  نسياً منسياً وأن من يعلم الأجيال من تلاميذ ذوى القدرات سيضحى بهم في سجل التاريخ قولاً ملياً , تعلمنا منك أنه في ظل العواصف قد لا تستطيع التحكم في توجيه الرياح لكنك تستطيع وبإتقان التحكم في شراعك ليظل متزناً يسير بك في وسط الرياح .

وأقول لروحك الطاهرة التى أثرت أرواحنا  وخالطت أنفاسنا وسعدت قلوبنا  وقد فارقتنا دون وداع مستودعة فينا كل فكر وعلم " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " صدق الله العلي العظيم , أقول لروحك المطمئنة إن  الذين ولدوا وتربوا في أحضان العواصف لا يخافون من هبوب الرياح , وأن قمة الثقة أن تصمت عندما لا يقدر الأخرون مواهبك وقدراتك وابداعاتك فأنت تعلم من أنت ومن هم , رحم الله أستاذنا عبد البارى شكرى واسكنه فسيح جناته , فأحسن الكلام ما صدق فيه قائله , وانتفع به قارئه , وسعد به سامعه .

*نائب رئيس مجلس الدولة

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز