عاجل
الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
محطات سفر ( 2 )

محطات سفر ( 2 )

بقلم : د. طه جزاع

المحطة الثانية : تبعد قونيا عن العاصمة أنقرة 230 كم جنوباً ، ويطلق الأتراك على هذه المدينة التاريخية إسم مدينة مولانا ( Mevlana ) لأحتضانها ضريح المتصوف المعروف جلال الدين الرومي ( 1207 - 1273 ) الذي قدم اليها من موطنه ومسقط رأسه في مدينة بلخ ببلاد فارس ، مروراً ببغداد التي مكث فيها أيام معدودات ثم دمشق طلباً للعلم ، وتوجه بعد ذلك الى بلاد الأناضول متخذاً لحياته نهجاً وسلوكاً صوفياً بعد لقاءه في قونيا بملهمه وشيخه وأنيسه ووتده الروحي شمس التبريزي ( أغتيل أو إختفى بلا أثر ) ، ومنذ ذلك اللقاء تغيرت حياة الرومي واتخذت منعطفاً صوفياً يتجاوز العبادات والطقوس الدينية التقليدية ، الى مدارات روحية جوهرها المحبة والانسانية ، ومبتغاها الوجد الصوفي والعشق الإلهي . وتصف هذه التحولات في حياة الرومي الروائية الكبيرة أليف شافاك في روايتها الشهيرة قواعد العشق الأربعون ( التي تسرد فيها حكايتين متوازيتين ، إحداها في الزمن المعاصر والثانية تجري أحداثها في القرن الثالث عشر ، عندما واجه الرومي مرشده الروحي المعروف بإسم شمس التبريزي ) وقد تكون هذه الرواية هي التي شغفت قلبي لزيارة مدينة قونيا والمكوث ليلة بقرب مثوى الرومي الذي يطلق عليه محبوه لقب سلطان العارفين ، أو ( سلطان العلماء ) كما قرأت ذلك لاحقاً في لوحة فوق قبره ، بل ذهبوا بعيداً في تبجيله حين وصفوا ضريحه بكعبة العشاق ، كما هو مدون على باب مدخل الضريح .



أخترت أن أسافر من أنقرة الى قونيا بالقطار السريع ( TCDD ) وبالدرجة الخاصة التي يبلغ ثمن تذكرتها 35 ليرة ( مايعادل عشرة دولارات) ، تقدم فيها وجبة غداء خفيفة من مضيفين ومضيفات ، وماهي إلا ساعتين حتى تجد نفسك في محطة قونيا . وكنت قد إستعنت قبل توجهي لهذه المدينة بولدي في بغداد ليحجز لي في فندق قريب من ضريح الرومي ، بعد ان فوجئت بأن برنامج ( Booking . Com ) الألكتروني الذي اعتمد عليه خلال سفري لإتمام الحجز الفندقي محجوب في تركيا منذ نهاية آذار 2017 مع صدور قرار من محكمة تركية يقضي بحجبه ووقف تقديم خدماته بسبب المنافسة غير المشروعة ، كما جاء في قرار المحكمة .

( علمت بعد اسبوعين ان هناك برنامجاً بديلاً للحجز من داخل تركيا يسمى Agoda. Com يمكن تنزيله على جهاز الهاتف الجوال والاستفادة من خدماته ) . وصلت قونيا الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الخميس 27 تموز ، كان الطقس حاراً ، وكان الفندق متواضعاً مع انه يحمل اسم مولانا ! فضيلته الوحيدة انه قريب جداً من ضريح الرومي ، ومع ذلك قررت إلقضاء فيه ليلة واحدة فقط حتى أتم غايتي بزيارة المتحف ثم البحث عن فندق أفضل حتى وان كان في أطراف المدينة ، وبعد أن استلقيت على سريري لآخذ قسطاً من الراحة ، توجهت مشياً الى ضريح الرومي ، غير ان موظفي المبنى أبلغوني ان وقت الزيارة قد إنتهى لهذا اليوم ( يعامل الضريح معاملة المتاحف الحكومية شأنه شأن متحف آيا صوفيا في اسطنبول وبقية المتاحف في المدن التركية التي تستقبل الزوار عادة من الساعة التاسعة صباحاً حتى الساعة السادسة مساءً ، ولبعض المتاحف يوم أو يومين تغلق فيها أبوابها أمام الزوار والسائحين ) .

صباح اليوم التالي الجمعة ، ذهبت مبكراً الى متحف الرومي ، فوجدت تجمعاً من عشرات الزوار والسائحين بانتظار افتتاح أبوابه ، فقد سجل هذا المتحف في السنوات الثلاث الأخيرة أعلى معدلات للزيارات متفوقاً في ذلك على متحفي آيا صوفيا ومتحف وقصر توب كابي في اسطنبول ) . وما ان افتتحت الأبواب حتى توجهنا جميعاً الى شباك التذاكر ( ثمن التذكرة 20 ليرة أقل من 6 دولارات ) غير ان التذاكر وزعت علينا مجاناً في ذلك اليوم ، ولم أعرف السبب حتى الآن عدا عن تخميني بأن التذاكر قد تعطى مجاناً أيام الجمع . قال الرومي يوماً ( لن تكون الأرض بعد الموت قبري .. إن قبري في صدور العارفين ) .

غير اني الآن أخيراً أمام قبر الرومي الفخم المغطى بقماش مزخرف بالذهب ، ويقع الضريح تحت قبة اسطوانية مكسوة بالقرميد الأخضر ومزخرفة بخزف فيروزي صممت وفق الطراز السلجوقي ، وقد أصبحت تلك القبة من العلامات البارزة الدالة على مدينة قونيا منذ ذلك العهد . وتعرض في هذا المتحف المقتنيات الشخصية للرومي مثل غطاء رأسه وسجادة صلاته وملابسه ، فضلاً عن مخطوطات قديمة مزينة بالصور الملونة لمؤلفاته وأشعاره .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز