عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نقابة الأطباء... كثير من الصدام ، قليل من السياسة.!

نقابة الأطباء... كثير من الصدام ، قليل من السياسة.!

بقلم : د. أحمد الديب

تجاهل نقابة الأطباء ونقيبها وعدم توجيه دعوة رسمية لها للمشاركة في إجتماع النقابات المهنية مع المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء لا يمكن بأي حال من الأحوال تفسيره بمعزل عن النهج الصدامي الذي تتخذه نقابة الأطباء حتي وإن كان هذا النهج ينطلق من منطلقات نبيلة ومخلصة ونوايا حسنة ‘ إلا أن الطريق إلي الجحيم يكون في أغلب الأحوال ممهداً بالنوايا الحسنة . تجاهل نقابة الأطباء أكبر نقابات المهن الطبية ، وحتي لا نجامل ولا  ندس رؤوسنا في الرمال ليس له إلا معني واحد فقط أننا أصبحنا والحمد لله كأطباء في منطقة ما يمكن أن نسميها "البلاك ليست"




"البلاك ليست" ...هي نتيجة ، وسببها المباشر علي ما أري أن النقابة ومع الإحترام للشخوص أبعد ما تكون عن ممارسة السياسة ، ليست السياسة بمعناها السلبي الذي ربما يقفز إلي الأذهان والتي من مقتضياتها "الغاية تبرر الوسيلة " ، لكنها السياسة التي هي فن الممكن ومن مقتضياتها العلاقات لعامة الجيدة ومهارات التفاوض المتينة والموائمات والتكيفات .


فقر السياسة الذي منيت به نقابة الأطباء في ظل التشكيل الحالي ، نتيجة مباشرة لما وجدنا عليه آبائنا من أننا نصعد للعمل العام من هو ليس أهلاً له ومن لا يمتلك أدواته ومن لا تسعفه شخصيته أو تصوراته الذهنية أو طاقته أو قدراته الشخصية للوصول بأي منظمة كانت إلي حد أدني من الإستقرار والإنجازات والنجاحات .


وهكذا جري العرف كما هو في القطاع الصحي الإداري أن يكون المعيار الوحيد والأوحد في إختيار مدراء للمستشفيات مثلاً هو السيرة المهنية الفنية الزاخرة . لدينا قناعة في منتهي الغرابة مقتضاها أن الجراح الشاطر ينفع يبقي مدير شاطر وأن أستاذ الجامعة المرموق ينفع يبقي نقيب أطباء أو وزير صحة . والنتيجة يا سادة كما ترون ، لا نستطيع تنفيذ حكم بدل العدوي الصادر في حق الاطباء ، وأصبح الطبيب في مهب الريح عرضة لكل شيء من أصغر موظف في الحكم المحلي.


المساومة الجماعية (Collective Bargaining) هي الإجراء الأساسي في عمل النقابات بوجه عام وتقوم النقابات من خلالها بالتفاوض مع رب العمل من أجل تحسين أوضاع الأعضاء من أجور وشروط عمل وغير ذلك مما يحقق الارتقاء بمستوي الاعضاء علي كافة الاصعدة.


 رب العمل في حالة نقابة الأطباء هي وزارة الصحة التي ينتسب اليها معظم الأطباء أي أن إجراء المساومة الجماعية سيتم في الأساس مع وزارة الصحة التي تمثل الحكومة والتي لن يفيد الأطباء(في ما أري) لا الخضوع لها ولا الصدام معها وإنما سيستفيدون حتماً من العمل المشترك لإيجاد صيغ توافقية يحددها الواقع والأوزان النسبية للأطراف والقدرة علي التفاوض المحترف والمدروس والذي لن يستغني عن السياسة وجودة العلاقات العامة.


ثمة مهارة لا بد أن يمتلكها نقيب الأطباء من أجل مصلحة الأطباء  بل هي أهم المهارات, أن يكون مفاوضا جيدا (هل يختار الأطباء نقيبهم طبقا لمعايير محددة؟) .وفي رأيي فانه يمكن غض الطرف عن عدم توفر بعض المهارات الأساسية إذا توفرت صفة المفاوض الجيد الذي يتسم بالتخطيط الجيد و  يعتمد عدة حلول للعمل وللمقترحات والمساومة واضعا   حداً أعلي وحداً أدنى لما يريد الوصول اليه في المفاوضات, كما أنه يجب ان يحزم بدون تردد لان التردد فيه أخطار قد يكون أقسي من أخطار الأقدام والجزم  الي غيرها من الصفات الرئيسية في المفاوض والتي تنبع إما من مهارة شخصية فطرية أو تكون مهارة مكتسبة من التدريب والتعلم من زخم الخبرات.


الصدام الدائم مع الحكومات ليس في مصلحتنا نحن الأطباء(علي ما أري) كما أن الرضوخ أيضا لا يليق . ثمة منطقة استراتيجية بين الصدام والرضوخ ، إنها السياسة التي تمكننا من الحصول علي ثلاث مطالب من خمسة وعلي خمسة مطالب من عشرة .أما البديل فهو ما نحن عليه الآن !.


ثمة فجوة بين ما يري الطبيب في نفسه وبين ما تراه الدولة فيه فبينما يري الطبيب انه الأول دائما والمتفوق دائما وانه الاولي باهتمام الدولة تتعامل الدولة معه كموظف حاصل علي مؤهل عالي يتم تعيينه علي الدرجة الثالثة وبالتالي لن نستطيع الحصول علي حقوقنا بالصلابة بل بالمرونة, شيء من السياسة, شيء من مهارات الاتصال, شيء من مهارات التفاوض, وأشياء أخري أعمق وانجع من الوقوف علي سلالم النقابة.


العبث كل العبث أن نحاول أن نفتح الأبواب بذات المفتاح الذي قمنا بتجربته أكثر من مرة وبائت كل محاولاتنا السابقة بالفشل . المنطق يقول ، لا بد ان نجرب مفاتيح أخري . والواقع يقول أن الأطباء في هذه المرحلة في أمس الحاجة إلي ما يمكن أن نصفه باللغة العامية "حالهم يمشي" .


العمل السياسي جزأ لا يتجزأ من ممارسات النقابات العمالية (ربما نحتاج إلي مراجعة المراجع الأكاديمية)، وعلي من يري أن ممارسة السياسة ما هو إلا رجس من عمل الشيطان يستطيع بكل إحترام أن يكتفي بعيادته ومريضه وأن يخدم وطنه من هذا المكان . أما العمل العام والذي تكون فيه المسؤولية عن آلاف الأطباء فهو في أمس الحاجة إلي القليل من الصدام والكثير من السياسة.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز