عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
محطات سفر (3)

محطات سفر (3)

بقلم : د. طه جزاع

المحطة الثالثة :



إنهُ صباح الجمعة 28 تموز 2017 وقد حرصتُ أن أحضر مبكراً لزيارة متحف وضريح الصوفي العاشق الكبير جلال الدين الرومي ، وهو يبعد خطوات قليلة عن فندق " Mevlana   مولانا " الذي اخترته للسكن في مركز مدينة قونيا ، أقول مبكراً لسببين ، الأول شغفي لهذا اللقاء المؤجل مع مولى المتصوفين العشاق ، والثاني لرغبتي بمغادرة الفندق المتواضع سريعاً ، والبحث عن سكن آخر مناسب حتى لو كان في أطراف المدينة ، ومما لاحظته إن أغلب الفنادق المحيطة بالمتحف والقريبة منه ، هي من صنف فندق "مولانا" الشعبي ، ميزتها المهمة إنها قريبة من مولانا !

كنت قد حجزت في الفندق بواسطة الانترنت ثلاث ليالٍ ، وتوقعت أن أجد مشكلة في انهاء الحجز بعد الليلة الأولى ، غير ان موظفي الادارة والاستقبال في فندق " مولانا " كانوا يتمتعون بقدر كبير من اللياقة واللطف والتهذيب ، شأنهم شأن العاملين في معظم الفنادق ، بصرف النظر عن مستوياتها الخدمية وتصنيفها السياحي وعدد نجومها ، فلم أواجه أية صعوبة في تغيير سكني بعد الانتهاء من زيارتي للمتحف الذي قضيت فيه أكثر من ساعتين ، وجلست في فناءه أكثر من ساعة ، تحت ظل شجرة ، متأملاً ومستذكراً رحلة الرومي الطويلة من بلخ الى قونيا ، ومستعيداً في ذهني نهاية عزيز كاتب رواية  " تجديف عذب " التي تختار دار نشر أميركية ان تراجعها السيدة إيلّا روبنشتاين لتتغير حياتها الراكدة وتنقلب رأساً على عقب بعد اطلاعها على مخطوطة الرواية التي تتناول حياة الرومي ومعلمه الدرويش الصوفي شمس التبريزي ، فتتخلى عن زوجها واولادها الثلاثة ، بعد تواصلها مع الكاتب عبر البريد الالكتروني لتنشأ بينهما بمرور الأيام وتبادل الرسائل قصة عشق مجنونة عابرة للمكان والأديان ، وتنتهي الحكاية التي شهدت أحداثاً ومواقف مثيرة بموت عزيز ودفنه في قونية على خطى حبيبه الرومي " . ( قالت إيلّا في بطء : إنّها القاعدة الأربعون : الحياة بلا حبّ تافهة ، لا يؤبه بها . لا تسألي نفسك عن الحبّ الذي ينبغي لك البحث عنه ، روحيّاً أو مادّياً ، دنيويّاً أو ربّانياً، شرقيّاً أو غربيّاً ... التقسيمات لاتؤدّي إلّا إلى تقسيمات أخرى . ليس للحبّ أسماء ولا تعريفات . هو ما هو . شفّاف وبسيط . الحبّ هو ماء الحياة ، والعاشق روح النار ! والكون يصبح كوناً مغايراً عندما تحّب النار الماء ) ..  نهاية رواية قواعد العشق الأربعون – أليف شافاك – ترجمة محمد درويش – دار الآداب – بيروت.

متحف الرومي ، لا يضم ضريحه فحسب ، انما هو مقبرة واسعة تضم رفات أبنائه ومريديه والعديد من المتصوفة والدراويش والشخصيات العامة والوجهاء في زمانه ، سواء تحت القبة المخروطية السلجوقية الفيروزية أو في فناء وحدائق المتحف ، ووضعت على رؤوس أغلب الأضرحة عمائم أصحابها أو قبعاتهم المخروطية المولوية ، وتشاهد داخل المتحف مقتنيات الرومي الشخصية ونماذج من أغطية رأسه وملابسه ، ومخطوطات مزخرفة نادرة للمصحف الشريف ، مع مخطوطات مزينة برسومات ملونة وزخارف لأشعار الرومي ومؤلفاته الكبرى مثل " المثنوي " والديوان الكبير – ديوان شمس التبريزي "  . وفي الفناء المقابل لمدخل الضريح هناك غرف صغيرة متتالية تبلغ أكثر من عشرين غرفة تعلو كل منها قبة صغيرة ومنارة مخصصة لعرض مقتنيات الدراويش وأزيائهم  وراياتهم وناياتهم ودفوفهم ومعداتهم من أوانٍ نحاسية وقبعات مخروطية وملابس وعمائم مزخرفة ، ومعازف وآلات موسيقية تستخدم في الرقصة الصوفية المولوية التي إبتكرها الرومي ، فضلاً عن قاعة تضم تماثيل جبسية تمثل المتصوفة والدراويش في حياتهم اليومية . وفيما بين هذه الغرف ومدخل الضريح الذي نقشت عليه عبارة " ياحضرت مولانا " بالخط العثماني ، وتحتها عبارة " كعبة العشاق " فناء تتوسطه نافورة ماء محاطة بسياج حديدي دائري مزود بحنفيات ماء ومقاعد لوضوء الزائرين .

كان الفندق الذي انتقلت اليه وقت الظهيرة ، وهو من سلسلة فنادق  " ديدمان "  بعيد بعض الشىء عن مركز المدينة ، لكن ما أن حل وقت الغروب ، وخَفَتْ حرارة الطقس ، وأصبح الهواء في قونيا لطيفاً ، حتى وجدت نفسي منقاداً من دون تخطيط لركوب سيارة أجرة تعيدني الى " حضرت مولانا " !

[email protected]

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز