الاختبار السهل الممتنع

بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى

إذا أردت أن تعرف أقرب الناس إليك على حقيقته ، امنحه كل المعاني الجميلة ، وأهمها الاهتمام والحنو ، وبث الثقة في النفس ، وحينها ستعرف حقيقته ، فالإنسان الكريم قطعًا سيقُدر كل تصرف أو فعل أو كلمة صادقة ، وسوف يسعى جاهدًا بكل سبل للاحتفاظ بمن منحه كل المعاني الجميلة ، ولن يسمح للحياة أن تغرّه ، ويستشعر أنه أصبح متحكمًا في هذا الشخص كلية ، للدرجة التي تجعله يُهمله ، ويلقي برغباته وأمانيه عرض الحائط ، أما الإنسان اللئيم ، فأول شعور يستحوذ عليه ، هو أنه امتلك هذا الشخص ، وأصبح تحت سيطرته وقبضته ، وسيتصرف على هذا المنوال دون رادع ؛ لأن الغرور سيكون قد أخذ منه مأخذه ، وهنا سوف يغيب العقل تمامًا ، ويبدأ في الإتيان بتصرفات غير لائقة ، يكمن خلفها الجرح والإهانة واللامبالاة ، فهو يصبح غير عابئًا بالإنسان الذي منحه كل شيء ، ظنًا منه أنه امتلكه .

وقطعًا ، نحن لا نختلف على أن هناك شخص يُقدس ممتلكاته ، ويُحافظ عليا ، وهذا ما يُعرف بالشخص الأصيل ، وهناك أيضًا شخص يظل يُقدس الشيء ، طالمـا أنه لا يملكه ، وبمجرد شعوره بامتلاكه ، يبدأ في إهماله تمامًا ؛ لأن لذته كانت فقط في محاولة الاستحواذ عليه ، ولكنه لا يعبأ بقيمة ما امتلكه في حد ذاته .

والأفضل ، أن من يستشعر أنه يتعامل مع أشخاص من هذه النوعية ، أن يضربهم في مقتل ؛ وذلك بأن يثبت لهم أنهم أبدًا لم يتملكوه ، وأن ينسحب فورًا من حياتهم ، غير باكيًا عليهم ، أو بمعنى أدق ، يطردهم من حياته للأبد ؛ لأنه من المستحيل التعامل مع شخصيات لا تعرف ولا تُقَدِّر قيمة النعمة ، التي منحها الله لهم .

فالإنسان العطَّـاء ، الصادق المخلص ، هو نعمة حقيقية من المولى – عز وجل – ومن لا يعرف قيمته ، يستحق أن يُعاقب بخروجه من حياته ، ولكن لكي نتخذ كل هذه القرارات ، لابد من وضع هؤلاء الأشخاص في الاختبار الحقيقي ، فهو اختبار سهل ممتنع ، فما أصعب من أن تمنح بلا حدود ؛ حتى تعرف معدن من تتعامل معه ، وهو يستغل ذلك أسوأ استغلال ، ويبدأ في إهمالك أيضًا بلا حدود .