عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
محطات سفر ( 4 )

محطات سفر ( 4 )

بقلم : د. طه جزاع

 المحطة الرابعة :



لا يبعد فندق ديدمان ( Dedeman ) أكثر من ربع ساعة بسيارة الأجرة عن متحف وضريح Mevlana ) Muzesi ) جلال الدين الرومي وسط مدينة قونيا ، ولا تزيد الأجرة عن خمسة عشر ليرة ( حوالي $4 ) غير ان المتحف يكون قد أغلق أبوابه وقت الغروب ، وتبقى مصابيحه الملونة مضاءة طوال الليل ، كما تبقى أبواب الجامع المجاور له مفتوحة للمصلين حتى مابعد صلاة العشاء ، ويطل كل من المتحف والجامع على ساحة واسعة ومضاءة تتوسطها نافورة ماء بألوان متعاقبة من الاضاءات الملونة التي يغلب عليها اللون الأخضر ، وتنتشر وسط هذه الساحة وعلى جوانبها أكاليل الزهور الحمر مرفوعة على منتصف أعمدة الكهرباء بنسق منتظم ، كما تنتشر الشجيرات والأعشاب وأنواع الورود ، وتتوزع في هذه الساحة مقاعد جلوس الناس الذين تستهويهم مثل هذه الأجواء بعد غروب الشمس حيث تهب نسائم باردة عذبة تكسر الى حد كبير حرارة طقس أواخر تموز بنهاراته الحارة الطويلة ، خصوصاً وأن وسائل المواصلات الرخيصة متوفرة للوصول الى الساحة التي تمر بجانبها الحافلات العمومية وسيارات النقل الجماعية ، فضلا عن الترام الذي تحاذي سكته الحديدية الساحة ، وله موقف عند المتحف بعد ان يدور نصف استداره حوله ليعود الى أطراف المدينة وأسواقها ومناطقها السكنية . وتحيط بالساحة المقاهي والمطاعم ودكاكين بيع الهدايا التذكارية المصنوعة من الجبس أو النحاس أو الخشب أو اللوحات المطبوعة على الأقمشة أو على الأواني المنزلية والصحون الخزفية ، وأغلبها تخص جلال الدين الرومي ورقصة الدراويش ، التي تسمى رقصة السماع أو ( المولوية ) وبعض هذه التذكارات عبارة عن ألعاب الكترونية تعمل بالبطارية يدور فيها الراقص الصوفي بملابسه البيض وقبعته المخروطية ، وهناك تذكار يمثل الرومي مع شيخه ومرشده الروحي شمس التبريزي ، ومجسمات للمتحف والضريح ، وتماثيل كثيرة بهيئات وحركات متنوعة لراقصي المولوية .

كنت قد خبرت استخدام الترام في الليلة السابقة الخميس ، يوم وصولي بعد الظهر الى قونيا بالقطار قادماً من أنقرة ، فعندما وصلت المتحف متأخراً ولم أحظ بدخوله لانتهاء ساعات الزيارة الرسمية ( 6 مساءً ) رغبت باستثمار الوقت لاكتشاف بعض معالم المدينة ، وبعد بحث قصير في الانترنت وجدت إن مول ( Kent Plaza ) يعد من أكبر مراكز التسوق في المدينة ، فطلبت من سائق أجرة إيصالنا اليه من أجل تناول العشاء وتمضية الوقت في هذه الليلة بانتظار اطلالة الصباح لزيارة متحف وضريح الرومي ، وعندما غادرت المول رغبت بإستكشاف آخر لطريق العودة الى فندق مولانا غير سيارات الأجرة ، فوجدت ان سكة الترام محاذية للمول ، وهناك محطة للتوقف بجانبه ، حاولت الدخول الى المحطة مع ادراكي ان ذلك غير ممكن لعدم إمتلاكي البطاقة الألكترونية الخاصة باستخدام الترام والباصات العامة ، فوجدت أحد العاملين متواجداً كالعادة عند بوابات الدخول الى المحطة ، وحاولت أن أفهمه انني اريد صعود الترام وليس معي البطاقة ، ومعي ليرات قدمتها له للسماح لي بالدخول ، غير إنه رفض أخذ الليرات ، وسمح لي بالدخول عبر الممر المجاني غير الالكتروني المخصص عادة للحقائب والمعاقين وكبار السن والحالات الخاصة ، مثل حالتي !

بعد أن صعدت الترام ، علمت من سؤالي لبعض الركاب ، انه لا يؤدي الى مقصدي مباشرة ، ويتوجب أن أنزل في احدى المحطات ، ومنها أستقل خطاً آخر ينتهي عند منطقة ( Mevalana ) ومن حسن الحظ ان ذلك لا يتطلب بطاقة الكترونية لأني مازلت في حدود محطة الترام ! ومما لاحظته فضلاً عن وصولي مجاناً من المول الى منطقة المتحف والضريح ، هو اعتياد المواطنين في قونيا على تقديم المساعدة للسائحين ، والإصرار على إرشادهم وايصالهم الى مبتغاهم حتى لو تطلب ذلك منهم وقتاً ، بل ان الذي لايسمح له وقته بتقديم الارشادات التفصيلية ، فإنه يتحدث مع راكب آخر من مواطنيه ليقوم بهذه المهمة ، وهذا من دون أدنى شك ناتج عن تجربة طويلة في التعامل مع السياح والزائرين ، غرزت لدى المواطن روحاً منفتحة متعاونة تميل الى تقديم الخدمة والإرشاد للسائح والغريب من دون مقابل ، وبلا تأفف أو تذمر أو ضجر .

وهكذا تسنى لي أن أقضي ليلتين متتاليتين في ساحة المتحف والضريح ، في طقس صيفي منعش ، يشتد برداً كلما تقدمت ساعات الليل الى حد إن الجالسين في المقاهي المحيطة بالساحة لإحتساء قدح من القهوة أو تدخين النارجيلة يطلبون من أصحاب المقاهي عباءة أو شال خفيف لتغطية أكتافهم ، ومثل هذه العباءات والشالات متوفرة عادة في أغلب المقاهي والمطاعم التي تعمل الى ساعات متأخرة من الليل ، وقد طلبناها في الليلة الأخيرة ونحن نلبي دعوة عشاء لصديق عزيز مقيم في قونيا مع أسرته ، إصطحبنا بسيارته صباح اليوم التالي من الفندق ليوصلنا الى مطار المدينة الصغير ، لننطلق منه الى مطار صبيحة جوكشين أو كوكجن – أول إمرأة تركية تقود طائرة حربية ، توفيت سنة 2001 عن 88 عاماً وكانت واحدة من ثمانية أطفال تبناهم أتاتورك سنة 1925 – ويقع هذا المطار في الطرف الآسيوي من اسطنبول .

 وبعد انتظار زاد عن الساعتين ، ركبنا طائرة ثانية ونحن في طريقنا الى سياحة غير روحية هذه المرة ... الى مدينة طرابزون جوهرة السياحة على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأسود التي تبعد عن قونيا بأكثر من 700  كم 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز